مع زيادة تدهور الوضع المعيشي في سوريا، ووصول سعر الدولار الأميركي إلى نحو 9000 ليرة سورية، تتجه الحكومة السورية إلى تقديم حلول تقنع بها الشارع السوري، بمساعيها لحل الأزمات المعيشية، وغالبا ما تتجه إلى زيادة الأجور والرواتب التي غالبا ما تكون عبارة عن “إبرة مخدر لا تغني ولا تسمن من جوع”.

ورغم موجات الارتفاع الكبيرة في أسعار السلع والخدمات منذ مطلع العام الجاري، حيث وصلت الارتفاعات في بعض المواد إلى أكثر من 50 بالمئة، عجزت الحكومة عن إقرار أية زيادة في الرواتب خلال الأشهر الأخيرة، ليخرج اليوم أحد المسؤولين ويتحدث عن تبريرات عدم تطبيق زيادة مؤخرا.

رئيس لجنة الموازنات في “مجلس الشعب السوري” ربيع قلعجي، برر عدم تطبيق زيادة الأجور والرواتب بحادثة الزلزال التي وقت في السادس من شباط/فبراير الماضي، دون أي توضيح عن خطة لزيادة قادمة في معدلات الأجور والرواتب في البلاد.

الزلزال السبب؟

قلعجي قال في تصريحات لإذاعة “نينار إف إم”، إن مشروعا كان يتم إعداده لزيادة الرواتب في سوريا بنسبة وصفها بـ”الجيدة”، إلا أن كارثة الزلزال أوقفت المشروع وتم تسخير الميزانية المخصصة، للاستجابة إلى تداعيات الزلزال الذي استنزف هذه الكتلة، “ولم يكن هناك إلغاء لموضوع زيادة الرواتب وإنما تأجيل، لأن الوضع العام يتطلب رفع وزيادة في الرواتب” حسب قوله.

مصدر الصورة: getty ımage

خبراء وباحثون في الاقتصاد السوري أكدوا في وقت سابق أن الحكومة السورية عاجزة عن تطبيق أية آليات من شأنها تحسين الوضع المعيشي، وهي ترفض الاعتراف بذلك وتقدم الوعود المتعلقة بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، أما بالنسبة لزيادة الرواتب بنسب فعلا تُحسن الواقع المعيشي، فتطبيق هكذا قرارات سيكون بمثابة الضربة القاضية لأسعار مختلف السلع والخدمات.

زيادة الأجور في المرحلة الحالية ستعني بشكل أو بآخر زيادة الأسعار بنفس النسبة وربما أكثر، وذلك لعدم وجود خطة مجدية تخدم قطاع التجارة والصناعة بما يضمن زيادة معدلات الإنتاج، وبالتالي تمكين المواطن من شراء المزيد من السلع والخدمات بعد الزيادة.

ويعاني السوريون من هوة كبيرة بين الدخل والانفاق، ففي حين لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 92 ألف ليرة، ومتوسط الأجور عن 150ألف، بلغ متوسط معيشة الأسرة المكوّنة من خمسة أفراد أكثر من 5.6 ملايين ليرة سورية والأدنى نحو 3.5 مليون ليرة سورية، وذلك مع انتهاء الربع الأول من عام 2023، بحسب ما نشر مركز “قاسيون” من دمشق أخيرا.

أحمد الحسن موظف يعمل في مديرية المالية في حلب، أكد أنه لا يتفاءل كثيرا في إشاعات زيادة الرواتب مهما بلغت نسبتها، وذلك لأنه يعلم مسبقا أن الزيادة تسبقها زيادة في أسعار معظم الخدمات والسلع الاستهلاكية، وذلك بعد إقرار الزيادة يكون هناك ارتفاع في الأسعار، فضلا عن أن الزيادة لا تتجاوز 30 بالمئة في أفضل الأحوال، والراتب الحكومي يحتاج إلى مضاعفة مرات عدة حتى يتلاءم مع الأسعار.

قد يهمك: بدء ترخيص مولدات الأمبير في دمشق.. اعتراف حكومي باستمرار أزمة الكهرباء؟

الحسن قال في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “رغم كل هذا الارتفاع لم يتم إقرار أي زيادة في الرواتب، وللأسف عند تطبيق أي زيادة ستكون هناك موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، لا يوجد هناك مؤشرات حققية أو خطط حكومية لتحسين واقع المعيشة في سوريا، الأوضاع الاقتصادية دائما تتجه نحو الأسوأ”.

عجز حكومي

تحسين الواقع المعيشي للسوريين، يتطلب بحسب مختصين في الاقتصاد إلى وجود رؤية وخطة واضحة لتحسين واقع الإنتاج بمختلف قطاعاته، فضلا عن تحسين البنية التحتية وتأمين الخدمات الأساسية، بما يخدم القطاع الإنتاجي، وبذلك تتحرك العجلة الصناعية ويزداد الطلب على اليد العاملة، بالتالي يمكن الحديث عن تحسن في الواقع المعيشي للسوريين، لكن كل ما سبق فشلت دمشق في تحقيق الأدنى منه.

في تأكيد على عدم جدوى الذهاب إلى فكرة زيادة الأجور، رأى  الخبير الاقتصادي والمصرفي عامر شهدا في تصريحات لصحيفة”تشرين” المحلية، أن أي زيادة للرواتب في ظل التضخم الجامح هي زيادة خُلّبية، لأن التضخم وارتفاع الأسعار سيمتص الزيادة ونعود لنقطة البداية.

الارتفاع في الأسعار لا يكاد يستثني ولا حتى مادة غذائية واحدة، من المواد التي اعتاد السوريون استهلاكها في موائدهم اليومية،  فحتى المادة التي توصف بأنها “قوت الفقراء” بسبب انخفاض ثمنها وهي الزعتر، ارتفع سعر الكيلو منها مؤخرا ليبلغ سعر كيلو الزعتر الحلبي، في أسواق حلب 30 ألف ليرة سورية للنوع الأول و 22 ألف ليرة للنوع التجاري.

مراقبون وخبراء في الاقتصاد، رأوا أن سبب تدهور وفوضى الأسعار يعود إلى قرارات الحكومة السورية والفساد المستشري في البلاد، بجانب تحريك تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، فضلا عن غياب دوريات الرقابة الحكومية وتحكم التجار بالأسعار، وعدم وجود خطط مُجدية لضبط عمليات البيع بأسعار مناسبة. 

كذلك فإن صعوبة المعيشة تتركز بشكل أساسي على استمرار تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وذلك في ظل انخفاض قيمة الليرة أمام القطع الأجنبي، حيث وصل سعر الدولار الأميركي في سوريا إلى نحو من 9000 ليرة للدولار الواحد، في ظل زيادة طفيفة لا تعادلها أبدا في الرواتب والأجور.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات