جملة من القرارات والإجراءات تتخذها الحكومة السورية منذ مدة بغية رفد خزينتها المالية بالعملة الصعبة، التي تبدو أنها لم تعد تحوي سوى بضعة أوراق نقدية من فئة الدولار أو غيرها من العملات الأجنبية، وآخر هذه الإجراءات هو إصدار مجلس النقد والتسليف في “مصرف سوريا المركزي” قرارا تضمن تعليمات خاصة بحيازة العملات الأجنبية والليرة السورية الداخلة إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق والخارجة منها.

بموجب هذا القرار يسمح بحيازة جميع وسائل الدفع المحررة بالعملات المذكورة وعبر البطاقات المصرفية، مهما بلغت قيمتها، بشرط التداول بها عبر المصارف ومكاتب الصرافة المرخصة من قبل الحكومة السورية، وجميع الجهات المرخص لها بالتعامل بالقطع الأجنبي.

إدخال نصف مليون دولار!

نحو ذلك، قرار مجلس النقد والتسليف رقم “210 /م ن” بتاريخ الـ22 من حزيران/يونيو الجاري، والذي نُشر عبر صفحة “المركزي السوري” على منصة “فيسبوك” يوم 27 الشهر الجاري، يسمح للقادمين إلى مناطق الحكومة السورية، باستثناء حالات العبور “الترانزيت” في المطارات والموانئ، بإدخال مبالغ بالليرة السورية مهما بلغت قيمتها، بشرط التصريح عنها لدى نقاط الجمارك.

بموجب القرار الحكومي يسمح للمغادرين من السوريين و المقيمين من غير السوريين، بإخراج ما لا يتجاوز الـ 500 ألف ليرة سورية فقط، وما لا يتجاوز الـ 50 ألف ليرة سورية للمغادرين من الأجانب والعرب من غير المقيمين.

بينما يسمح بإدخال الأوراق النقدية الأجنبية “بنكنوت” حتى 500 ألف دولار أميركي، أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية الأخرى، بشرط التصريح عنها لدى “الأمانة الجمركية السورية”، والاحتفاظ بنسخة عن هذا التصريح لاستخدامه عند المغادرة في حال الحاجة له.

في معرض القرار الصادر حديثا، فإنه يسمح بإدخال جميع وسائل الدفع الأخرى المحررة بالعملات الأجنبية والبطاقات المصرفية مهما بلغت قيمتها دون الحاجة للتصريح عنها.

فضلا عن أنه يُسمح للمغادر السوري ومن في حكمه بإخراج مبلغ لا يتجاوز 10 آلاف دولار أميركي، أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى، إلى جانب السماح للمغادرين من غير السوريين بإخراج مبلغ لا يتجاوز 5000 دولار، أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى، أو بحدود المبلغ الذي تم التصريح عنه لدى دخوله إلى الأراضي السورية، بشرط إبراز التصريح الذي نظّم له في أثناء دخوله.

أيضا، يُسمح لجميع المغادرين بإخراج جميع وسائل الدفع الأخرى بالعملات الأجنبية والبطاقات المصرفية مهما بلغت قيمتها.

ماذا عن المبالغ الزائدة؟

في المقابل، نوّه القرار الصادر عن “المركزي السوري” إلى أن المبالغ الزائدة عن تلك المحددة المسموح بإدخالها وإخراجها من العملات الأجنبية تعامل وفق المادة /3/ من هذا القرار معاملة الشحن، وتخضع للقرارات الصادرة عنه، لافتا إلى أن الأمانات الجمركية في مراكز الحدود والمطارات والموانئ ستلتزم بتنظيم ضبط بالمبالغ الزائدة عن الحدود المسموح بإدخالها وإخراجها سواء بالليرة السورية أو بالعملات الأجنبية، وفق أحكام المادتين /2 و 3/ من هذا القرار.

على أن يتضمن الضبط “مفصل جواز السفر والجنسية، مكان الإقامة داخل وخارج سوريا، جهة القدوم والسفر، المبلغ المضبوط”، وأن يحال الضبط مع المبالغ المضبوطة بعدئذ إلى “مصرف سوريا المركزي” لممارسة حق الادعاء، دون إعاقة إتمام إجراءات الدخول والمغادرة للشخص المعني، طبقا للقرار.

هذا وستعتمد النشرة التقاطعية الصادرة عن المصرف المطبقة بتاريخ عملية المغادرة أو الدخول، لاحتساب المعادل بالعملات الأجنبية للمبالغ المنصوص عنها في القرار. وأخيرا توعّد “المركزي السوري” بتطبيق العقوبات المنصوص عنها بالأنظمة والقوانين النافذة ذات الصلة، دون ذكرها، في حال ارتكاب أي مخالفة لأحكام هذا القرار.

“المركزي السوري” كان يسمح قبل هذا القرار، للقادمين إلى سوريا بإدخال حتى 100 ألف دولار أميركي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية. وكان يحق للمغادرين السوريين ومن في حكمهم إخراج عشرة آلاف دولار أميركي، أو ما يعادلها من العملات الأجنبية، بينما كان غير السوريين مقيدين بإخراج بمبلغ 5 آلاف دولار أميركي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية، وهي المبالغ التي لم تعدل وفق القرار الجديد.

إلا أن بعض المصادر من داخل مطار دمشق الدولي أكدت لموقع “الحل نت” أنه في كثير من الحالات لا يُسمح للمغادرين السوريين ومن في حكمهم إخراج سوى 3 آلاف دولار أميركي فقط، رغم أن هذا الإجراء مخالف للقرار، لكن يمارس على نسبة كبيرة وبشكل عشوائي على بعض المسافرين من أجل عدم إخراج العملات الصعبة من البلاد.

أسباب هذه الضوابط

مما لا شك فيه أن هذا القرار حول رفع قيمة المبالغ المسموح بنقلها إلى سوريا عبر السوريين والأجانب، لنحو خمسة أضعاف، وعدم إخراج بمثيله إلى الخارج يحمل في طياته عدة أهداف، والذي يكمن وفق آراء بعض الخبراء حول محاولة “المركزي السوري” السيطرة على تفلّت قيمة الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، خاصة وأن الدولار الواحد بات يساوي قرابة 9 آلاف ليرة سورية، اليوم.

الليرة السورية والدولار الأميركي- “إنترنت”

هذا فضلا عن تحصيل أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة، وهذا القرار ليس بجديد بغية تحقيق هذه الأهداف المذكورة، ففي شهر شباط/فبراير الماضي، خفض “المركزي السوري” سعر الليرة أمام الدولار بحيث بات يساوي تقريبا للسعر الموجود في السوق السوداء.

الخبراء قالوا حينذاك حول هذا القرار إنه منذ شهور وتصدر دمشق عدة قوانين تعكس تسارعا واضحا في السياسة التحررية الاقتصادية، وبشكل عام، هذه السياسات من شأنها تحسين وضع “المركزي السوري” ماليا وزيادة الثقة في قراراته، وتسهيل التعاملات الاقتصادية بشكل عام.

كما أنه قبل أيام معدودة أصدرت “وزارة النفط” بطاقة مسبقة الدفع بالعملة الأجنبية، لتمكين المغتربين السوريين والسياح والزوار العرب والأجانب القادمين إلى سوريا من تعبئة البنزين لسياراتهم. وحول هذا القرار، قال الخبير الاقتصادي فاخر القربي لموقع “أثر برس” المحلي مؤخرا، إن القرار هو محاولة جديدة للتخفيف من الأزمة الاقتصادية الخانقة لدى حكومة دمشق وعجز “المركزي السوري” عن تأمين النقد الأجنبي لتغطية احتياجات استيراد المشتقات النفطية في وقت تعاني فيه الحكومة السورية من ضغوط كبيرة لتأمين النقد الأجنبي المطلوب.

القربي أردف للموقع المحلي أن الغاية من هذا القرار اقتصادية مصرفية، ولا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي السياحي من حيث تقديم التسهيلات في هذا الجانب سواء للمغتربين أو العرب والأجانب. لذلك، فإن نهج الحكومة السورية تجاه هذه الإجراءات يكشف مدى عجزها في تأمين النقد الأجنبي، وكذلك محاولاتها بشتى الطرق لتحصيل القطع الأجنبي من جيوب المواطنين، سواء من خلال التحويلات المالية أو ضريبة الدخول من الحدود أو المطارات للقادمين إلى سوريا واليوم من خلال بطاقة ذكية للمغتربين والسياح، وغير مستبعد إصدار قرارات وإجراءات جديدة بهدف تحصيل العملة الصعبة.

بمعنى أوضح، فإن هكذا قرارات أشبه بمتنفس للحكومة السورية أكثر من أي أمر آخر، والقدرة على الانخراط في عجلة الحياة والاقتصاد إلى حد ما. وفي ظل تتالي هكذا قرارات، فمن المحتمل أن يتم إصدار قرارات جديدة خلال الفترة المقبلة، تهدف لتحصيل الحكومة العملة الصعبة قدر المستطاع لرفد خزينتها الخاوية من النقد الأجنبي.

في سياق المشاكل الهيكلية والبنيوية للاقتصاد السوري، فإن تدهور الليرة أمام النقد الأجنبي يُعد من إحدى مشاكل اقتصاد البلاد المتدهور، وفق رأي الخبراء الاقتصاديين تحدثوا في وقت سابق لموقع “الحل نت”.

كما وثمة العديد من المشاكل التي ساهمت وما زالت تتسبب في الأزمة الاقتصادية الحادة؛ سواء مشاكل الفساد أو سيطرة فئات معينة على مفاصل الاقتصاد، إلى جانب خروج قطاعات معينة من خزينة الدولة حتى عام 2011، بالإضافة إلى عدم وجود رؤى اقتصادية أو سياسات نقدية حتى، و”وزارة المالية السورية” أشبه بالجباية وليست بوزارة لتنشيط الاقتصاد أو دعم عمليات التشغيل، بمعنى أن المؤسسات المالية السورية بشكل عام بعيدة جدا عن شيء يسمى الاقتصاد وكيفية تطويره وتنميته، وهذه مشكلة بحد ذاتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات