مرحلة جديدة من العلاقات المصرية التركية، يجري التحضير لها منذ أشهر، بعد قطيعة دامت لسنوات طويلة، وكانت ذروتها بعد عزل جماعة “الإخوان” عن حكم مصر، لتبدأ أنقرة بعد ذلك حربها الإعلامية ضد القاهرة ثم توفير ملاذات آمنة لقيادات جماعة “الإخوان” المصنّفة إرهابية في مصر كما في عدة دول عربية.

مؤخرا تتجه العلاقات بين البلدين نحو المصالحة والتقارب وطي صفحة العلاقات، بينما يبدو أن الجانبين مدفوعين بملفات عديدة أبرزها الملف الاقتصادي، حيث تسعى القاهرة إلى دعم الاقتصاد عبر إجراءات لتسهيل مجيء الأتراك للسياحة في مصر، وكذلك تسهيلات وتحسينات تشجّع قدوم رجال الأعمال الأتراك، في خطوات ستتلو ربما إنجاز عملية المصالحة.

أما تركيا فلديها إلى جانب الاهتمامات الاقتصادية، الملفات السياسية في الشرق الأوسط، خاصة في ظل تداخل الجانبين في ملفات عديدة أبرزها الملف الليبي، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول مدى انعكاس عودة العلاقات الثنائية على أمن واستقرار المنطقة خلال الفترة القادمة.

رفع التمثيل الدبلوماسي

فتح القنوات الدبلوماسية بين الجانبين بدأ منذ أشهر، وأبرز ما حدث كان اتصال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، للتضامن مع أنقرة عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق بسوريا وتركيا. الاتصال المصري جاء بعد المصافحة التي جرت بين الرئيسين على هامش المباراة الافتتاحية لكأس العالم لكرة القدم بقطر.

لتصل اليوم إلى إعلان الجانبين  رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفير، بعد 10 سنوات من خفضها إلى مستوى القائم بالأعمال بسبب موقف تركيا من سقوط حكم “الإخوان”، وجاء الإعلان من خلال بيانين متزامنين من قبل وزارتي الخارجية المصرية والتركية، وقد تم ترشيح عمرو الحمامي سفيرا لمصر في أنقرة، بينما رشحت تركيا صالح موطلو شن سفيرا لها في القاهرة.

القاهرة من جانبها ركزت على المنافع الاقتصادية طوال الفترة الماضية التي شهدت أزمة في العلاقات، حيث أن المصالح الاقتصادية التي سعت إليها مصر في هذا السياق، سارت بمعزل عن كل الأزمات السياسية وشهدت تطورا إيجابيا، ذلك في الوقت الذي استمرت فيه أنقرة بموقفها السياسي المعادي للحكومة المصرية، في مؤشر يدل على أن الاقتصاد سيكون بوابة ربما لحلحلة جميع الخلافات بين الجانبين.

قد يهمك: بعد فوز أردوغان.. عملية “التطبيع” مع دمشق تعود إلى النقطة الأولى؟

كذلك فإن التطورات في المنطقة، كان لها دورٌ بارز في التقارب المصري التركي، خاصة في ظل التطورات الإقليمية، وتقارب العديد من الأقطاب في المنطقة، وسعي العديد من الدول إلى احتواء أسباب التوتر في عموم مناطق الشرق الأوسط، لذلك فإن عودة العلاقات بين أنقرة والقاهرة، سيكون إن أراد الطرفان له دورٌ بارز في تطوير جهود أمن الشرق الأوسط.

الخبير في العلاقات الدولية رامي زهدي، رأى أن التقارب بين مصر وتركيا جاء في وقته في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، حيث يتطلب ملف إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، تعاون جميع الأقطاب الرئيسية ومن بينها مصر وتركيا.

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، تحتاج أن يكون هناك تعاون أكثر بين الأقطاب الرئيسية في المنطقة، وهذا تقريبا الذي حصل في التوافق السعودي الإيراني، وهو التوافق المحتمل المصري الإيراني وبالتالي لا يوجد مكان لمزيد من المشكلات بين أقطاب رئيسية في المنطقة بحجم مصر وتركيا”.

ماذا عن الملف الليبي؟

تطور وعودة العلاقات بين مصر وتركيا، سينعكس وفق رؤية زهدي على الملف الليبي، الذي يحتاج إلى تضافر الجهود الإقليمية وتنسيق العمل المشترك، بعيدا عن التنافس المصري التركي الذي سيطر على المشهد خلال السنوات القليلة الماضية.

حول ذلك أضاف الخبير، “فكرة أن يكون هناك منطقتي نفوذ في ليبيا هو أمرٌ غير إيجابي، حيث توجد حاليا منطقة نفوذ لتركيا غربي ليبيا ومنطقة نفوذ لمصر شرقها. الأفضل هو توافق الجهود لمحاولة الحل وإحلال عملية سياسية مناسبة والتخلص من الميليشيات والجماعات الإرهابية الموجودة، وسرعة إجراء الانتخابات لتعود ليبيا مرة أخرى على ما كانت عليه، بالإضافة إلى إعادة الأعمار”.

لكن الوضع في ليبيا والوجود التركي، ربما سيكون سببا في تعكير صفو مشهد عودة العلاقات، وخاصة وأن التوصل إلى تسويات بهذا الشأن، سيأخذ ربما وقتا طويلا، في ظل أن اتفاق ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة ليبيا على سبيل المثال أزعج مصر مؤخرا، وفجّر خلافات بشأن حقول الغاز في البحر المتوسط.

كذلك فإن تطور العلاقات الثنائية، سيكون له انعكاسات إيجابية على العملية الاقتصادية للدولتين، وأي دولة أخرى تتداخل معهما في الاقتصاد، فضلا عن الحاجة إلى توسيع التبادل التجاري مع كل الدول وتغليب لغة المصالح.

أما عن احتمالية حصول لقاء على مستوى الرئاسة بين مصر وتركيا، فدعم زهدي هذا التوجه وأردف قائلا، “أفترض أن هناك مؤشرات عديدة على حصول لقاء ثنائي على مستوى الرئاسة بين مصر وتركيا في الشهور القادمة. هذا الإجراء قيد الدراسة ويبدو منطقيا لمزيد من التقارب وتنسيق التعاون بين الوزارات بشكل عام. التقارب المصري التركي يجب أن يحصل، فلم يكن هناك معنى لمساندة تركيا لنظام الإخوان، وهو نظام رفضه الشعب المصري، تركيا تتراجع عن موقفٍ استمرت عليه لعشرة أعوام، التوافق والعلاقات الاقتصادية هي أهم وأقوى”.

تنافس لن يحل بسهولة؟

كما وانخرطت القاهرة وأنقرة في محادثات منتصف العام الماضي، بينما عاود الجمود بفرض نفسه على العلاقات. ورغم أن القنوات المحسوبة على جماعة “الإخوان” قد استجابت لتعليمات بتخفيض حدة الانتقادات الموجهة للحكومة والنظام في مصر، بل إن إحدى هذه القنوات قد أنهت البث تماما من على الأراضي التركية، إلا أن القاهرة لديها مطالب مباشرة بضرورة تسليم العناصر المتورطة في حوادث اغتيالات.

اللافت أن وزير الخارجية المصري سامح شكري، قد أجرى زيارة إلى تركيا بعد أعوام طويلة من توتر العلاقات، إثر الزلزال المدمر في شباط/فبراير الماضي، وذلك في ما وصف بدبلوماسية الكوارث، وهي الزيارة التي اعتبرها مراقبون انعطافة جديدة ومؤشر على تبدل المواقف.

فيما سادت تصريحات تعبّر عن الآمال بعودة العلاقات إلى طبيعتها بين الدولتين. وقبل نحو أسابيع قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بزيارة رسمية للقاهرة، في أول زيارة لمسؤول تركي رفيع المستوى لمصر، بعد عقد من العلاقات المتأزمة بين البلدين منذ عام 2013. وفيما يبدو أن الموقف المصري ثابت عند نقطة رفضه أي تنازلات بخصوص الملف الذي سبب هذا التأزم، ممثلا في الموقف من جماعة “الإخوان”. وكان لافتا غياب صورة محمد مرسي من جدارية وزارة الخارجية والتي ضمت رؤساء مصر في حقب مختلفة.

بغض النظر عن بقية الجوانب التي دارت ونوقشت بين الجانبين، فإن هذا التقارب المصري التركي قد يشكل أزمة إضافية، ويبعث بضغوط جمّة على جماعة “الإخوان”، سواء من الناحية التنظيمية والحركة أو السياسية والأيدولوجية. فالجماعة تقع تحت وطأة أزمات عنيفة تجعل دورها الوظيفي يتلاشى وتضعها في أسوأ فترات تاريخها، حيث لم يعد لها وجود أو تأثير، حتى أن القواعد تفككت تنظيميا من نطاقات سيطرة القادة، للمرة الأولى تاريخيا. وبنفس درجة تباعد القاعدة الإخوانية عن قمة الهرم التنظيمي، انقسم رأس التنظيم وتشظى لمحورين أحدهما في إسطنبول والآخر في لندن.

بحسب مراقبين، فإن التنافس والمواجهات المحتدمة في أكثر من ملف إقليمي بين البلدين لن يُحلّ بسهولة، بل يحتاج إلى مزيد من الوقت، واستدراكا على ذلك فإن وزيري البلدين لم يتطرّقا أبدا إلى قضية “الإخوان” أثناء تصريحاتها الرسمية والعلنية عقب الزيارات المتبادلة خلال الآونة الأخيرة.

لا يخفى وجود رغبة متبادلة بين مصر وتركيا من أجل عودة العلاقات الثنائية، لكن نجاح هذه العودة يتطلب ربما من الجانبين الوقوف على أبرز الخلافات العالقة بينهما خلال السنوات الماضية، للوصول إلى أفضل صيغة تحقّق لهما المنافع المتبادلة، وكذلك تحقق مزيدا من التقدم لدعم ملف أمن واستقرار الشرق الأوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات