تكاليف علاج الأسنان باتت مصدر قلق للمواطنين في سوريا، بسبب ارتفاع أجورها لأرقام كبيرة، لدرجة أنها صارت تضاهي الدول الأوروبية اليوم، بعد أن كانت سوريا من الدول الأرخص في علاج الأسنان خلال السنوات السابقة قبل 2011.

على إثر تقاضي أطباء الأسنان أجورا مرتفعة، اشتكى عدد من المواطنين من هذه الارتفاعات وسط تدني مستوى الرواتب وتوالي الأزمات الاقتصادية على البلاد، حيث جعلت هذه الأسعار المرتفعة، زيارة عيادات الأسنان أمرا صعبا وشبه مستحيل بالنسبة لذوي الدخل المحدود الذين يشكّلون غالبية سكان البلاد.

تسعيرة طبية جديدة؟

حول ارتفاع تكاليف علاج الأسنان، زعم رئيس فرع “نقابة أطباء الأسنان” في ريف دمشق مازن علي موسى، بأن أسعار المواد الطبية السّنية ارتفعت بنحو 400 بالمئة حتى إن بعض هذه المواد ارتفعت أسعارها أكثر من ذلك خلال الفترة الماضية.

أجور مرتفعة للعيادات السنية بسوريا- “إنترنت”

رئيس فرع “نقابة أطباء الأسنان” بريف دمشق أشار إلى أن ارتفاع أسعارها عالمي والتضخم العالمي ساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار هذه المواد على اعتبار أن المواد السّنية مستوردة ولا تُصنع في سوريا إلا مادة التخدير، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية اليوم الثلاثاء.

موسى أشار إلى أنه تم طرح مقترحات لتعديل التسعيرة الطبية في مؤتمر النقابة العام السنوي الذي عُقد نهاية الأسبوع الماضي، موضحا أن هذا الموضوع متشابك، وأعرب عن أمله أن يكون هناك تحسّن في الاقتصاد وأن يتوازن موضوع الدخل مع القوة الشرائية، لتكون التسعيرة متوازنة في حال صدور أي تعديل جديد.

موسى أردف أن النقابة تلقت العديد من الشكاوى حول تقاضي بعض أطباء الأسنان أجورا مرتفعة. بالتالي هذا التصريح الحكومي يُعتبر بمثابة اعتراف بأن أطباء الأسنان يتقاضون أجورا تزيد عن التسعيرة الرسمية المحددة للعيادات السّنية.

فضلا عن أن التّهرب الحكومي حيال هذا الغلاء واعتبار هذه الأسعار عالمية وأن المشكلة في سوريا تكمن في مستوى الرواتب والمداخيل وليس بالأسعار المتداولة في البلاد والتي تجدها الحكومة منصفة بحق أصحاب المِهن، بينما تتناسى أن مستوى الرواتب في متدنية جدا.

تراجع هجرة أطباء الأسنان!

حول مسألة هجرة الأطباء اعتبر موسى أن هناك انخفاضا في هجرة أطباء الأسنان وصلت نسبتها حسب توقعاته إلى نحو 40 بالمئة وخصوصا في السنتين الماضيتين. إلا أن بعض الأطباء يقولون إن سبب تراجع معدل الهجرة يعود إلى تضاؤل ​​فرص السفر والعمل في الخارج، بسبب هجرة نسبة كبيرة من الأطباء في السابق من سوريا، وبالتالي يبدو أن الدول الخارجية، وخاصة دول الخليج، قد اكتفت بدرجة معينة من العمالة الوافدة لديها في الوقت الراهن.

كما أشاروا لموقع “الحل نت” إلى أن ثمة بعض الأطباء الذين يمتلكون عيادات خاصة، ويعملون مقابل أجر جيد، ويحسبون أسعارهم بالدولار، لا يرغبون بالهجرة وسط ضعف فرص السفر. بمعنى آخر أصبحت مهنة طب الأسنان ومهن أخرى كنوع من التجارة لدى البعض، وسط غياب الدور الرقابي لعموم المِهن في البلاد.

لكن تراجع معدل هجرة أطباء الأسنان لا يعني انتهاء هجرتهم نهائيا، فنتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، لا تزال هناك هجرة غير طبيعية للأطباء سواء الأسنان أو الطب العام الذين يفضلون العمل خارج البلاد، حيث الرواتب تعتبر أفضل والحياة أكثر رفاهية مقارنة بالمعيشة في بلد يفتقد لأدنى مقومات الحياة من الكهرباء والمواصلات وغيرها.

الجهات الحكومية أصدرت العديد من القرارات في محاولة للحد من هجرة الأطباء، لكنها فشلت في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها حول المحافظة على الكادر الطبي، هذا فضلا عن الأخطاء الطبية المتكررة التي أودت بحياة عشرات السوريين خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة ضعف الكادر الطبي.

كان آخرها قضية وفاة الطفل زين العابدين إبراهيم، الذي راح ضحية خطأ طبي وقع في عيادة طب أسنان، حيث أثبت حينها أن 70 بالمئة من المسؤولية تقع على طبيب التخدير لما تبيّن أنه تم إعطاء الطفل جرعة زائدة من المخدر، في وقت تقع المسؤولية بنسبة 30 بالمئة على طبيب الأسنان لأنه لم يأخذ الاحتياطات اللازمة أثناء إجراء العملية وأنه كان يجب أن يقوم بها في المشفى وليس في عيادته.

تدهور القطاع الطبي

خلال الآونة الأخيرة تداولت مواقع التواصل الاجتماعي موضوع تكلفة علاجات الأسنان في سوريا بكثرة، وذلك بسبب ما ادعاه زكريا الباشا، نقيب أطباء الأسنان في سوريا، في تصريحات صحفية سابقة، بأن علاجات الأسنان في البلاد هي الأرخص من بين تلك المتوفرة في الدول الأخرى؛ إذ قوبلت هذه التصريحات بالتشكيك من قبل المواطنين السوريين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، الذين يرون بأن الوضع الاقتصادي في البلاد قد ساء في السنوات الأخيرة، مما يجعل من الصعب على الناس تحمل تكاليف علاج الأسنان.

أحد مشافي سوريا- “سانا”

بحسب ما يُتداول فإن علاج الأسنان في دمشق بات للأثرياء فقط، حيث تشهد العديد من المناطق السورية، فوضى سعرية وفوارق كبيرة بين الأسعار التي تحددها نقابة أطباء الأسنان، وبين الأسعار التي يتقاضاها الأطباء في العاصمة دمشق وريفها.

الباشا ذكر مؤخرا لإذاعة “شام إف إم” المحلية، أن الوضع الاقتصادي للمواطن ليس جيدا وبالتالي يرى أن أجور أطباء الأسنان مرتفعة، مبينا أنه منذ عام 2013 لم تصدر تعرفة جديدة لأطباء الأسنان، والنقابة غير مسؤولة عن التعرفة.

أيضا في معرض حديثه عن زراعة الأسنان، قال الباشا إن العملية الواحدة تكلف ما لا يقل عن 500 ألف بدون تكاليف العلاج وتعرفة الطبيب، لافتا إلى أن 99 بالمئة من المواد المستعملة مستوردة، كما أن الأطباء أصبح ربحهم أقل من 25 بالمئة من المبلغ الذي يحصلون عليه من المريض.

علاوة على ذلك، بيّن نقيب أطباء الأسنان، أنه في عام 2013 كانت تكلفة التعويض الكامل للفكين تبلغ 6000 ليرة، أما اليوم لا تقل عن 200 ألف ليرة. حديث الباشا يتناقض مع ما ذكره رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يجمع أغلبهم على أنّ الفوضى في المجال الطبي بلغت ذروتها.

في سوريا يبدأ الحد الأدنى لسعر زراعة الأسنان من 300 دولار ويصل إلى 500 دولار للسن الواحد، وتبلغ تكلفة زراعة طقم أسنان كامل 2000 دولار تقريبا. وبذلك لا تُعد تكلفة عمليات التجميل في سوريا منخفضة مقارنة بالدول العربية الأخرى خاصة دول الخليج، وذلك نظرا لتراجع سعر صرف العملة السورية في السنوات الأخيرة.

من جانب آخر ارتفاع أسعار عمليات الولادة القيصرية في سوريا بشكل كبير، بحيث باتت الرهبة تخيّم على قلوب السيدات اللواتي لا يمتلكن القدرة المالية الكافية. حيث تشهد المشافي تجارة لا تخضع لأي رقابة، مما يجعل هذه العمليات الضرورية تتحوّل إلى مصدر ربح كبير.

في ظل غياب الرقابة، تشتكي العديد من السيدات وتصفن تكاليف هذه العمليات في المستشفيات الخاصة بأرقام مرعبة، حيث يُقدر سعر أدنى عملية قيصرية بحوالي 3 مليون ليرة سورية.

هذا الواقع الكئيب يُضعف أمل النساء الحوامل والعائلات الضعيفة في توفير الرعاية الصحية الملائمة، كما أن استمرار هذا الوضع يُهدد الحق في الولادة الآمنة ويعكر صفو أمنيات المرأة السورية في الحصول على الرعاية الصحية اللائقة.

الأمر اللافت في هذا القطاع المتهالك، هو أنه رغم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها سوريا، لم يفشل قطاع التجميل في الحصول على حصته من دخل السوريين، وبشكل خاص النساء، حيث زاد خلال السنوات الماضية، معدل الاهتمام بعمليات التجميل، حتى انتشرت عيادات التجميل في مختلف المدن السورية، رغم غلاء أسعار عملياتها.

الإقبال على قطاع التجميل لم يعد مقتصرا على فئة محددة من المجتمع، أو على الأشخاص المقتدرين ماديا، فقد تحولت هذه الحاجة إلى أمر أساسي، جعل فئة واسعة من محدودي الدخل كذلك يلجؤون إلى عمليات التجميل في العيادات المنتشرة في البلاد.

مشفى “المواساة” بدمشق- “إنترنت”

طبقا لبعض التقارير المحلية، فإن هناك أطباء يتقاضون أجرة العملية حوالي نصف مليون ليرة وأجرة المشفى من تصنيف ثلاث نجوم 900 ألف، هذا يعني أن تكلفة العملية ما يقارب مليون ونصف؛ وممكن في مشفى آخر أن تصل تكلفة العملية القيصرية إلى مليون ومئتي ألف ليرة.

وسط كل ذلك يعاني المواطنون من سوء الأوضاع المعيشية نتيجة الغلاء الجامح من ارتفاع الأسعار بشكل مستمر واستغلال التجار وتراجع سعر الصرف، وتدني مستوى الرواتب والأجور مقارنة بالواقع المعيشي، فضلا عن غياب الدور الرقابي الحكومي وفشلها في ضبط الوضع الاقتصادي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات