منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تلاه من عزلة دولية تعرضت لها روسيا نتيجة الانتهاكات التي ارتكبتها في أوكرانيا، وذلك من قبل الدول الغربية، عمدت الجزائر إلى تطوير علاقاتها مع روسيا، رغم اتجاه معظم دول العالم إلى معاقبة روسيا نتيجة عمليات الغزو التي طالت مناطق أوكرانية.

على الرغم من أن العلاقات الروسية الجزائرية هي علاقات قديمة، وتسبق عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن وتيرة العلاقات زادت خلال العام الماضي، في وقت استغلت روسيا المصالح الجزائرية المتعلقة بالاقتصاد والنفط وصفقات السلاح، لاستغلال الجزائر في ملفات عديدة أبرزها التوسع في القارة الإفريقية.

كذلك تسعى روسيا إلى استغلال علاقاتها مع الجزائر والحجم الكبير للتبادل بين البلدين، لفك العزلة المفروضة عليها من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يطرح التساؤلات عن احتمالية تعكير الأجواء بين الجزائر ومعظم دول العالم وتعرضها للعزلة هي الأخرى، نتيجة استمرار وتطوير علاقاتها مع الحكومة الروسية.

تبون إلى روسيا

العديد من المصالح تقاطعت بين الجزائر التي تريد نفوذ أكبر حول العالم، والابتعاد إلى حد ما عن الإملاءات الغربية، فضلا عن التعاون العسكري الممتد لعشرات السنوات مع موسكو، لكن هل يتسبب التقارب الجزائري مع روسيا في عزل الجزائر ووضعها إلى جانب روسيا المعزولة.

مغادرة تبون إلى روسيا (الرئاسة الجزائرية)

في إصرار على مضي القيادة السياسية في الجزائر استمرار علاقاتها مع روسيا، بدأ الرئيس الجزائر عبد المجيد تبون، زيارة إلى روسيا لمدة ثلاثة أيام، تهدف “لتعزيز الشراكة الاستراتيجية”، حيث أفادت الرئاسة الجزائرية بحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، بأن تبون سيشارك خلال هذه الزيارة في أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ المقرر عقده في الرابع عشر من حزيران/يونيو الجاري.

استمرار العلاقات بين الجزائر وموسكو، ينذر ربما بتعرض الجزائر لعزلة دولية مشابهة لتلك التي تعاني منها روسيا، لا سيما من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، وإن كان حتى الآن لم تتعامل الدول الغربية مع الجزائر بهذا الشكل، سوى عبر التصريحات السياسية والتحذيرات من استمرار تعامل الجزائر مع روسيا، ومساعدتها على تجاوز العقوبات المفروضة منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

الباحث في العلاقات الدولية منذر أشرف، رأى أن استمرار الجزائر في علاقاتها مع روسيا بهذا الشكل سيعرضها بالتأكيد لعزلة دولية من قبل الدول الغربية، وذلك على الرغم من أن الغرب لم يتعامل بجدية مع هذا الموضوع، بسبب خصوصية الجزائر واستمرار العلاقات والاتفاقيات معها بشأن الاقتصاد والنفط والطاقة.

أشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الجزائر تواصل فعلا التعامل مع روسيا كما كان الوضع عليه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، بل إن الاتفاقيات والعلاقات المتبادلة زادت مؤخرا، الجزائر ترى أن تعزيز علاقاتها مع روسيا يخدم التوازن العالمي القائم على ثنائية القطبية، لكن هناك تناقضات متعلقة بمدى استفادة الجزائر من العقوبات المفروضة على روسيا خاصة فيما يتعلق بالطاقة”.

قد يهمك: اتفاقيات الشراكة الشاملة.. هل تحقق الإمارات مستهدفات ومبادئ الخمسين؟

الاقتصاد الجزائري استفاد كثيرا من حرب الطاقة بين روسيا وأوروبا، خاصة مع وجود خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا والاستحواذ على حصة من الغاز الروسي الذي كان يصل إلى أوروبا، لكن على الجانب السياسي نرى الاصطفاف الجزائري إلى جانب روسيا.

الجزائر إلى عزلة؟

لكن استمرار التقارب الجزائري من روسيا، سيؤدي وفق أشرف في نهاية الطريق إلى خروج الدول الأوروبية عن صمتها، هذا على الرغم من أن الغرب لم يتخذ إجراءات حقيقية بهذا الشأن، على اعتبار الحفاظ على التوازن في مختلف الأصعدة مع الجزائر.

حول ذلك أضاف، “هناك عدة اعتبارات بين أوروبا والجزائر، فما زالت هناك اتفاقيات عديدة بين الدول الأوروبية والجزائر فيما يتعلق بالنفط والطاقة، لكن أتوقع أن استمرار تطوير العلاقات الجزائرية الروسية، واستمرار الجزائر في اصطفافها مع روسيا على الصعيد السياسي الدولي، سيؤدي إلى تعكير صفو العلاقات الجزائرية الغربية وربما تبدأ عزلة أخرى اتجاه الجزائر، لكن ربما يتأخر ذلك ويكون على خطوات”

بالمقابل فإن روسيا ترى أن الجزائر برمزيتها ومكانتها شمال إفريقيا، يمكن أن تلعب دورا هاما في العديد من المصالح الروسية، أبرزها توسيع النفوذ في إفريقيا، إضافة إلى مساعدتها في الالتفاف على العقوبات الغربية، مستغلة بذلك حجم التبادل التجاري المشترك الذي يبلغ نحو ثلاث مليارات دولار.

الجانب الروسي بمصالحه يرى أنه يمكن للجزائر أن تكون بوابة لمناطق جنوب الصحراء وجنوب إفريقيا وإلى شمالها، بعدما أصبح يتمركز في مناطق جنوب الصحراء، في مالي وغيرها من البلدان الإفريقية، لذلك يسعى للتنسيق مع الجزائر من أجل تثبيت مواقعه في القارة الإفريقية، بعدما استطاع مؤخرا زعزعة الوجود الفرنسي، كما كان له دور هام في ضرب الاستقرار في العديد من الدول الإفريقية.

أما عن مستقبل العلاقات بين الجزائر وروسيا، فنظرا للأوضاع الدولية وأزمة الطاقة، فلربما عند لحظة ما تتضارب مصالح الجانبين، نظرا لأن القارة الأوروبية اتخذت قرارا استراتيجيا بالتخلي عن مصادر النفط والغاز في روسيا، وبالتالي فإن التنافس سيكون بحسب محللين موجود بين البلدين، فالجزائر لا تستطيع إلا أن تُصدّر النفط والغاز اللذان يشكلان مصدر مهم من مصادر الخزينة، وهذا سيضعها في موقف متعارض مع روسيا التي كانت المصدر الأول لغاز أوروبا.

وتيرة التقارب الروسي الجزائري ارتفعت مع تزايد صفقات التسليح، إذ تقدر ميزانية الجيش الجزائري بحسب وسائل إعلام محلية رسمية بنحو 11 مليار دولار أميركي سنويا، وتبلغ نسبة المساهمة الروسية بالترسانة العسكرية الجزائرية 90 بالمئة.

غضب أميركي

برلمانيون أميركيون، بقيادة عضو الكونغرس الجمهورية ليا ماكلين، وجهوا رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، نهاية العام الماضي، عبّروا فيها عن “مخاوف تنتابهم” بشأن ما وصفوه “تنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا“.

الرسالة تناولت تقارير، ذكرت أن الجزائر وقّعت العام الماضي، صفقات أسلحة مع روسيا قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار، وأن من بينها بيع روسيا للجزائر طائرات مقاتلة متطورة من طراز “سوخوي 57” والتي لم تبعها روسيا لأي دولة أخرى، حسب التقارير.

أصحاب الرسالة ذكروا أن “الصفقات تجعل الجزائر ثالث أكبر متلقٍّ للأسلحة من روسيا، وموسكو أكبر مورد للأسلحة للجزائر“. ودعوا إلى “تنفيذ قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات“، الذي أقرّه “الكونغرس” في عام 2017.

الرسالة تضمنت أن التشريع وجّه رئيس الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الأفراد “الذين ينخرطون عن عمد في معاملة مهمة مع شخص يمثل جزءا من أو يعمل لصالح أو نيابة عن قطاعات الدفاع أو الاستخبارات التابعة للحكومة الروسية“.

مع تصاعد وتيرة الرفض الأميركي والأوروبي لزيادة وتيرة التعاون مع روسيا، أصبحت الجزائر في بعض المواقع مترددة في تنفيذ العديد من الاتفاقيات مع موسكو، خشية من الرد الغربي، ذلك في وقت تسعى فيه موسكو أن تورّط الجزائر في اتفاقيات وتعاونات أكثر حتى تكاد تصل الجزائر إلى نقطة اللاعودة”.

على الرغم من عدم اتخاذ أية مواقف حقيقية من الجزائر حتى الآن من قبل الغرب، لكن القيادة السياسية في الجزائر تعلم جيدا أن استمرار رفع وتيرة العلاقات مع روسيا، سيعرّض الجزائر إلى خطر العزلة السياسية، خاصة في ظل تصاعد نبرة عداء روسيا للغرب والعالم، وذلك منذ اللحظة الأولى لبدء عمليات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات