بينما أعلنت أثيوبيا قبل أيام قليلة بدء الملء الرابع لـ “سد النهضة” الذي تقيمه على نهر النيل، ويمثل نقطة خلاف حادة مع مصر والسودان اللتين تعدان دولتي مصب، لاسيما القاهرة الذي تعتبره تهديدا وجوديا؛ توصل الجانبان المصري والأثيوبي، أمس الخميس، إلى توافق على الشروع بمفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغل السد، خلال أربعة أشهر.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، اتفقا بأنهما سيبذلان كل الجهود اللازمة للانتهاء من الاتفاق في غضون 4 أشهر، حيث تعهدت أديس أبابا بعدم إلحاق ضرر ذي شأن بالقاهرة والخرطوم، بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين، في وقت لم تفلح مفاوضات ثلاثية متقطعة، جرت على مدار أكثر من 10 أعوام، في الوصول إلى حل، رغم رعاية عدة أطراف دولية لها، أبرزها الولايات المتحدة الأميركية و”الاتحاد الأفريقي”.

منذ بدء أديس أبابا إنشاء “سد النهضة” عام 2011، أثار الموضوع توترات حادة مع القاهرة والخرطوم، إلا أن إثيوبيا لم تصغِ إلى المخاوف التي كانت تطلقها دول المصب، حيث استمرت في إنشاء السد من دون التوصل إلى اتفاق يضمن لجميع الأطراف استحقاقاتهم في نهر النيل، وعلى هذا الأساس استمرت خلال السنوات الماضية الملء الأول والثاني والثالث للسد الإثيوبي دون توافق مع مصر أو السودان، وسط تنديد الأخيرتين وتمسك أديس أبابا بموقفها.

مصر وإثيوبيا يتوافقان بشأن “سد النهضة”

لكن وعلى الرغم من توقف المفاوضات حول السد منذ أكثر من عام بين مصر وإثيوبيا والسودان، حيث تتمسك القاهرة والخرطوم بالاتفاق أولا مع إثيوبيا على ملء السد وتشغيله، لضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من المياه المقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي، عاد الجانبان المصري والإثيوبي ليُعلنا استئناف المفاوضات أملا في التوصل إلى اتفاق ضامن.

ذلك جاء عقب اجتماع ثنائي عقده الرئيس المصري ورئيس الوزراء الأثيوبي على هامش قمة “دول جوار السودان”، التي استضافتها القاهرة، لمناقشة قضية “سد النهضة”. الرئيسان جددا تأكيد إرادتهما السياسية المتبادلة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، انطلاقا من الرغبة المشتركة في تحقيق مصالحهما المشتركة، بما يسهم أيضا بشكل فعّال في تحقيق الاستقرار والسلام والأمن في المنطقة، وقدرة الدولتين على التعامل مع التحديات المشتركة، بحسب بيان مشترك نشرته الرئاسة المصرية.

كما اتفق الطرفان، بحسب البيان، على تجاوز الجمود الحالي في مفاوضات “سد النهضة”، من خلال الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله. كما أوضحت إثيوبيا التزامها، خلال فترة المفاوضات، وفي أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023 – 2024 بعدم إلحاق أي ضرر ذي شأن بمصر والسودان.

الأمر الذي دلّ على حدوث انفراجة في ملف “سد النهضة”، بما يوحي إلى نجاح دبلوماسية القاهرة، وتفهّم أديس أبابا لضرورة تغير سياسة تعاملها مع هذا الملف الحساس، لاسيما في ظل الأزمة السودانية التي كانت إثيوبيا ومصر ضمن أكثر المتضررين منها، ما يتطلب توحيد المواقف والنظر إلى استقرار المنطقة بعين أوسع مما كان يُنظر إليه من قبل الجانب الإثيوبي بشأن “سد النهضة”.

تعليقا على ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة “قناة السويس” بمصر، سعيد الزغبي، مصر كانت واضحة بمطالبها، فهي تريد لإثيوبيا التطور والتنمية، ولا تمانع أي عمل يساهم بذلك، ولا شك أن “سد النهضة” ضمن الآليات التي تساعد بنمو إثيوبيا، لكن المشكلة تكمن فقط في الاتفاق على القواعد القانونية لملء السد.

مخاوف مصرية ومواقف ذات أهداف مستقبلية

لذلك، بحسب الزغبي الذي تحدث بتصريحات حصرية لموقع “الحل نت”، أن مصر لديها مخاوف جدّية بشأن مشروع السد، لذا طالبت بفحص وتفتيش تصميمه ودراساته من أجل تهدئة المخاوف، غير أن إثيوبيا ترفض هذا الطلب، وهو ما تسبب بعدم توقيع اتفاق تعاون إطاري من قبل مصر أو السودان، لأنهما يعتبران أنه ينتهك معاهدة 1959 التي تعطي حقوقا حصرية للسودان ومصر في مياه النيل.

إثيوبيا تلتزم لمصر بعد الإضرار بها أثناء المفاوضات وملء “سد النهضة” خلال العام الهيدرولويحي 2023-2024/ إنترنت + وكالات

الزغبي يرى، أن الإعلان المصري الإثيوبي الأخير بالشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء السد وقواعد تشغيله، يعني الوقوف على المشكلة الرئيسية التي تُعد موضع الخلاف بين الأطراف المعنية بالقضية، مشيرا إلى أن مصر حاولت منذ اللحظة الأولى صياغة موقف موحد، من أهم ثماره منع أي تطور عنف بين البلدين وقطع الطريق أمام الذي يرغبون في تصعيد القضية إعلاميا بين البلدان المختلفة فيما بينها.

أستاذ العلوم السياسية، يرى أن الموقف الذي توصلت إليه القاهرة مع إثيوبيا حول “سد النهضة”؛ يتوافق مع شخصية مصر ويتفق مع مفهوم سياساتها الخارجية على مدار السنوات الماضية، مؤكدا أن مصر يهمها في نهاية المطاف تحقيق الهدف، ولا يهمها استعراض الأدوار، وأكبر دليل على ذلك دعمها لمبادرة جنوب إفريقيا الخاصة بالنزاع في أوكرانيا.

فمصر، برأي الزغبي، قادرة ومدركة للمخاطر التي تهددها، لكنها تتقن تجاوز تلك المخاطر، بخاصة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي اختلفت منذ توليه السلطة تعاملات مصر مع إفريقيا عن العقود الماضية، حيث تمكنت القاهرة من استعادة دورها الريادي في القارة، وقدمت نموذجا تنمويا ملهما بشهادة الكثير من الأشقاء، مشيرا إلى أن السيسي كان أول رئيس مصري يزور بعض الدول الإفريقية، وهو الوحيد الذي زار الأقاليم الخمسة للقارة.

إن توصل القاهرة لتوافق مع إثيوبيا بشأن “سد النهضة”، وفق الزغبي، يأتي ضمن صياغات مصر العديد من الاستراتيجيات الخاصة بحفظ السلم والأمن في إفريقيا، وتنامي العلاقات مع دول حوض النيل، واستعادة وهج تجمع الساحل والصحراء، الذي عاد منذ انعقاد قمته في شرم الشيخ، والمبادرات التنموية، لافتا إلى أن القيادة المصرية المتمثلة بالرئيس السيسي؛ أثبتت مرارا قدرتها على التعامل مع الأزمات وحلها من دون أي تدخل أممي أو خارجي، بما في ذلك قضية “سد النهضة”.

في غضون ذلك، أنهت إثيوبيا مرحلتين من عملية ملء السد في عامي 2020 و2021، فيما أنهت الملء الثالث العام الماضي، وأدى عدم التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث؛ مصر والسودان وإثيوبيا، إلى زيادة التوتر السياسي مع أديس أبابا. أثيوبيا تقول إن المراحل الثلاث الأخيرة لم تؤثر على حصص دول حوض النهر، وبالمثل فإن المرحلة الرابعة لن تكون مختلفة، إلا أن الخبراء قالوا عكس ذلك، وأن الملء الرابع سيحمل معه العديد من النتائج السلبية، بخاصة وأن مصر تعتمد على مياه النيل بنحو 97 بالمئة من حاجات الري.

أضرار “سد النهضة”

بحسب تقارير، فإن إثيوبيا تستهدف تخزين ما يوازي نصف حصة مصر السنوية من مياه النيل التي تبلغ 55 مليار متر مكعب من المياه، حيث تسعى لتخزين ما بين 20 إلى 25 مليار متر مكعب في الملء الرابع لـ “سد النهضة”، في حين كان إجمالي التخزين في المرات الثلاث السابقة 17 مليار متر مكعب في 3 سنوات.

مصر وإثيوبيا يتفقان على يحددان موعدا للمفاوضات بشأن “سد النهضة”/ إنترنت + وكالات

في المقابل، لجأت مصر خلال السنوات الماضية الى التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة مياه الصرف، كما نفذت مشروع تبطين الترع لتقليل الفاقد في المياه، إلا أن ذلك قد لا يحمي مصر من الأضرار التي سيتسبب بها “سد النهضة” في السنوات القادمة.

إذ سيؤدي السد إلى القضاء على أي إمكانية توسع زراعي مستقبلي مع احتمال تقلص المساحات المزروعة حاليا، فضلا عن خفض تدفق النيل بمقدار 12 مليار متر مكعب إلى مصر سنويا، أي بنسبة 23 بالمئة من حصة مصر السنوية من مياه النيل.

من الأضرار المتوقعة عن السد أيضا، زيادة نسبة البخر بمقدار 5.9 بالمئة، بحسب خبراء مختصين، والذي بدوره سيؤثر على كمية ونوعية مياه النيل، وسيزيد من ملوحة المياه في الجزء الشمالي من الدلتا، ما سيؤدي في النهاية إلى انهيار القنوات والمصارف، وعدم استقرار النّظم الإيكولوجية في شمال مصر والإسكندرية والساحل الشمالي، بالتالي ستؤدي زيادة الملوحة إلى زيادة تكاليف تنقية وتوفير مياه الشرب.

كذلك من المتوقع في حالة خفض حصة المياه المصرية بأكثر من 5 بالمئة، سيؤثر ذلك على الملاحة الآمنة في النهر، في حين أن الانخفاض بأكثر من 10 بالمئة يمكن أن يؤثر على محطات رفع المياه للري والاستخدامات الصناعية، ويمكن أن يؤثر الانخفاض بأكثر من 15 بالمئة على محطات مياه الشرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات