على غرار كل عام، يعيش العراق أجواء صيفية ملتهبة من دون كهرباء، بينما خرج رئيس الحكومة محمد شياع السوداني المدعوم من قبل التحالف السياسي الحاكم في البلاد المتمثل بالـ “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران؛ ليضيف لقائمة وعود حل أزمة الكهرباء الطويلة، وعدا آخر، لكنه من نوع جديد، قائلا إن الحل سيتم من خلال مقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الشعبية والسياسية.

مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، وكالمعتاد في كل صيف، خفّضت إيران كميات الغاز المصدّر للعراق إلى أكثر من النصف، ما تسبب بأزمة نقص بالطاقة الكهربائية عمت مختلف مدن البلاد، الأمر الذي تسبب بتراجع ساعات التجهيز إلى حدّ كبير، مما تسبب بموجات احتجاج شعبية في بعض المدن العراقية.

خفض الغاز الإيراني، جاء نتيجة تخلف بغداد عن سداد مبالغ ديون مستحقة عليها لإيران، تبلغ نحو 10 مليارات دولار، وتعزو بغداد ذلك إلى عدم قدرة العراق على دفع مبالغ بالدولار بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وأن مبلغ استيراد الغاز مودّع في “البنك العراقي” الرسمي وبانتظار التوصل لاتفاق.

أزمة ديون الغاز بين العراق وإيران

خلال العامين الماضيين، دخلت بغداد وطهران عدة مفاوضات بشأن الأزمة، من بينها اعتماد الدينار العراقي في الدفع أو تسديد بغداد المبالغ من خلال عملة دولة أخرى يتم الموافقة عليها من قبل الدولة ذاتها، وكذلك مسألة تسديد العراق بعض ديون إيران الخارجية، لكن لم يتم التوصل لأي اتفاق حيال الملف.

نتيجة لذلك، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية انحسار الغاز المورَّد من إيران؛ الأمر الذي أدى إلى توقّف عدد من محطات الكهرباء وزيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي، وذلك بينما كانت الوزارة قد أكدت أنها أودعت ما عليها من مستحقات تبلغ قيمتها 11 مليار دولار إلى الجانب الإيراني، مقابل واردات الغاز لدى صندوق الاعتماد في “المصرف العراقي للتجارة”.

على هذا الأساس، أعلنت الحكومة العراقية أمس الثلاثاء، توقيع اتفاقية مع إيران تسمح بمقايضة النفط الخام والنفط الأسود مع الغاز الإيراني، بما يعادل قيمة تجهيز الغاز وشراء الطاقة الكهربائية المودّعة في حساب الشركات الإيرانية في المصارف العراقية.

القرار نصّ على أن تتولى وزارتا النفط والمالية اتخاذ الإجراءات اللازمة لإجراء التسويات بالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية، وأن تخوّل شركة تسويق النفط العراقية “سومو” وضع الآلية التسويقية اللازمة لتنفيذ الاتفاق، وهو ما اعتبره الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، أن حل موضوع استيراد الغاز سيُخرج العراق من أزمة استمرت 5 سنوات.

العوادي وفي تصريح للتلفزيون الرسمي العراقي، قال “تم الاتفاق على مقايضة الغاز الإيراني بالنفط الأسود العراقي”، مبينا أنه “بعد الاتفاق الأخير مع إيران، فإن الأموال المودعة بحساب الشركات الإيرانية في “المصرف العراقي للتجارة” ستبقى للعراق، وأن هذه الأموال ستبقى رصيدا للشعب العراقي وبالإمكان أن تسدّ جزءا من العجز في الموازنة”.

قرار في صالح إيران

في السياق، رأى البعض أن القرار جاء في صالح إيران التي تعاني من العقوبات ويمر اقتصادها بحالة من التدهور الشديد، حيث يمكن أن تستثمر النفط العراقي الذي ستحصل عليه لسد حاجتها من الوقود، أو بيعه ضمن طرق البيع التي تعتمد عليها، مما يوفر عليها الكثير، ويجنبها احتجاز الأموال التي تسعى للحصول عليها من تصدير الغاز.

العراق يقرر مقايضة النفط الخام بالغاز الإيراني لحل أزمة الكهرباء/ إنترنت + وكالات

تعليقا على ذلك، يقول المحلل السياسي عقيل عباس، إنه في الأساس كانت الولايات المتحدة الأميركية قد سمحت في شهر آذار/مارس الماضي للعراق بأن يدفع الأموال لإيران، لذلك أن قضية الأموال والتذرع بالعقوبات من أجل قطع الغاز عن العراق، ليست هي المشكلة الأساسية، كما أعلنتها الحكومة العراقية والتحالف السياسي الحاكم المتمثل بـ “الإطار التنسيقي”.

عباس أشار في حديث مع موقع “الحل نت”، إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، كان قد أعلن عن منح العراق صلاحية تسليم الأموال لطهران، وذلك استثناء من العقوبات، مشيرا إلى أن مسألة الكهرباء ليست لها علاقة أساسا بالعقوبات، إذ أبلغت إيران العراق منذ سنوات بأنها في أشهر الصيف غير قادرة على تجهيز الغاز بذات الكميات.

ذلك لأنها أيضا تحتاجه في أوقات الذروة لتغطية مناطقها، فهي تخشى أيضا انقطاع الكهرباء وما قد يتسبب به من احتجاجات شعبية ضدها، لذلك أن قطع الغاز عن العراق في الصيف متوقعٌ حصوله كل عام، لذلك ليس هناك شيء جديد في الموضوع حتى مع إعلان العراق قرار مقايضة النفط بالغاز.

عباس لفت إلى أن تصريح وزير النفط الإيراني كان صريحا وواضحا، بأن سبب خفض الغاز عن العراق هو وجود أعطال، بمعنى أنه لم يحيل الموضوع لتأثير العقوبات الأميركية ولعدم دفع الأموال، لذلك فإن أميركا ليست لها علاقة بالأمر، كما يروّج له.

من جهته، يرى المهتم بالشأن السياسي علي الشمري، أن القرار جاء في صالح إيران، إذ أنها تقدر جيدا أنها بحاجة إلى أي ما يمكن تصريفه في الأسواق، ولا يوجد هناك سلعة أهم من النفط، بالتالي أنها قد احتالت بشكل أو بآخر على العقوبات الأميركية، ذلك لأنه سيكون بإمكانها بيعه النفط وتحويله إلى نقود، بالتالي سيكون أفضل لها من تبقى أموالها في المصارف العراقية دون أن تتمكن من التصرف بها، ستكون قد حصلت على الأموال من خلال هذا القرار.

الالتفاف على العقوبات

الشمري وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إنه من المعلوم هناك عقوبات على الصادرات الإيرانية، لكنها بشكل أو بآخر سيكون بإمكانها تصدير النفط، لأنها بارعة في التهريب، وأنه في الأساس تحملها للعقوبات كان عبر الاعتماد على التهريب، لذلك القرار في صالحها تماما، في حين لن ينفع العراق بل سيضره، ذلك لأنه سيبقى رهينة للغاز الإيراني، بينما يهمل التوجه نحو إيجاد بدائل محلية بخاصة وأنه يمتلك كميات كبيرة من الغاز غير المستخرج.

خبراء يشككون بجدوى قرار الحكومة العراقية بمقايضة النفط الخام بالغاز الإيراني لحل أزمة الكهرباء/ إنترنت + وكالات

جدير بالذكر، أن تكرار أزمة الكهرباء في العراق يأتي بالرغم من إعلان حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن مشكلة الكهرباء ضمن أولويات برنامجها، لكنها تواجه فعليا عقبات عدة لاستئصالها من جذورها، وحتى على صعيد إنتاج الكهرباء محليا باستخدام الموارد الأولية التي يملكها العراق من دون الاعتماد على مصادر إنتاج من الخارج.

كما يُشار إلى أن الاتفاق العراقي الإيراني الذي وقّعه عن الجانب الإيراني السفير في بغداد محمد كاظم آل صادق، وعن الجانب العراقي مسؤول المكتب الحكومي ببغداد إحسان العوادي، لم يشرح آلية المقايضة.

كذلك لم يوضح إذا ما كان سيتم تصدير كميات النفط العراقي البديلة عن الغاز الإيراني الواصل للعراق إلى إيران بشكل مباشر، أو أن العراق سيقوم بتصديرها إلى جهات أخرى، وخاصة أن العراق وإيران لا يرتبطان بأي مشاريع نفطية مثل الأنابيب أو طرق الشاحنات البرية.

أثناء ذلك، بدأت أزمة الكهرباء تُلقي بظلالها على الشارع العراقي، إذ شهدت محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، مع محافظات أخرى تظاهرات حاشدة وقطعا للطرق احتجاجا على الانخفاض الكبير في ساعات تجهيز التيار الكهربائي، الأمر الذي ينذر بتحرك الشارع العراقي مجددا بشأن أزمة الكهرباء، وسط مطالبات للحكومة بالإيفاء بتعهداتها بـ”صيف مختلف”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات