في خطوة تقول الحكومة العراقية إنها جاءت ضمن رؤية لا تحمل أي جنبة سياسية وحزبية، قرر رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، إجراء تغييرات في مناصب رفيعة بجهازي المخابرات والأمن الوطني، فيما أكد المتحدث باسمه أن التغييرات هي “خطوات إصلاحية لتعزيز إدارة الملف الأمني”، في حين أشارت مصادر أخرى إلى أن هذه التغيرات جاءت لتلبّي متطلبات حزبية.

مصادر حكومة نقلت عنها وكالة الأنباء العراقية “واع”، بأن هذه التغييرات شملت جهازي “المخابرات” “والأمن الوطني”، حيث جرى إنهاء تكليف حميد الشطري من وكالة “جهاز الأمن الوطني” وتعيين أبو علي البصري رئيسا للجهاز، مبينة أنه جرى إنهاء تكليف فالح العيساوي الوكيل الثاني لـ “جهاز الأمن الوطني” وتكليف مثنى العبيدي بديلا عنه.

علاوة على ذلك، جرى بحسب المصادر ذاتها، إنهاء تكليف ماجد الدليمي من “جهاز المخابرات” وتكليف وقاص محمد بديلا عنه، مشيرة إلى نقل حميد الشطري وماجد الدليمي إلى مستشارية الأمن القومي، لافتة إلى أن نقل الشطري والدليمي، إلى مستشارية الأمن القومي يهدف للفائدة من الخبرة وتراكم العمل لسنوات في السلك الأمني، وهذا يحصل لأول مرة، موضحة أن التغييرات جاءت برؤية حكومية، وليست فيها أي جنبة سياسية أو حزبية.

إبعاد الاستثمارات السياسية عن المؤسسة السياسية 

المصادر التي نقلت عنها “واع”، أكدت أن التغييرات استهدفت إبعاد المؤسسات الأمنية الحساسة عن الاستثمار السياسي، لافتة إلى أن الأسماء الجديدة هي من داخل رحم المؤسسات الأمنية، وبعضها وصل إلى هذه المواقع بعدما حقق نجاحات واضحة في الجانب الأمني والاستخباري، وهم من الكفاءات ولم يسجل عليهم أي ملاحظة، بالتالي أن التغييرات تستهدف ضخ دماء جديدة داخل الأجهزة الأمنية الحساسة.

في السياق، أكد المتحدث باسم رئيس الوزراء اللواء يحيى رسول، أن التغييرات جاءت ضمن الخطوات الإصلاحية للسوداني، وقال في بيان، إنه “عملا بالبرنامج الحكومي وأولوياته المتعلقة بالإصلاح الإداري للمؤسسات الأمنية، أصدر السوداني أوامر بتغييرات في بعض المواقع الأمنية، وذلك بهدف ضخ دماءٍ جديدة وإعطاء الفرصة لقيادات أخرى في إدارة الملف الأمني، من أجل رفع كفاءة الأداء للمؤسسات الأمنية.

رسول أشار إلى أن السوداني ثمّن الجهود التي بذلتها القيادات التي شملها التغيير خلال مدة تسلمها المنصب، وقدمت ما تستطيع تقديمه في مواقع المسؤولية، مبينا أن هذه الخطوة جاءت بعد دراسة مستفيضة لتعزيز الأمن والاستقرار في مختلف مناطق البلاد، ولمقتضيات المصلحة العامة، التي تتطلب العمل وفق رؤية مهنية بقيادات أمنية جديدة تتسم بالكفاءة، وتدرجت في الخدمة داخل المؤسسات الأمنية، وسيخضع عملها أيضا إلى التقييم المستمر.

وسط ذلك، علّق الخبير الأمني علاء النشوع على قرار التغييرات الأمنية التي أجرتها الحكومة العراقية، قائلا إن مثل هذه التغيرات عادة ما تكون حاضرة في المؤسسات الأمنية والعسكرية، بيد أن ذلك يأخذ جملة أسباب منها الفشل الأمني في المسؤوليات الموكلة للشخص المعني الذي يُراد استبداله أو يتم استبداله.

غير أن هذه التغييرات في العراق تجري وفقا للمحاصصة السياسية التي يتم على أساسها تقاسم المناصب الحكومية، لافتا إلى أنه بمجرد ملاحظة التغييرات الأخيرة نجدها تكريسا لمبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية، التي كانت السبب وراء تراجع الأداء الحكومي، إذ إنها جاءت طبقا للحسبة السياسية والحزبية، وذلك واضح من خلال ميولات الشخصيات الجديدة التي تم تكليفها بالمسؤوليات فجميعهم يتبعون لخلفيات سياسية محددة.

متغيرات وفقا للمحاصصة السياسية

النشوع لفت إلى أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، هو من سيكون المسؤول الأول أمام الكتل السياسية و”البرلمان” والشعب العراقي بحال نجاح أو إخفاق من كلّفهم مؤخرا بإدارة مناصب مختلفة حساسة في الدولة، مشيرا إلى أنه إذا كانت بعض تغييرات السوداني ناجحة كما وصفتها بعض الشخصيات، فإن أداءها ستعكس مدى صحة ذلك.

رئيس الحكومة يجري تغييرات بمناصب أمنية حساسة/ إنترنت + وكالات

أما عن توقيت هذا الإجراء، بيّن الخبير الأمني، أن التغييرات التي حلّت بهذه المناصب جاءت بناء على ما كانت بعض الأطراف السياسية تطالب به منذ حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وليس بناء على خرق معين أو اخفاق في المرحلة الحالية من قبل الشخصيات التي تم إنهاء تكليفها.

مقابل ذلك، أكد عضو في لجنة الأمن البرلمانية أن التغييرات الجديدة لا تخلو من محاصصة بين القوى السياسية، وقال النائب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إن “هذه المناصب محكومة محاصصاتيا، وأن السوداني لا يمكنه أن يجري تغييرات بشكل ترفضه قوى الإطار التنسيقي، لا سيما أنه يحتاج إلى دعم تلك القوى، وأن جميع تلك الأسماء هي ذات ارتباطات بقوى وأحزاب سياسية معينة”.

النائب أكد أن التغييرات هي عملية تدوير بين القوى السياسية، ووفقا لتفاهمات جرت فيما بينها، وأن القرار الصادر هو مجرد إعلان وتطبيق رسمي للتفاهمات بين تلك القوى، مشددا على أن، هناك ضرورة لإبعاد الملف الأمني عن خانة الأحزاب والقوى السياسية، وهو أمر خطير له تداعيات سلبية على الأمن.

يشار إلى أنه قبل حملة التغييرات في هذه المناصب الأمنية، سبق وكان السوداني قد أقال رئيس “جهاز المخابرات” رائد جوحي، المقرب من رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، والذي شارك في العديد من الملفات الأميركية العراقية المشتركة، كانت أبرزها جولات الحوار بين واشنطن وبغداد الخاصة بانتقال الدور القتالي الأميركي إلى استشاري في العام الماضي، كما جرت إقالة المدير العام لشؤون العمليات الخاصة في “جهاز المخابرات” اللواء ضياء الموسوي.

تنافسات سياسية حول المناصب الأمنية

في حين تسببت المناصب داخل “جهاز مكافحة الإرهاب” و”المخابرات” في الفترة السابقة بمنافسة شديدة بين الأجنحة السياسية لفصائل “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله”، إلى جانب “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، بعد ما جرى حسم “جهاز الأمن الوطني” لصالح حميد الشطري المحسوب على منظمة “بدر” بقيادة هادي العامري، قبل أن يتم استبدال الأخير ضمن حملة التغييرات الأخيرة.

مخاوف من تداعيات تتسبب بها التغييرات الأمنية بالمناصب الأمنية العراقية/ إنترنت + وكالات

ذلك يأتي بينما كان من المفترض أن يجري السوداني تعديلا على التركيبة الحكومية الحالية الشهر الماضي بعد انتهاء فترة الستة أشهر التي كان حددها لتقييم أداء الوزراء، لكنه وبحسب مصادر سياسية، قد اصطدم بممانعة صلبة من قبل قوى “الإطار التنسيقي”، لاسيما زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، الذي اعتبر في تصريحات سابقة أن هذا التعديل لا يزال من المبكر القيام به.

إذ تراجع السوداني عن إجراء تعديل على حكومته المنبثقة عن اتفاق سياسي جرى التوصل إليه في أيلول/سبتمبر الماضي، ليكتفي ببعض التعديلات التي طالت الأجهزة الأمنية، وهي التي شملت جهازي “المخابرات” و”الأمن الوطني”، وذلك بضوء أخضر من قوى “الإطار التنسيقي” التي تدعم حكومته.

تراجع السوداني عن قراره بحسب أوساط سياسية يؤكد أن رئيس الوزراء الأسبق المالكي، هو من يمتلك اليد الطولى في الحكومة، وأن السوداني بات على قناعة بأن تحدي الأخير ليس في صالحه بل سيقود إلى إضعافه، وقد يصل الأمر حد التفكير بالإطاحة به من رئاسة الوزراء.

وفقا لذلك، فإن هذه التغييرات قد يكون لها تكاليف باهظة، وهو ما قد لن يتحمله العراق في المرحلة الحالية والقادمة، لاسيما إذا ما انعكس الأمر على مستوى الاستقرار الأمني، أو السياسي، ما يهدد الوضع المجتمعي بشكل عام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات