بداية مشرقة تنبض بالحياة، تفتح الأبواب لرحلة فنية استثنائية في عالم “بدو المستقبل”، حيث اجتمع في هذا المشروع الفني بين أليكساندرا أولسيوسكا، الفنانة البولندية الموهوبة، وبين سحر الصحراء السعودية وتاريخها الأثري العريق.

الفن هو لغة الإبداع والتعبير، ولكن ما تحققه أليكساندرا في مشروع “بدو المستقبل” هو أكثر من ذلك، إذ إنها تقدم ترجمة فنية مدهشة لصحراء صامتة كانت تنتظر بفارغ الصبر أن يُلقى عليها لمسة سحرية، والآن حوّلتها إلى لوحات مبهجة تنبض بالحياة وتشع بالألوان الساحرة.

بخيالها الجامح ومهاراتها الفنية المذهلة، استطاعت أليكساندرا أولسيوسكا أن تجمع بين الفن الرقمي الحديث وتاريخ المواقع الأثرية في السعودية، وقد أسرت الأنظار بتفاصيلها الدقيقة وتصاميمها التي تعانق كل كثبان الرمال وأودية العُلا، لتتناغم بشكل فريد مع جبال الدرعية القديمة.

أودية العُلا.. محاكاة البعد التاريخي

عندما تشاهد أعمال أولسيوسكا الفنية، تشعر بتفاعلها مع المواقع الفريدة في السعودية، وتدرك أنها قد استوحت الرؤية الفنية الاستثنائية بعد غوصها في المشهد الفني الصحراوي الحافل بالإبداع في دبي حيث كانت تقيم سابقا، فقد تمكنت الفنانة البولندية من تطوير أسلوبها الفني وإحاطة الحكايات بأعمال فنية جديدة وجذابة.

مشروع "بدو المستقبل" للفنانة البولندية أليكساندرا أولسيوسكا في مدينة العلا السعودية - إنترنت
مشروع “بدو المستقبل” للفنانة البولندية أليكساندرا أولسيوسكا في مدينة العلا السعودية – إنترنت

قصة مشروع “بدو المستقبل” بدأت بإعجاب أولسيوسكا، بنمط الحياة البدوية وارتباط الفرد البدوي العميق بالأرض، ففي حديثها لصحيفة “الشرق الأوسط”، تشير إلى أنها تعمل على إنشاء أعمال وتراكيب فنية مستوحاة من التراث الغني ومكونات الثقافة البدوية، مضيفة أن عملها يتأثر بشكل كبير بالثقافة العربية ونمط الحياة البدوي التقليدي، مع لمسة عصرية ومستقبلية.

أولسيوسكا أوضحت أنها ترغب في استكشاف كيف يمكن أن تظهر التقاليد والقيم البدوية في المستقبل، حيث تلعب التكنولوجيا وابتكاراتها دورا مهما. إذ تسعى من خلال أعمالها الفنية إلى تجسيد الثقافة البدوية كمصدر للإلهام والقوة، من خلال مزج العناصر التقليدية مع الجماليات المعاصرة، بالإضافة إلى دمج التقنيات المستقبلية مثل الواقع المعزز والتركيبات التفاعلية.

الفنانة البولندية أكدت أن التجاور بين القديم والجديد يعكس روح البدوية، التي تجذب أصولها من الماضي وتظل متطلعة لاحتمالات المستقبل. وتسلط الضوء في “بدو المستقبل” على مرونة الفرد البدوي، حيث استمرت تقاليده وقيمه في مواجهة تحديات الزمن. كما تؤكد أن نمط الحياة البدوي، بتركيزه على المجتمع والبساطة والاستدامة، يقدم دروسا قيمة يمكن أن تلهم في التعامل مع تعقيدات عالم سريع التغير.

خلال حديثها تكشف المصممة البولندية أنها عملت في العديد من المواقع السعودية البارزة، وتقدم لكل موقع لوحة فريدة لرؤيتها الفنية. فيما تعبر عن إعجابها بالمدينة القديمة العُلا، بتشكيلاتها الصخرية الجذابة وتراثها التاريخي، حيث قامت بدمج عناصر من التراث النبطي الغني والمناظر الطبيعية الصحراوية، لتخلق تجارب غامرة تجمع بين الماضي والمستقبل.

على الرغم من أن الصحراء غالبا ما تتميز بألوانها الترابية، إلا أن أعمال مشروع “بدو المستقبل” تتميز بألوان زاهية ومتنوعة،  وتهدف أولسيوسكا إلى التقاط جوهر الأشكال الصحراوية المشرقة وإضفاء لمسة عصرية عليها، كما تعتقد أن الألوان لها القدرة على إثارة المشاعر ورواية القصص وتكوين اتصال مع المحيط البدوي.

دمج التقنيات المستقبلية مع الفن السعودي

دمج التقنيات المستقبلية مع الفن السعودي هو مبادرة استحدثت مع إقرار “رؤية 2023″، حيث تهدف إلى استكشاف طرق جديدة للتعبير الفني وتجسيد التراث الثقافي السعودي في سياق حديث ومستقبلي. ومن خلال دمج التكنولوجيا الحديثة مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي والتفاعليات المبتكرة، يمكن تحويل البيئة التقليدية إلى تجارب فنية مثيرة ومبتكرة.

التطوير العمراني في مدينة العلا السعودية - إنترنت
التطوير العمراني في مدينة العلا السعودية – إنترنت

استخدام التقنيات المستقبلية في الفن السعودي يتيح فرصا لا حصر لها فيما يتعلق بالتعبير الإبداعي والتفاعل مع الجمهور والسياح، وذلك من خلال خلق لوحات فنية من الطابع العمراني القديم، حيث يتفاعل الزوار مع الأعمال الفنية بطرق مبتكرة وتجربة عمل ثلاثي الأبعاد يمكن استكشافه بواسطة الواقع الافتراضي.

بهذا الصدد، تشير أولسيوسكا إلى أنها عندما دمجت الألوان الزاهية في أعمالها الفنية فإنها تفكر في أهميتها الرمزية في الثقافة العربية ونمط الحياة البدوية، حيث يحمل كل لون معناه الخاص وينقل مزاجا أو رسالة معينة، وهي وظفت هذه الرمزية لتضيف عمقا لأعمالها مستشهدة باللون البرتقالي الذي تراه نابضا بالحيوية ودفء شمس الصحراء، في حين يرمز اللون الأزرق إلى السماء الواسعة والشعور بالحرية المرتبط بنمط الحياة البدوية، حسب قولها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدامها للتقنيات المستقبلية في توثيق وحفظ التراث الثقافي السعودي، مثل الرسم بالألوان الرقمية وتوثيق المعالم التاريخية والتراث الثقافي بطرق جديدة ومبتكرة، وصلت في نهاية المطاف إلى التعبير عن ثراء الثقافة العربية ونمط الحياة البدوية، وذلك بطريقة بصرية آسرة.

الكود العمراني الجديد يرسم الهوية السعودية

طبقا للموقع الرسمي لتطوير منطقة العُلا السعودية، فإن المنطقة تضم معالم تاريخية إنسانية غير مستكشفة يتجاوز عمرها 200 ألف عام، وفيها كذلك مدينة “الحِجر” النبطية القديمة، التي سُجلت بوصفها أول موقع تراث عالمي لـ “اليونسكو” في المملكة السعودية، ومملكتا لحيان ودادان الأثريتان اللتان ساهمت نصوصهما المكتشفة في تطوير اللغة العربية، إضافة إلى “العُلا القديمة” التي كانت تُعد نقطة استراحة للحجاج منذ عام 1100.

التطوير العمراني في مدينة العلا السعودية - إنترنت
التطوير العمراني في مدينة العلا السعودية – إنترنت

خطة الهيئة الملكية لمحافظة العُلا تتبع نهجا دقيقا ومستداما على المدى الطويل يراعي التنمية الحضارية والاقتصادية والتراثية، مع الحفاظ على الطابع الطبيعي والتاريخي الرائع للمنطقة التي تشرع أبوابها بوصفها مكانا مهيأ للعيش والعمل والزيارة.

الخطة تتضمن مجموعة واسعة من المبادرات في مجالات الآثار والسياحة والثقافة والتعليم والفنون، والتي تساهم في التنوع الاقتصادي، وتمكين المجتمع المحلي والحفاظ على التراث.

وفقا لموقع “العربية”، فإن “العُلا القديمة” تقع بين مرتفعات جبلية على الطريق المؤدي إلى العُلا، متفرعة من طريق المدينة المنورة – تبوك، مرورا بمدينة خيبر التي تبعد 15 كيلومترا عن المدينة النبوية 200 كم شمالا. وترجع تسمية القرية بهذا الاسم إلى أنه كان بها “عينان” مشهورتان بالماء العذب، هما “تدعل والمعلق”، اللتين كانت عليهما نخلات شاهقات العلو.

التطوير العمراني في مدينة العلا السعودية - إنترنت
التطوير العمراني في مدينة العلا السعودية – إنترنت

إحدى أهداف تطوير العلا، هو ظهورها كمتحف حي ووجهة عالمية للسياحة التاريخية والتراثية والثقافية والطبيعية مع التركيز على الاستدامة والشمولية المجتمعية مما يوفر للزوار تجربة غامرة وجديرة بالثقة، حيث تستهدف المملكة من خلال المشروع الوصول إلى 32 مليار دولار أي 120 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

مشروع “بدو المستقبل” يمثل رؤية فريدة وجريئة لدمج الفن الرقمي والتراكيب الإبداعية مع تاريخ المواقع الأثرية في السعودية. إن قدرة الفن على تحويل الصحراء الصامتة إلى لوحات مبهجة تنبض بالحياة والألوان تجسدت في هذا المشروع الذي جمع بين جمال الكثبان الرملية وأودية العُلا وتاريخ الدرعية القديمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات