في سبيل إحداث خرق بالوضع السياسي المأزوم في ليبيا، تُجري عدة أطراف سياسية تحركات ومشاورات مكثّفة لتشكيل حكومة جديد موحدة تتولى إدارة الانتخابات المتوقفة منذ سنوات، وذلك تنفيذا لأحدى مخرجات لجنة “6+6″، وسط خلافات جمّة حول هذا الموضوع، وخاصة النقاط الخلافية حول قوانين الانتخابات.

منذ سنوات ويدور الفرقاء السياسيون الليبيون في دوامة الاستعصاء السياسي، فحتى الآن لم يتوصلوا إلى صيغة توافقية حول القوانين المنظّمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي تزداد تعقيدا وتفاقما يوما بعد يوم، في ظل غياب أي جهة شرعية للبلاد.

الممثلون السياسيون الرئيسيون، أعربوا عن حاجة البلاد الماسة لحكومة جديدة مصغرة بغية إنهاء حالة الجمود السياسي في البلاد من خلال إنجاز الاستحقاق الانتخابي في أقرب وقت ممكن، وبحسب بعض التقارير، فقد انطلقت التحضيرات والمباحثات لتشكيل حكومة جديدة تحل محل “حكومة الوحدة الوطنية” المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة والحكومة المنبثقة عن “البرلمان”.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول فرص توحيد الأطراف الليبية لتشكيل حكومة مصغرة تنهي أزمة البلاد، والعقبات التي تقف في طريق هذه الخطوة، فضلا عن مدى إمكانية حسم النقاط الخلافية حول قوانين وشروط الانتخابات، وإذا كان من الممكن تغيير هذه القوانين لحل هذه الأزمة.

حكومة ليبية مصغرة؟

تحقيقا لهذه الغاية طالب رئيس “المجلس الأعلى للدولة” في ليبيا، خالد المشري، بتشكيل حكومة وحدة مصغرة ذات مدة محددة لإجراء الانتخابات، مكررا في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا بالعاصمة طرابلس مع خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة، مواقفه بشأن رفض ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، والعاملين في القضاء، للانتخابات المؤجلة، داعيا لتغيير المفوضية العليا للانتخابات؛ وتهيئة المناخ العام في البلاد ليكون جوا انتخابيا وليس متوترا.

اجتماع لجنة 6+6 في بوزنيقة..- “أرشيفية”

كما أن “مجلس الدولة” أعلن ترشيحه للمترشّح السابق للرئاسيات، محمد المزوغي لرئاسة الحكومة، بغية تهيئة المناخ والظروف المناسبة لإقامة انتخابات يرتضيها الجميع، في خطوة جديدة لتنفيذ أحد بنود مخرجات لجنة “6+6” الأخيرة الموقّعة في مدينة بوزنيقة المغربية.

كذلك، برز اسم المرّشح الرئاسي عبد الحكيم بعيو، وتصدر قائمة أبرز المرشحين لتولي هذا المنصب، الذي أكد رغبته في رئاسة الحكومة الجديدة، بدلا من حكومة الدبيبة والحكومة الليبية بقيادة أسامة حماد الموازية، وفقا لمخرجات لجنة “6+6”.

بعيو قال في تصريح لـ”العربية.نت“، إنه يملك القدرة على النجاح في هذه المهمة، خاصة بعد الدعم الذي تلقاه من عدد من أعضاء “النواب” و”المجلس الأعلى للدولة” وشخصيات سياسية من شرق وغرب البلاد.

قبل دعوة المشري، دعت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي يوم الجمعة الماضي، مجلسي “النواب والدولة” إلى إنهاء حالة الانقسام السياسي وتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة موحدة تشرف على تنظيم الانتخابات في جميع أنحاء البلاد، بجانب مطالبة بعثة “الأمم المتحدة” للدعم لدى ليبيا بدعم التوافق الذي يقود إلى إجراء الانتخابات بطريقة شفافة لتحقيق الاستقرار الكامل للبلاد.

تعقيبا على هذه الدعوات والتحركات، يرى الباحث السياسي الليبي، إدريس أحميد لموقع “الحل نت”، أن الأزمة الليبية لا زالت تراوح مكانها ولن ترى النور إلا من خلال أولوية مهمة تكمن في المصالحة الوطنية، حيث إن الانقسام والاقتتال الذي حدث بين الليبيين سواء مناطقيا أو مجتمعيا وما تلا ذلك من خلافات بين الأطراف السياسية بسبب انعدام الثقة، ولّدا أزمة الانتخابات الليبية الحالية.

كما أن الانقسامات التي حدثت في الانتخابات السابقة، يدلل بأن الحديث عن عملية سياسية ناضجة في الوقت الراهن ما زال بعيدا، حيث أن التدخلات الخارجية عميقة ومؤثرة، وهو ما كان السبب في استعصاء موضوع الانتخابات إلى مستويات معقدة، وفق رؤية أحميد.

موضوع الحديث عن تشكيل حكومة مصغرة اليوم تنظم الانتخابات وتديرها لإنهاء حالة الاستعصاء السياسي، يتوقع أحميد أن يواجه تشكيل هذه الحكومة تحديات وعقبات عدة، في ظل تسيّد حالة المحاصصة على المشهد الليبي، حيث يريد كل طرف التواجد في أي هيئة أو جسم.

بالنظر إلى أن الخروج من الوضع الحالي يتطلب توحيد الجهود من جميع الأطراف بغية إجراء عملية انتخابية نزيهة وشفافة، ولكي يكون ذلك بمثابة ضمانة لجميع الأطراف للاعتراف بشرعية نتائج الانتخابات، لكن آفاق هذا التوحيد لا تزال بعيدة، نظرا لرغبة كل طرف في الهيمنة على الآخر، فكيف ستتخلى هذه الأطراف لجهة طرف وجسم جديد.

يبدو أن مجلسي “النواب والدولة” وقائد الجيش الليبي اللواء خليفة حفتر، يؤيدون فكرة تغيير حكومة الدبيبة، لكن الأخير لم يصدر أي موافقة من جانبه حتى الآن بهذا الشأن، حيث لا يزال يرفض ترك منصبه ويتمسك بإشراف حكومته على الانتخابات.

النقاط الخلافية

في السياق، ثمة عدة نقاط خلافية بين الفرقاء السياسيين، حيث أعلن الممثل الخاص للأمين العام لـ”الأمم المتحدة” لدى ليبيا، عبد الله باتيلي، وجود عدة نقاط خلافية بشأن الانتخابات الليبية بين ممثلي مجلس “النواب والدولة”، داعيا لمزيد من الاجتهاد لإزالتها؛ تحقيقا لأمل إجراء الانتخابات قبل نهاية العام.

بحسب ما جاء في كلمة باتيلي، في إحاطته أمام جلسة “مجلس الأمن الدولي” بشأن ليبيا في نيويورك، يوم الإثنين الماضي، فإن هذه المسائل الخلافية تكمن في معيار أهلية الترشح للانتخابات الرئاسية، وإجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية حتى لو حصل المرشح على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى من التصويت، ومسألة تشكيل حكومة موحدة جديدة تُعتبر موضع خلاف كبير وتتطلب أولا وقبل كل شيء اتفاقا سياسيا بين أبرز الفاعلين والمكونات الرئيسية في المشهد السياسي الليبي.

صورة أرشيفية لمجلس “النواب الليبي”- “أ.ف.ب”

المشري دافع عن التصويت على التعديل الدستوري الـ 13، ورأى أنه تم بشكل صحيح وبنصاب قانوني يصل إلى 80 من أعضاء المجلس، متابعا “لم نرفض حتى الآن مبادرة عبد الله باتيلي” ورأى إمكانية مزجها بالتعديل الدستوري، دون أن يوضح كيفية ذلك، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” في وقت سابق.

المشري زاد في حديثه السابق “باتيلي يوافقني في فكرة عدم ترشح مزدوجي الجنسية للرئاسة، ولكنه يقول إنهم يجب أن يمنحوا فرصة للترشح”، لافتا إلى أن “الإرادة السياسية لمجلس الدولة تقف مع التعديل الدستوري الـ 13، ولاحظنا وجود محاولات لعرقلة جلساتنا”.

بالعودة إلى أحميد، يرى أنه بعد التعديل الدستوري الـ 13 الذي وافق عليه “المجلس الأعلى للدولة” ومن ثم تشكيل لجنة “6 + 6” وقراراتها النهائية والملزمة به، والتي لا تتطلب مصادقة مجلسي “النواب والدولة”، فوجئ الكثيرون بشروط قوانين الانتخابات.

لعل أبرزها وفق تحليل أحميد، هو ترشيح شخصيات عسكرية ومزدوجي الجنسية، الأمر الذي أدى إلى رفض بعض الأطراف لهذه الشروط، فيما اعترض البعض الآخر على بعض نقاط مخرجات اللجنة “6+6″، مثل حصول المرشح الرئيسي على 90 بالمئة ستتحول الانتخابات الى جولة ثانية وهذا الموضوع يؤكد بأن ثمة اختراق للجنة رغم نفي بعض الأطراف.

أحميد يردف أن نقاط الخلاف حول ترشيح العسكريين ومزدوجي الجنسية تشبث بها البعض كذريعة لهم لإقصاء بعض الأحزاب الأخرى عن المشهد السياسي. وهذا يشير إلى مدى انعدام الثقة بين الأحزاب السياسية في الطيف السياسي الليبي، بالإضافة إلى المشاكل بين التشكيلات العسكرية.

هذا وقد أثارت المادة “12” من قانون الانتخابات الرئاسية في ليبيا انتقادات حادة  كونها تنص على إمكان ترشح مسؤول عسكري بشرط التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب يعود لسابق عمله.

مؤخرا حثّت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ومصر، الفرقاء في ليبيا على استكمال مسار لجنة “6+6” الليبية بإعداد خارطة طريق واضحة لإجراء الانتخابات في البلاد.

سيناريوهات عدة

بعض التقارير تقول إذا لم يتم التوافق التام بشأن النقاط الخلافية بين مجلسي “النواب والدولة”، قد يلجأ المبعوث الأممي لخطة بديلة، وهي تشكيل لجنة حوار سياسي جديدة تضع خارطة طريق، وهذا سيكون إعادة للحل الذي لجأت إليه ستيفاني ويليامز، مستشارة الأمين العام لـ”الأمم المتحدة” بشأن ليبيا، حين كانت تمثل المنظمة الدولية قبل قدوم باتيلي.

من جانبه يتوقع أحميد في سياق حسم موضوع الانتخابات، أن ليبيا بحاجة إلى حل ليبي ـ ليبي، وهذا يتطلب وجود مصالحة وطنية. ورغم رغبة الشارع الليبي في الانتخابات والتغيير إلا أنه غائب عن المشهد السياسي وهذا بسبب هيمنة أطراف خارجية بالعملية السياسية برمتها وهي التي غيّبت الأصوات الليبية.

العاصمة الليبية، طرابلس- “أ.ف.ب”

كذلك إذا لم يتم إخراج الميليشيات الخارجية من ليبيا، وتجاوز الفرقاء السياسيين الخلافات الموجودة بينهم، فضلا عن ضرورة وجود توافقات عسكرية وأمنية من شرق وغرب البلاد، فإن الوضع سيبقى مأزوما، حتى لو أُجريت الانتخابات، حيث ستستمر المشاكل والانقسامات والتصادمات العسكرية، خاصة وأن البلاد منقسمة أساسا إلى طرفين عسكريين.

في العموم، تُعتبر هذه التحركات في الأوساط الليبية خطوة مهمة في سياق إحداث بارقة أمل في المشهد الليبي المأزوم، وإنجاز الاستحقاق الانتخابي، على أمل أن تنقذ البلاد من الأزمات المتراكمة وإنهاء حالة التفلت السياسي. لكن كل هذا يبقى رهن توافق الأطراف السياسية الليبية، بالإضافة إلى مدى انحسار الدور الميليشياوي في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات