في ظل إعادة تشكّل التحالفات العالمية الجديدة، خاصة بعد الأزمات المتتالية التي ضربت العالم، وبدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت مصر في رسم ملامح جديدة للسياسة الخارجية، في محاولة لإنشاء علاقات من شأنها التّوسع وتقصير المسافات بينها وبين الدول البعيدة في آسيا.

ملامح جديدة ظهرت في السياسة الخارجية للقاهرة، إذ رأت مصر ربما أن تنويع مصادر التحالف السياسية والاستراتيجية والاقتصادية في هذه المرحلة، بات أمرا ملحا، خصوصا مع التحديات الداخلية التي تواجهها مصر اليوم.

وجهات آسيوية لمصر

البلدان الآسيوية وأبرزها الهند، كانت الوجهة الأهم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يسعى لإبرام اتفاقيات من شأنها التوسع سياسيا ومساعدة الاقتصاد المصري، الذي يواجه اليوم مرحلة هي من بين الأسوأ في تاريخه، فما هي دلالات التحركات المصرية الجديدة.

ليست الأولى من نوعها تلك الزيارة التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الهند نهاية شهر كانون الثاني/يناير الفائت ضمن جولة تشمل العديد من دول آسيا، لكن توقيت الزيارة يمنحها العديد من الدلالات، في ظل ظروف دولية جديدة تقتضي من جميع الدول الراغبة في تحقيق التقدم على الصعيد السياسي والاقتصادي المزيد من تعزيز العلاقات وإطلاق آليات حقيقية، للمضي قُدما في السياسات الخارجية.

تحت شعار “تكاتف الدول النامية لمواجهة التحديات المشتركة والأزمات الدولية”، وجّه السيسي بحسب ما نقلت صحيفة “الأسبوع“، دعوة من العاصمة الهندية نيودلهي، ليؤكد بذلك رغبة بلاده في بناء تحالفات دولية للحد من آثار الأزمات الراهنة، لا سيما فيما يتعلق بأزمتي الطاقة والغذاء.

قد يهمك: تراجع التأييد للرئيس بعد تصويت البرلمان.. قيس سعيد يفقد قبضته على تونس؟

بعد إنهاء زيارته للهند استكمل السيسي جولته في آسيا، حيث وصل إلى أذربيجان في زيارة تبحث “آفاق تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية وسبل التعاون والتنسيق بين البلدين على الصعيدين الدولي والإقليمي”، بحسب ما جاء في بيان رئاسة الجمهورية المصرية، ما يدل على مرحلة جديدة من السياسة المصرية الخارجية للتغلب على الأزمات.

مصالح متبادلة

الدكتور في العلوم السياسية والاقتصادية محمد سليمان، رأى أن الجولة التي أجراها السيسي مؤخرا في آسيا، تأتي ضمن التأكيد المصري على دعم مبادئ عدم الانحياز في ظل التجاذبات بين القوى السياسية مؤخرا، مشيرا إلى أن دعم الاقتصاد المصري ومواجهة الأزمات الاقتصادية هو الدافع الأبرز الذي يرسم ملامح سياسة مصر الخارجية في المرحلة الراهنة.

سليمان قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “تأتي أهمية زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نحو الشرق إلى الهند وأرمينيا وأذربيجان، لتعزيز روابط التعاون والشراكة مع الأصدقاء ضمن ما يُعرف بدبلوماسية التنموية أو دبلوماسية التنمية الاقتصادية التي تهدف لدعم الاقتصاد بالمقام الأول”.

من خلال متابعة تفاصيل المحطة الأولى من الزيارة المصرية التي كانت في الهند، يبدو أن العلاقات المصرية الهندية تمر بفترة جيدة، خاصة وأن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اختار الرئيس المصري تحديدا للمشاركة كضيف شرف رئيسي في احتفالات الهند بيوم الجمهورية الـ74، ما قد يسمح بالوصول إلى مستويات عالية من التعاون المتبادل، إذ يدرس الجانبان العديد من المشاريع التعاونية في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد إلى جانب زيادة حجم التبادل التجاري، خاصة في مجال الغذاء.

من هنا أوضح سليمان أن سُبل تعزيز التعاون المشترك والعمل على زيادة الاستثمارات الهندية في مصر ورفع مستوى التبادل التجاري وصولا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، هي النقاط الأبرز في المصالح المتبادلة بين مصر والهند.

الجولة الآسيوية للقيادة المصرية شملت وفقا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، انعقاد 8 لقاءات قمة و4 مؤتمرات صحفية وتوقيع 11 مذكرة تفاهم مع الهند وأذربيجان وأرمينيا بكافة المجالات، و11 لقاء للرئيس السيسي مع المسؤولين في الهند، و4 لقاءات مع رجال الأعمال في الهند وأذربيجان.

كما أن تطوير علاقات مصر مع هذه الدول، تسمح برفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين، وهو ما أشار له رئيس الوزراء الهندي الذي أعلن أن استراتيجية تعزيز العلاقات مع مصر تشمل رفع حجم التبادل التجاري إلى 12 مليار دولار أميركي سنويا خلال السنوات المقبلة، وذلك بعد أن وصلت مؤخرا إلى 7 مليارات، ذلك ما يمكن أن يمنح القاهرة فرصا لفتح ودعم مجالات عديدة كالسياحة، إذ يمكن الترويج لمصر لجذب المزيد من السياح الآسيويين للبلد الإفريقي.

ومن بين الملفات الهامة الذي تسعى مصر لتطويرها مع الهند، جانب التعاون العسكري، حيث لفت سليمان في حديثه أن التعاون العسكري بين مصر والهند تركّز على شراء وتصنيع طائرات “تيجاس” الهندية العسكرية، وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من العمل المشترك.

أما عن مصالح الهند بهذا التطور في العلاقات مع مصر، فإن نيودلهي تطمح بحسب تحليل سليمان، أن تضع موطئ قدم لها في إفريقيا من البوابة المصرية، ما يسمح لها بتعزيز استثماراتها في القارة الإفريقية وتصبح المنافس الأبرز للصين في المنطقة.

إذن فالهند تنظر إلى مصر كونها بوابة مهمة للتوسع الاقتصادي في الشرق الأوسط وإفريقيا، فضلا عن فرص المشاريع الاقتصادية في قناة السويس، وكون مصر دولة ما تزال تتمتع بأهمية استراتيجية كبرى بين الدول المحيطة بها خاصة على المستويين الاقتصادي والاستراتيجي.

رؤية مصرية متوازنة

زيارة السيسي إلى آسيا شملت كذلك أرمينيا، حيث تسعى القاهرة إلى الاستفادة من رؤوس الأموال الأرمينية لدعم الاستثمار الأجنبي داخل الأراضي المصرية وتحسين المناخ الاقتصادي في البلاد، كذلك أضاف سليمان عن شمل أذربيجان بهذه الزيارة، “القاهرة تتطلع إلى مدّ جسور التعاون إلى أبعد ما يمكن، وخلق مساحات كبرى للتعاون في مجال الاستثمار والتنمية وزيادة حجم التبادل التجاري وفتح أفق جديدة للتعاون الاستراتيجي والجيوبوليتيك”.

تعزيز قنوات التواصل مع أرمينيا وأذربيجان، سيساعد مصر كذلك في زيادة الصادرات الزراعية والصناعية لتلك الدول، إضافة إلى جذب أذربيجان والعديد من الدول الآسيوية للاستثمار في قناة السويس.

مصر تبحث كذلك عن زيادة وارداتها من الحبوب، خاصة مع تفاقم أزمة الغذاء نتيجة تضرر واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا، فكانت الهند أبرز الأسواق البديلة للقمح الروسي والأوكراني، إذ من المتوقع تضاعف حجم التبادل في مجال الغذاء والحبوب.

بحسب صحيفة “القاهر نيوز”، فإن الجولة المصرية الأخيرة في آسيا، ستُفضي كذلك إلى وضع قضية “مكافحة الإرهاب” على رأس اهتمام اللقاءات المصرية الآسيوية، خاصة وأن هذه القضية كانت حاضرة خلال مباحثات الرئيس المصري في الهند وأذربيجان.

يبدو أن مرحلة جديدة من السياسة الخارجية انطلقت في مصر، أو ربما بدأت منذ سنوات وبدأت تتضح معالمها مؤخرا، خاصة وأن مصر بالتوازي مع اتجاهها نحو آسيا، لم تغفل علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، حيث أن هناك قنوات مفتوحة مع الغرب للتعاون في مجالات عدة أبرزها الطاقة.

لذلك فإنه من الواضح أن القاهرة تحرص على التوازن في العلاقات الدولية، لكن هذا قد يُثير بعض التحفظات الدولية، لا سيما في ظل الجهود لعزل روسيا وحلفائها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بالتالي فإن عملية التوازن والحيادية لم تعد مقبولة لدى بعض الأطراف الدولية الفاعلة.

بالتركيز على الجولة المصرية في آسيا، فإنه من الواضح أن استمرار القاهرة في هذا النهج، سيساعدها كثيرا على إطلاق مشاريع تنموية واسعة في مصر بالتعاون مع هذه الدول، ما قد يساعدها بشكل كبير على مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، فضلا عن مسودات مشاريع عديدة سيتم الإعلان عنها ربما خلال الفترة القادمة بين مصر وبعض الدول الآسيوية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.