في دمشق، تكمن روح البقاء في أنحاء الشوارع والأسواق، حيث تتجاوز النساء التحديات والمصاعب من أجل كسب لقمة العيش. لكن بينما يُنظر إلى هؤلاء النسوة على أنهنّ بطلات يحاربن القسوة والضياع، إلا أن وجهة نظر محافظة دمشق ترسم صورة مختلفةً تماما.

تحت ضغط الظروف الاقتصادية القاسية، تجد العديد من النساء السوريات أنفسهنّ مضطرّة للعمل في الشوارع وعلى البسطات، لبيع منتجاتهنّ التي يجتهدن في زراعتها. فمع تدهور الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، يتعزز الضغط الاقتصادي الذي يجبرهنّ على العمل في مِهن حرة.

حديث النساء وتبريرهنّ لهذه الأعمال الشاقة، هو غياب الرجال، حيث عمالة النساء تنتشر في شوارع دمشق وأسواقها، لمواجهة قسوة الزمن بهدف كسب لقمة العيش، لكن من وجهة نظر المسؤولين، فإنهنّ غير مراقبات صحيا ومنتجاتهم معرّضة للتلف!

خضراوات بسعر أقل من الأسواق

نساء سوريات يُجبرن على العمل في مِهن حرة في الشوارع وعلى البسطات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة اليومية وانخفاض أجور العمل سواء في القطاع الخاص أو الحكومي. وتزداد صعوبة الوضع بفقدانهنّ للزوج أو المعيل.

نساء سوريات يعملن في بيع المنتجات التي يزرعنها - إنترنت
نساء سوريات يعملن في بيع المنتجات التي يزرعنها – إنترنت

في أزقة سوق حي الفحامة في دمشق، تتناثر قصص النساء اللاتي يعملن في بيع المنتجات التي يزرعنها في الأراضي الزراعية القريبة من منازلهن في منطقة كفرسوسة والربوة. حيث يبعن محاصيل متنوعة مثل البقدونس والنعنع والجرجير والفاصولياء والبامية والباذنجان والكوسا وغيرها.

أم فؤاد، البالغة من العمر 45 عاما وتقطن في حي كفرسوسة، بحسب ما نقله موقع “أثر برس” المحلي أمس الثلاثاء، تعمل في حقولها الزراعية لتتمكن من توفير احتياجات عائلتها. وتذكر أنه في الماضي، كانت تزرع في بستانها للحصول على الخضراوات الطازجة للاستهلاك الشخصي فقط. ولكن اليوم، تضطر إلى العمل في الزراعة وبيع منتجاتها في الشوارع وعلى الأرصفة، فليس لديها مكان لعرض منتجاتها.

يوميا تجلس أم فؤاد بجانب منتجاتها المتنوعة من الخضار والبيض البلدي في بسطات قرب منطقة الفحامة، تشارك مجموعة من النساء الأخريات في هذا المكان. وتشعر أم فؤاد بالفخر لأنها تربي أحفادها بدون اعتمادها على أي دخل آخر غير هذا العمل الذي بدأته منذ خمس سنوات تقريبا.

علاوة على ذلك، تؤكد أم فؤاد أنها تبيع منتجاتها من الخضراوات بأسعار منخفضة مقارنة بالأسواق الأخرى، بهدف التغلب على صعوبات الحياة وضمان توفير احتياجاتها المنزلية. وتسعى للعودة إلى منزلها في نهاية اليوم وحيازة مبلغ من المال يكفي لتلبية احتياجاتها الأُسرية.

مسؤولية الشرطة مكافحتهنّ

هناك أيضا نساء يبعن الألبان والأجبان، ومن بينهنّ أم خلدون التي تعمل مع زوجة ابنها في تصنيع الألبان والأجبان ومنتجات أخرى مشتقة من الحليب في منزلها في مساكن برزة بدمشق. إذ يقمن ببيعها على بسطة قريبة من المارة، لأن معاش ابنها الموظف لا يكفي تكاليف المواصلات وشراء بعض الاحتياجات المنزلية.

الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية هي السبب الرئيسي وراء اتجاه العائلات نحو ممارسة أعمال البسطات - إنترنت
الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية هي السبب الرئيسي وراء اتجاه العائلات نحو ممارسة أعمال البسطات – إنترنت

أم خلدون تقوم بشراء الحليب من بعض المزارع القريبة وتقوم بتصنيع اللبنة والجبنة البلدية. وتخصص يومين في الأسبوع لتصريف منتجاتها عبر تلك البسطة. وتشير إلى أن فقر حالة ولدها واحتياجات أطفالها للغذاء والمدارس دفعتها للعمل في الشارع وكسر النمطية التي تَفرض على المرأة العمل داخل المنزل فقط.

فيما يتعلق بوضع هذه البسطات، أشار قحطان إبراهيم، مدير الشؤون الصحية في محافظة دمشق، إلى أنه يجب إرسال دوريات المصادرة للتعامل مع هذه الحالات. فالمكان المناسب لهذه المنتجات ليس في الشوارع، حيث تحتاج معظمها إلى برادات داخل المحلات، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وخطر تلفها في فترة قصيرة.

في ذات الشأن، يرى إبراهيم أنه ليس على عاتقهم مسؤولية المراقبة، فذلك مهمة الشرطة التي تتواجد في الشوارع وتقوم بمراقبة مواقع وجود هذه البسطات.

علاوة على ذلك، ذكر إبراهيم أن المحافظة كانت تتعامل فقط مع الشكاوى المتعلقة بالأطعمة الفاسدة التي تم شراؤها من هؤلاء النسوة. حيث تقوم بفحص المادة ومعاقبة البائع، سواء كان رجلا أو امرأة، ومصادرة كل ما بحوزتهم.

“بدهم يعيشوا اتركوهم”

تصريحات مدير الشؤون الصحية في محافظة دمشق، أثارت انقسام الشارع السوري، بين مؤيد لخطوات الشرطة في قمع النسوة صاحبات “البسطات القاتلة”، وآخرين يرون أن الحكومة هي من أجبرتهنّ على ترك بيوتهنّ والعمل في الشوارع، قائلين “بدهم يعيشوا اتركوهم”.

تحاول فئة واسعة من ربات المنزل إيجاد مِهن يمكن ممارستها للحصول على دخل إضافي - إنترنت
تحاول فئة واسعة من ربات المنزل إيجاد مِهن يمكن ممارستها للحصول على دخل إضافي – إنترنت

في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها الأُسر السورية، تحاول فئة واسعة من ربات المنزل إيجاد مِهن يمكن ممارستها من منازلهن للحصول على دخل إضافي يساعدهنّ في المصاريف العائلية، إذ تضطر بعض العائلات السورية للعمل بكافة أفرادها لسد احتياجات المنزل، بسبب التضخم المستمر في أسعار السلع والخدمات في البلاد.

أحد أبرز المِهن التي يتوجه إليها الأهالي مؤخرا هي الزراعة المنزلية، حيث تضمن تأمين بعض الخضروات للعائلة إضافة إلى بيع الفائض وتحقيق ربح معقول، خاصة في ظل الارتفاع الكبير الذي ضرب أسعار الخضروات والفواكه مؤخرا في سوريا.

خلال العامين الماضيين، شهدت معظم المناطق السورية عدة أزمات اقتصادية أثرت سلبا على الحياة المعيشية للسكان. تراجعت القدرة الشرائية وتفاقمت الصعوبات الاقتصادية، مما أدى إلى نقص فرص العمل. ونتيجة لذلك، اضطرت النساء في دمشق بشكل خاص إلى العمل في مِهن وحِرف كانت تعتبر في السابق حكرا على الرجال.

وفقا لحديث الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، فإن انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية جعل من الصعب على العائلات الاعتماد على دخل شخص واحد لتأمين سبل العيش. ولم يعد من الممكن أن يعمل الرجل وتكون الزوجة والأطفال بلا عمل كما كان في الماضي.

العديد من الأسر اضطرت لإشراك أبنائها في سوق العمل، سواء كانوا ذكورا أو إناثا. وهذا يعكس الزيادة الملحوظة في عدد النساء العاملات في مختلف قطاعات العمل. بالإضافة إلى ذلك، يشهد الشباب هجرة كبيرة وانخراطا في العمل المسلّح، سواء في صفوف القوات الحكومية أو الفصائل التي تدعمها روسيا وإيران.

ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”.

منظمة “العمل” الدولية صنّفت الفقر في العمل في العالم العربي إلى فئتين. الفقر الشديد ويشمل الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 9.1 دولار أميركي في اليوم بمعدل القوة الشرائية. والفقر المتوسط يشمل الأشخاص الذين يعيشون بين 9.1 و10.3 دولارات أميركية في اليوم بمعدل القوة الشرائية. ويجب ملاحظة أن هذه الأرقام تعتمد على دخل الفرد المشتغل وليس على حجم الأسرة التي يعولها، والتي قد تكون كبيرة العدد.

تلك الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية هي السبب الرئيسي وراء اتجاه العائلات نحو ممارسة أعمال البسطات. بالإضافة إلى ذلك، أدت الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى تحويل ربات المنزل إلى العمل في منازلهن في مجالات مختلفة، مثل صناعة الحلويات التي حققت شهرة واسعة خلال عيدي الفطر والأضحى في السنتين الماضيتين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات