منذ فترة طويلة تعاني الأحزاب المصرية المعارضة من تفككها وعدم قدرتها على التوافق على مرشحٍ واحد يمثلها في الانتخابات الرئاسية، على الرغم من جهود البعض لإيجاد اتفاق مشترك إلا أن الانقسامات والخلافات لا تزال قائمة بين عدد من المرشحين الذين يتنافسون على منصب الرئيس وتولي قيادة البلاد. 

في إطار الانقسامات الداخلية التي تشهدها الأحزاب المصرية، اندلعت خلافات حادة داخل حزب “الوفد” الليبرالي بعد إعلان رئيسه عبد السند يمامة عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث اتهم بعض قادة الحزب يمامة باتخاذ قرار الترشح دون الحصول على موافقة الأغلبية اللازمة، وتأجيل الإعلان عن تفاصيل الترشح إلى ما بعد عيد الأضحى، حيث صرح يمامة في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، بحصوله على موافقة 90 بالمئة من أعضاء الهيئة العليا للحزب، المؤلفة من 60 شخصا.

عدد من قيادات الحزب، اتهم يمامة باتخاذ قراره بشكل منفرد دون الحصول على موافقة أكثر من نصف أعضاء الهيئة العليا عبر التصويت الرسمي، بعد أن صرح بأنه حصل على موافقة نسبة كبيرة منهم، كما ذكر عدد من أعضاء الهيئة، بأن يمامة طلب توقيع عدد منهم لتزكية ترشحه رئيسا للجمهورية عن الحزب، واستدعى عدد منهم في لقاء ودي بمنزله بشأن دخول الحزب لانتخابات الرئاسة.

أبعاد الخلافات

الخلافات بين أحزاب المعارضة في مصر تحمل أبعادا تتعلق بالوضعية العامة لها، فلا وجود لإطار مؤسسي يحكم العملية السياسية، وبالتالي العملية كلها تدور حول شخصيات تتولى رئاسة الأحزاب وتسعى لتحقيق مصالحها على حساب برامج الحزب ومصالح المجتمع.

انتخابات مصر/منشئ الصورة: Michel Marcipont‏ 
| 
صاحب حقوق الطبع والنشر: Flickr Vision‏
انتخابات مصر/منشئ الصورة: Michel Marcipont‏ | صاحب حقوق الطبع والنشر: Flickr Vision‏

في سياق ذلك، صرح عضو الهيئة العليا لحزب “الوفد” فؤاد بدراوي، لصحيفة “العرب” الللندنية، بأن إعلان يمامة ترشحه يعبر عن رؤية خاصة به مع عدم رجوعه إلى الهيئة العليا للحزب وما أحدثه ذلك من ردود فعل سلبية من جانب الأصوات الشبابية داخل الحزب، والقيادات التي لديها حنكة سياسية، وترى أن ترشحه بهذه الطريقة يضر بالحزب ومصالحه السياسية.

موضحا بأن اجتماع الهيئة العليا للحزب الأحد المقبل، سيحدد مصير ترشح رئيس الحزب من عدمه، حيث تصوت بالموافقة أو الرفض على قراره، وحال كان هناك مرشحون آخرون رغبوا في الترشح سيتم اللجوء إلى الجمعية العمومية لاختيار المرشح الرئاسي، لافتا إلى أن عدم المشاركة في الانتخابات أمر تحسمه الهيئة العليا للحزب.

بدراوي أبدى رغبته أيضا في الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، في تحد جديد لرئيس الحزب الذي يتمسك بترشحه ويرفض التنازل عن هذه الخطوة.

أزمة حزب “الوفد” وغيره من الأحزاب المصرية تكمن في السعي لتكون رديفا خاملا وتظهر في المشهد السياسي بلا رؤية واضحة أو توفير الآليات التي تُقنع الرأي العام بجدية خوضها المعارك الانتخابية، مما يرفع الشكوك حول جدية مشاركتها في الانتخابات.

من جهته يرى الباحث في الشأن السياسي مهند الحامد خلال حديثه لـ”الحل نت” بأنه من المهم أن يتم اختيار الأشخاص المناسبين لخوض الانتخابات بناء على إمكانياتهم وكفاءتهم، بدلا من المناورات السياسية للحصول على الدعم الشكلي من داخل الحزب، فالترشح للانتخابات يجب أن يكون على أساس الكفاءة والبرنامج السياسي وليس على أساس العلاقات الشخصية داخل الحزب، ويجب أن يكون الهدف من ذلك هو تحسين وضع المواطنين وتعزيز تنمية البلاد.

تأثيرها عل الاقتصاد

 الانقسامات الداخلية في الأحزاب المصرية تعد مشكلة حقيقية، قد يؤدي استمرارها إلى تحول هذه الأحزاب إلى مجرد مجاميع من الأفراد بدون برنامج سياسي فعال، مما قد يؤثر ذلك سلبا على التطور الاقتصادي في مصر، بحسب الحامد، إذ إن الاستقرار السياسي يعد عاملا مهما في جذب الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعثر السياسي يمكن أن يؤدي إلى تعطيل الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لتحسين بيئة الأعمال وتعزيز النمو، ومن المهم أن تعمل الأحزاب المصرية على تجاوز انقساماتها والتركيز على القضايا الحيوية التي تؤثر على مستقبل البلاد والشعب المصري.

في موازاة ذلك تتواجد العديد من الخلافات بين الأحزاب السياسية المعارضة في مصر، لعل أبرزها الخلافات الفكرية، حيث يختلف كل حزب عن الآخر في الرؤية السياسية والفكرية والاجتماعية، وهذا يعود بشكل كبير إلى الخلفية التاريخية لكل منهم، كما وتختلف الأحزاب في الأولويات التي تحدد أسلوب عملها والأهداف التي تريد تحقيقها.

أيضا التحالفات السياسية، حيث تعتبر التحالفات والشركات السياسية واحدة من أهم الأدوات التي يتم استخدامها من قبل الأحزاب السياسية لتحقيق أهدافها، ومع ذلك، فإن هذه التحالفات في بعض الأحيان قد تقود إلى خلافات بسبب الأولويات المتضاربة والتنظيمات المتعارضة.

حيث تشي الطريقة التي سلكها عبدالسند يمامة لضمان تأييد الهيئة العليا بأنه يبحث عن دعم شكلي من داخل الحزب لمسألة ترشحه، بغض النظر عما يمتلكه من إمكانيات تؤهله لخوض الانتخابات من عدمه، ما يكرر تاريخا من الصراعات على زعامات الأحزاب والاستفادة من مكاسب يحققها أشخاص من وراء جلوسهم على مقعد رئيس الحزب، بحسب “العرب” اللندنية.

إلى ذلك تشهد “الحركة المدنية الديمقراطية” المصرية، التي تمثل أكبر تكتل معارض وتضم في عضويتها 12 حزبا وشخصيات عامة، خلافات عميقة بسبب غياب التوافق على مرشح واحد لخوض الانتخابات ورغبة عدد من رؤساء الأحزاب المنضوية داخلها في الترشح، ما قاد إلى إرجاء الاجتماع المقرر لمناقشة ملف الانتخابات أكثر من مرة.

إذ إن الحركة لم تتوافق بعد على دعم ترشيح رئيس حزب “تيار الكرامة” السابق أحمد الطنطاوي في الانتخابات، والذي لم يحصل على الدعم المنتظر خلال لقائه بقيادات الحركة أخيرا، وأبدت بعض الأحزاب ملاحظات سلبية على برنامجه وشخصه.

أيضا يثار الحديث عن إمكانية ترشح رئيس “حزب المحافظين” أكمل قرطام ورئيسة “حزب الدستور” جميلة إسماعيل، ورئيس “حزب الإصلاح والتنمية” محمد أنور السادات، في خضم بحث حثيث عن دعم مرشح توافقي من خارج الحركة المدنية، بحسب ما نقله موقع “صدى البلد” المصري.

شروط الترشيح

في عام 2019، تمت الموافقة على تعديلات دستورية في المادتين 140 و142، تنص على أن يكون مدة رئاسة رئيس الجمهورية 6 سنوات، ولا يجوز له أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين.

متظاهرون مصريون في ميدان التحرير في القاهرة (6/2/2011/Getty)
متظاهرون مصريون في ميدان التحرير في القاهرة (6/2/2011/Getty)

 من ضمن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية أن يحظى المرشح بتأييد 20 عضوا على الأقل من أعضاء مجلس النواب أو دعم لا يقل عن 25 ألف مواطن يحق لهم الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة، وفيما يتعلق بالجدول الزمني، أعلن سابقا رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني محمود فوزي أن باب الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة سيتم فتحه في 3 كانون الأول/ديسمبر 2023.

بالعودة إلى الباحث السياسي مهند الحامد، يعتقد بأن الأحزاب المصرية تفتقر إلى الاتجاهات الموحدة والقدرة على الاتفاق بشكل كافي على مرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة، ويرى ضرورة توجه هذه الأحزاب إلى الاهتمام بشكل أكبر لتعزيز الآليات الديمقراطية والانتخابية القوية والفعالة، وعدم التركيز بشكل غير صحيح على تحقيق مصالح شخصية ضيقة، نظرا لحاجة البلاد إلى مرشحين لديهم القدرة على إفراز تنافس انتخابي قوي.

أخيرا، لا تستطيع الأحزاب المعارضة في مصر تقديم مرشحين قادرين على قيادة دولة يواجه فيها تحديات عديدة على نطاق واسع. حيث تفتقر هذه الأحزاب للاهتمام بالنظام السياسي ودوره في تحقيق المصلحة العامة، حيث يعتقد الكثيرون أن الاستمرار في الوضع الحالي أفضل من اللجوء إلى أحزاب وشخصيات لا يمكن الاعتماد عليها كبديل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات