بينما لا تزال تونس مهددة بحالة انهيار اقتصادي ربما يكون من الصعب تجاوزها على المدى القريب، بسبب نقص السيولة في البلاد المثقلة بالديون التي يقترب موعد سدادها، تلوح في الأفق بوادر انفراجه عقب تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أول أمس الاثنين، حيث أكد على أن تونس بحاجة إلى مزيد من المساعدة، وذلك وسط زخم دولي تحشده إيطاليا للوقوف إلى جانب الدولة التي تُعد واحدة من أهم اقتصادات شمال إفريقيا.

تونس تواجه صعوبة كبيرة في الحصول على قروض بشروط ميسّرة لضمان توريد السلع الأساسية أو تسديد ديونها الخارجية، لاسيما في ظل تعثر الاتفاق مع “صندوق النقد” الدولي، الذي يشترط على الحكومة التونسية تطبيق تدابير قاسية قبل إقراضه، الأمر الذي يرفضه الرئيس التونسي قيس سعيّد، خشية انعكاس تلك التدابير على حياة المواطنين، ما يؤجج غضبا شعبيا يهدد استقرار البلاد، حيث يشدد على أن بلاده لن تصغي إلى إملاءات خارجية.

بين ثنائية الرئيس سعيّد الذي توقفت محادثات بلاده مع “صندوق النقد” الدولي بشأن إنقاذ وضعها المالي منذ شهور، وتمكس الصندوق بشروطه، يبدو أن الموقف الأميركي يمثل بارقة أمل للتونسيين، حيث قال بلينكن؛ نرحب بشدة بتقديم الحكومة التونسية خطة إصلاح معدلة إلى “صندوق النقد” الدولي، وبأن يتمكن الصندوق من العمل على الخطة المقدمة، قبل أن يستدرك في حديثه، بأن هذه قرارات سيادية.

ذلك جاء خلال مؤتمر صحفي، مشترك بين بلينكن ونظيره الإيطالي أنطونيو تاياني، عُقد بمقر الخارجية الأميركية في واشنطن، حيث أشار إلى أنه، من الواضح أن تونس بحاجة للمزيد من المساعدة إذا كانت تريد تجنب انهيار اقتصادي، وذلك بعد يوم من ثاني زيارة تجريها رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، خلال أسبوع إلى تونس، حيث وصلت البلاد الإفريقية رفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأحد الماضي.

تونس يعتزم تقديم مقترح معدل لـ “ًصندوق النقد” الدولي

على وقع تصريحات بلينكن، حول إمكانية تقديم تونس خطة إصلاح مقدمة لـ “صندوق النقد” الدولي، كانت وكالة الصحافة العالمية “رويترز”، قد نقلت عن مسؤول حكومي تونسي كبير، أمس الثلاثاء، إن تونس تعدّ اقتراحا بديلا لطرحه على “صندوق النقد” الدولي بعد أن رفض الرئيس قيس سعيّد “إملاءات” الصندوق، بشأن قرض قيمته 1.9 مليار دولار تم التفاوض حوله العام الماضي.

تونسيون مستاؤون من الوضع الاقتصادي/ (AFP)

تونس كانت قد توصلت لاتفاق على مستوى الخبراء مع “صندوق النقد” الدولي، في أيلول/سبتمبر الماضي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، لكنها لم تفِ بالتزامات كبيرة اشترطها “صندوق النقد” لتقديم الدعم، ما أدى إلى توقف المحادثات التونسية مع الصندوق في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وسط انعدام ما يشير إلى استعداد الرئيس قيس سعيّد، للموافقة على اتخاذ الخطوات اللازمة للتوصل لاتفاق في صيغته الحالية ومساعدة البلاد على تجنب أزمة مالية.

المسؤول التونسي الذي تحدث دون الكشف عن اسمه، قال إن الرئيس سعيّد يعتقد أن خفض دعم السلع الغذائية والمحروقات، بإشارة إلى الشروط التي يفرضها “صندوق النقد”؛ سيضر بالفئات المهمّشة والفقيرة ويزيد معاناتها، مضيفا أن الاقتراح الجديد لن يتضمن إجراءات مماثلة، بيد أنه لم يذكر أي جدول زمني لتقديم الاقتراح، أو للمفاوضات المحتملة التي سيشملها مع “صندوق النقد” الدولي.

في الوقت الذي لا يبدو فيه واضحا إلى أي مدى يمكن لتونس تجنب الانهيار المالي والقدرة على الالتزام بسداد ديون خارجية، وفي ظل تجدد الحديث عن ضرورة مساعدة تونس والتوصل لاتفاق بصيغة جديدة، تعهّد المانحون الأوروبيون على إثر التحشيد الإيطالي، بضخ مبالغ إضافية كبيرة إذا تمكنت الحكومة من التوصل إلى اتفاق مع “صندوق النقد” الدولي.

رئيسة المفوضية الأوروبية، أعلنت خلال زيارتها تونس الأحد الماضي، أن “الاتحاد الأوروبي”، مستعد لتقديم ما يصل إلى 900 مليون يورو لدعم الاقتصاد التونسي، بالإضافة إلى 150 مليون يورو إضافية ستقدم بشكل فوري لدعم الميزانية بمجرد التوصل إلى الاتفاق المطلوب.

ذلك علاوة على 100 مليون يورو سيقدمها الاتحاد أيضا لتونس، لإدارة الحدود ودعم عمليات البحث والإنقاذ وإجراءات مكافحة التهريب والتركيز مرة أخرى على معالجة قضية الهجرة، فيما يتوقع كذلك أن تقدم دول الخليج دعما ماليا إذا تم التوصل لاتفاق مع “صندوق النقد” الدولي.

حظوظ تونس مع التفهم الأميركي

في السياق، علّق خبير الاقتصاد التونسي نزار الجليدي حول ذلك، بالقول، إنه على ما يبدو قد فهِم العالم الأزمة التونسية، والمقاربة في إيجاد الحلول لها، انطلاقا لما تعكسه القراءة الأولية لما بين السطور لتصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حيث تدل بأن الولايات المتحدة الأميركية قد غيّرت بوصلتها وتفهمت رسالة “الاتحاد الأوروبي” بعد الجهود الإيطالية التي تكللت بزيارة رئيسة وزراء إيطاليا لمرتين لتونس، رفقة صاحبة القرار الأوروبي والمالي.

الرئيس التونسي قيس سعيد يلتقي جمعا من المهاجرين الأفارقة أثناء زيارته إلى صفاقس/ إنترنت + وكالات

الجليدي يرى في حديثه مع موقع “الحل نت”، أنه بناء على ذلك، فقد توجه وزير الخارجية الإيطالي بزيارة إلى واشنطن، ليغير من المعادلة التي جاءت من خلال الدبلوماسية التونسية التي تمكنت من فرض دبلوماسيتها في المقاربة التونسية، لاسيما في الأسبوع الأخير، مبينا أن تونس ليست بانتظار التسول بقدر ما كانت تقدم موقفا جدّيا، وهذا هو الموقف الذي عكسه الرئيس قيس سعيّد منذ البداية، من خلال إعلانه بأن تونس لن تساوم في السيادة الوطنية، ولن ترضخ للإملاءات بقدر ما تسعى لتقديم مقاربة جديدة.

على هذا النحو، يعتقد خبير الاقتصاد التونسي، أن الولايات المتحدة الأميركية قد تفهمت المقاربة التونسية، لاسيما بعد إدراكها من أن مصالحهم باتت في خطر داخل دول المصدر للهجرة، حيث تأكدت من أن المعالجة لا يمكن أن تأتي إلا من خلال المقاربة التونسية التي اقترحت، مشيرا إلى أن تونس ماضية نحو انفراجة في الأزمة الاقتصادية.

الجليدي، لفت إلى أنه بجانب البوادر الدولية والحراك الدبلوماسي التونسي، فإن حراك الرئيس التونسي الاتصالي بزيارته قبل ثلاثة أيام العاصمة الاقتصادية صفاقس للوقف على عدد من الملفات، لا على موضوع الهجرة فقط، ومن ثم الوصول أمس إلى ولاية قفصة التي تمثل المصدر الأساسي للتمويل من العملة الصعبة، الذي يُنتج من بيع الفوسفات، يمثل ذلك كله البديل الحقيقي لتونس، عوضا عن إملاءات “صندوق النقد” الدولي.

فيما لفت إلى أن تونس تمتلك ورقة أخرى لتدعيم خياراتها تجاه الأزمة، وهي ورقة السياحة، بخاصة في ضوء عزم وزارة الداخلية تأمين الموسوم السياحي، بالتالي فإن تونس تبدو أمام خطوات كبيرة للخروج من أزمتها، لاسيما في ظل تغير العالم لمقاربته وتعامله مع تونس.

الهجرة والديون يهددان تونس

ذلك يأتي بينما يتصاعد ملف الهجرة بين تونس ودول “الاتحاد الأوروبي” التي تسعى وعلى رأسها إيطاليا، لإيجاد حلول مع تونس التي تعد بوابة رئيسية للمهاجرين وطالبي اللجوء، خصوصا الأفارقة الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط المحفوف بالمخاطر إلى أوروبا، للحد من الهجرة غيرة الشرعية.

الرئيس التونسي قيس سعيد أثناء استقباله رئيس الحكومة الإيطالية/ إنترنت + وكالات

إذ تبعد تونس حوالي 150 كيلومترا من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وكانت شواطئها منذ فترة طويلة نقطة انطلاق للمهاجرين، ومعظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذين يسعون إلى حياة أفضل في أوروبا، حيث تضاعفت في الفترة الأخيرة أعداد المهاجرين عن طريق تونس، التي تضرر اقتصادها نتيجة أسباب عدة.

جدير بالذكر، أن احتياجات تونس من الاقتراض خلال العام الجاري تبلغ حوالي 25 مليار دينار، أي 8 مليارات دولار، حيث تتوزع حاجياتها بين قروض داخلية من البنوك بنحو 9.5 مليارات دينار، ما يعادل 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى قروض خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار، ما يعادل 5 مليارات دولار، وفق تقرير ميزانية الدولة التونسية لسنة 2023، ذلك لأن تونس مطالبة خلال العام الجاري، بتسديد ديون في حدود 21 مليار دينار أي 7 مليارات دولار، منها 12 مليار دينار، أي ما يعادل 4 مليارات دولار، كديون خارجية بالعملة الصعبة.

من أبرز الجهات الدولية المقرضة لتونس “البنك الدولي” و”البنك الإفريقي للتنمية” و”الاتحاد الأوروبي” و”الوكالة الفرنسية للتنمية”، فضلا عن بلدان عدة كفرنسا والجزائر والسعودية واليابان، إذ يُقدر الدين العمومي في نهاية السنة الجارية في حدود 76.7 بالمئة من الناتج المحلي.

كما يتعين على تونس خلال العام الجاري أيضا سداد أقساط من ديون خارجية على غرار قرض باليورو بقيمة 500 مليون يورو في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وأقساط من قرض سابق لـ “صندوق النقد” في حدود 412 مليون دولار، وقرض للسعودية بقيمة 100 مليون دولار وغيرها من القروض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات