السوريون لم يكن ينقصهم الأزمات المتلاحقة التي حلّت بهم، حتى تظهر أزمات جديدة تزيد من معاناتهم المعيشية. وبسبب التقنين الجائر للكهرباء لساعات طويلة، تراجعت ضخات المياه للسكان، ما أدى إلى تقنين ساعات المياه أيضا، ونتيجة لذلك انتشرت تجارة المياه في البلاد، وسط غياب أي دعم حكومي في هذا الشأن.

في هذا الصدد، تعاني العديد من مناطق محافظة ريف دمشق  من وجود شحٍّ كبير في كميات المياه، الأمر الذي أدى إلى استغلال البعض للأزمة من حيث الاتجار بالمياه، فالكثير من القاطنين يضطرون لتأمين المياه عبر شرائها من الصهاريج الجوالة وبأسعار مرتفعة يحددها المتاجرون وفق أهوائهم مستغلّين غياب الرقابة عليهم وحاجة الناس الماسة للمياه.

تجارة المياه

نحو ذلك، يقول أحد القاطنين في مدينة جرمانا بريف دمشق إن الكثير من سكان المدينة لاسيما القاطنين في الطوابق العليا يعانون من عدم وصول المياه إلى خزاناتهم، ما يضطرهم للجوء إلى خيار شراء المياه من الصهاريج، بتكلفة تصل إلى 30 ألف ليرة، حسب موقع “غلوبال نيوز” المحلي اليوم الخميس.

شح المياه في ريف دمشق-“إنترنت”

من جانبهم، مبررات أصحاب الصهاريج حول ارتفاع أسعار مبيع المياه لديهم هو ارتفاع سعر المازوت الذي يتم تأمينه من السوق السوداء لتشغيل آلياتهم. ومؤخرا قامت الحكومة برفع أسعار المحروقات وهو ما أثر بدوره على كافة مفاصل الحياة الاقتصادية.

في حين يشير مواطن آخر يقطن في جديدة عرطوز بريف دمشق، إلى أنه وأمام وجود شحّ بالمياه يضطر شهريا إلى دفع أكثر من مئة ألف ليرة سورية، ثمنا لشراء المياه عبر الصهاريج الجوالة، لافتا في الوقت نفسه إلى أن معظم المياه التي يشترونها تأتي من مصادر مجهولة الهوية، وتستهلكها أعداد كبيرة من سكان المنطقة.

ليس فقط إمدادات المياه في المدينة لا تتوفر إلا ليوم واحد مقابل ثلاثة أيام انقطاع، بل إن انقطاع الكهرباء يمنع الأهالي من ملء الخزان تماما في يوم الوصول أيضا، مما يفاقم المشكلة أكثر، وبالتالي لا بد على الأهالي من شراء المياه من هذه الصهاريج، إلى جانب تشغيل المولدات لنقل المياه إلى الخزانات، والتي تتطلب لإنجاز المهمة شراء ليتر من البنزين بتكلفة لا تقل عن 10 آلاف ليرة سورية.

إلى ذلك، فإن حال المناطق الأخرى ليس بأفضل حال، فالعديد من المناطق بريف دمشق لا تحصل على الماء إلا مرة كل 15 يوما ولست ساعات فقط، إذ يشير أحد المقيمين هناك وفق تقارير صحفية سابقة، إلى أنه يحتاج إلى أكثر من 400 ألف ليرة شهريا فقط لشراء الماء، أي ما يقرب من أربعة أضعاف المبلغ اللازم لشراء الطعام.

الحكومة تتهرب!

في المقابل، قال معاون مدير “مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي” في دمشق وريفها عمر الدرويش، إن المؤسسة تمنح رخصا لجميع الصهاريج، ولكن يجب على مالك الشاحنة تجديد الترخيص كل ثلاثة أشهر في ظل شروط صعبة، تتضمن وضع بطاقة على الصهريج الأزرق المطلي فقط تشير إلى مصدر المياه، وأن تكون المياه من مناهل صالحة للشرب ومعقمة، وتقديم شهادة صحية لصاحب الصهريج بأن يكون خاليا من الأمراض المعدية.

درويش أردف أنه يتلقى العديد من الشكاوى عن وجود صهاريج مخالفة ولاسيما في منطقتي صحنايا والغوطة، مبررا هذا الارتفاع في أسعار المياه بأن المؤسسة غير مسؤولة عن تحديد تكلفة شراء ونقل المياه بهذه الصهاريج، والمجلس المحلي بالبلدة هو من يحددها بعد أن يتم تحديد ثمن النقلة والمسافة التي يقطعها.

درويش أشار أيضا إلى أن المؤسسة تعلم بوجود صهاريج مياه مخالفة، وهي فقط تخاطب قيادة الشرطة التي تعمل على حجز صهاريج المياه إلى حين حصولها على ترخيص. لكن رغم ذلك تقع حالات تسمّم بين الحين والآخر بسبب المياه التي تكون غير صالحة للشرب في بعض الصهاريج.

خلال العام الماضي وقعت حالات تسمم والتهاب كبد وبائي “أ” في محافظة طرطوس بسبب الشرب من مياه الصهاريج، فضلا عن غياب الإشراف والرقابة على معامل صنع الثلج، والتي غالبا ما تُستخدم فيها المياه غير المعقّمة.

الكهرباء تزيد معاناة الناس

في ذات السياق، نتيجة الانقطاع الطويل للكهرباء، وارتفاع درجات الحرارة ازدادت فاتورة المعيشة لدى كافة الأسر بدير الزور بعد أن دخلت عليها تكاليف شراء قوالب الثلج الذي يُباع الواحد منها بمبلغ يتراوح بين 8- 10 آلاف ليرة، ولا يقف الأمر عند تكلفة سعر القالب التي ترهق الجيوب، بل تكمن المعاناة في الحصول عليه في ظل الازدحام الشديد الذي تشهده معامل الثلج التي تناقص عددها من 13 معملا في المدينة إلى 5 معامل، بعد أن تم إغلاق كافة المعامل المنتشرة في أحياء المدينة وإلزام أصحابها بنقل منشآتهم إلى المنطقة الصناعية.

عدد من المواطنين أكدوا أن الحصول على قالب الثلج بات يحتاج لعناء كبير قد يتطلب الانتقال لأكثر من معمل، والانتظار لساعات طويلة قبل دفع الثمن الذي يتجاوز أحيانا 10 آلاف ليرة، إضافة إلى أجور التنقل التي تصل إلى أضعاف هذا المبلغ على اعتبار أن جميع المعامل أصبحت بعيدة عن مساكنهم بعد نقلها إلى المنطقة الصناعية، فيما اشتكى آخرون من نظافة المياه التي يتم تصنيع الثلج منها، وفق تقرير آخر لموقع “غلوبال نيوز” المحلي، يوم أمس الأربعاء.

ارتفاع أسعار عبوات المياه المعدنية في سوريا-“إنترنت”

بحسب استطلاع حديث لراديو “نينار إف إم” المحلي، نُشر يوم الثلاثاء الماضي، فإن مجموعة من آراء المواطنين السوريين أفادت بأن واقع الكهرباء سيء ولا تحسّن يُذكر كما تقول الحكومة، وعلى إثر ذلك تنقطع المياه عنهم لساعات طويلة جدا، وبالتالي يضطرون لشراء المياه من الصهاريج.

كذلك وبالتزامن مع بدء فصل الصيف ومع زيادة الطلب على شراء المياه المعبأة، ارتفعت أسعار المياه المعدنية في سوريا، مما يزيد من أعباء السوريين المعيشية يوما بعد يوم، وسط ارتفاع الأسعار من كل حدب وصوب.

حيث أصدرت “الشركة العامة لتعبئة المياه” بسوريا مؤخرا، نشرة أسعار جديدة لمنتجاتها، ليصبح سعر عبوة المياه المباعة للمستهلك سعة 0.5 لتر بـ 925 ليرة سورية، وسعة 1.5 لتر 1650 ليرة، وسعة 5 لترات 4700 ليرة، وسعة 10 لترات 5800 ليرة، و600 ليرة للكأس من مختلف القياسات.

الشركة أوضحت في نشرة أسعارها أن أسعار العبوات من أرض المعمل هي 9650 ليرة سورية، للجعبة التي تحتوي 12 عبوة حجم نصف لتر و 8200 ليرة للجعبة 6 عبوات حجم 1.5 لتر. كما وسعّرت عبوة الـ 5 لترات بسعر 4000 ليرة، وعبوة الـ 10 لتر بـ 4875 ليرة.

أما الأسعار للموزع إلى باعة المفرق فهي 9000 ليرة لجعبة الـ 6 عبوات حجم لتر ونصف اللتر و 10300 ليرة للجعبة 12 عبوة حجم نصف لتر و 4375 ليرة لعبّوة الـ 5 لترات و 5425 ليرة لعبوة 10 لترات و600 ليرة لكاسة المياه الواحدة، و 9900  ليرة لجعبة 6 عبوات حجم 1.5  لتر، و 11100 ليرة لجعبة 12 عبوة حجم نصف اللتر.

عديدة هي القرارات التي تصدرها حكومة دمشق وتزيد من متاعب السوريين اليومية. ففي أواخر حزيران/يونيو الماضي، رفعت “الشركة العامة لتعبئة المياه” أسعار المياه المعدنية المعبأة مرتين خلال 24 ساعة، دون إعلان رسمي، وسط تبريرات بزيادة التكاليف التشغيلية وارتفاع أسعار المواد الأولية من جهة، ورفع أسعار الكهرباء للصناعيين من جهة أخرى.

مدير عام “شركة تعبئة المياه” المهندس بسام علي، ذكر أن السبب الرئيسي لرفع أسعار عبوات المياه هو ارتفاع تكاليف الإنتاج، لا سيما ارتفاع تكلفة المادة الأولية المُستخدمة في صناعة عبوات المياه المعبأة وهي “البريفورم” التي تشكل وسطيا نسبة 55 بالمئة من تكلفة المنتج النهائي بمختلف القياسات، حسبما أوضحته صحيفة “الثورة” المحلية، مؤخرا.

في العموم فإن هذه الأزمات مستمرة منذ سنوات، فبين الحين والآخر وتحديدا خلال فصل الصيف، تتزايد معاناة السوريين بشكل مضاعف، نتيجة زيادة ساعات تقنين الخدمات العامة من الكهرباء والمياه، وهو ما يؤدي إلى زيادة أسعار المياه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات