بينما تقدم الصين نفسها على أنها دولة اقتصادية لا تعير الأنشطة العسكرية والأمنية اهتماما كبيرا، كما أنها تحافظ على علاقات متوازنة مع الحكومات الرسمية من دون التدخل في شؤون الدول، إلا أن تجربة جماعة مرتزقة “فاغنر” الروسية، سلطت الضوء على الدور الأمني الذي تلعبه الصين من خلال عدد من الشركات الأمنية، الأمر الذي فتح باب السؤال عنما إذا ستحاول بكين ملء الفراغ الذي تركته “فاغنر”.

الحديث عن إمكانية أن تسعى بكين عبر شركاتها الأمنية إلى استنساخ تجربة “فاغنر”، سببه تجربة “ُفاغنر” ذاتها، حيث أدى فشلها إلى تحجيم نشاطها من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بعد تمرد الجماعة على القيادة العسكرية واستحواذها على مقار عسكرية مهمة قبل أن تحرك أرتالا عسكرية تجاه موسكو، الأمر الذي أنتهى بانسحاب الجماعة إلى بيلاروسيا وتراجعها إلى مقارها العسكرية، قبل أن تتم ملاحقة رئيس الجماعة يفغيني بريغوجين الذي كان أحد مقربي بوتن، والمعروف بطباخه.

الخشية المتصاعدة من أن تلجأ بكين إلى استخدام شركاتها الأمنية ضمن سياساتها الخارجية، يأتي من منطلق أن “فاغنر” كانت تمثل حلفا أمنيا وعسكريا مع المصالح الصينية، ذلك بالنظر إلى التحالفات الاقتصادية والسياسية التي يشترك فيها البلدين اللذين ينخرطان بشكل منفصل في مواجهة عسكرية واقتصادية واجتماعية مع الغرب وحلفائه، حيث يسعيان كما يروجان إلى إعادة إنتاج نظام عالمي متعدد الأقطاب. فبالتالي ومع أفول نجم “فاغنر” بات على بكين أن تتدبر أمورها، وهو ما يرجح أن تستعين بشركات الأمنية، وفق مراقبين.

تصاعد دور الشركات الأمنية الصينية

على النحو هذا، توقع صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي كشفت أوجه الخلاف بين الشركات الصينية ومجموعة “فاغنر” الروسية، بأن توسع الحكومة الصينية دور الشركات الأمنية الصينية خلاف ما كانت تعمل عليه في حراسة المشاريع الصينية.

الصحيفة الأميركية وفي تقرير لها، قالت إن صعود مجموعة “فاغنر” يسلط الضوء على الدور الذي تلعبه شركات الأمن الخاصة في البلدان النامية، ومن بينها الشركات الصينية التي انتشرت بجميع أنحاء إفريقيا وآسيا، لافتة إلى أن وجود شركات الأمن الصينية ذات الطابع العسكري يتزايد مع تزايد وجود الصين عالميا.

 ذلك الوجود العسكري للشركات الأمنية الصينية يتمثل، على سبيل المثال، في مطاردة القراصنة من على سطح سفن الشحن في خليج عدن، وحراسة السكك الحديدية في كينيا وحماية مستودعات الوقود في سريلانكا، بيد أن كلا من النسختين الروسية والصينية تتميز بعلاقات غامضة مع جيوش دولها، ومهام سرية ونقاط دفاعية بحرية، في الأماكن التي تمارس فيها حكوماتها نفوذا، لكن أوجه التشابه تتوقف عند هذا الحد.

أما بالنسبة للوظائف الأكثر خطورة في الخارج، تعمل شركات الأمن الصينية على توظيف مستشارين وموظفين محليين مسلحين غالبا، ومع ذلك، فإن تعريف بكين الواسع للأمن القومي واندفاعها لبث الأولويات السياسية في المؤسسات التجارية يوحي لبعض المحللين بأنها يمكن أن توسع صلاحيات شركات الأمن الخاصة.

تعليقا على ذلك، يقول خبير السياسيات العامة محمد نعناع، إن الصين مبدئيا لديها نظامين من التحرك الأمني، لكنها تحمي تلك التحركات من خلال البروباغندا الإعلامية، مبينا أن النظام الأول يتمثل بالأمن المعلوماتي وهذا منتشرا بشكل واسع بكافة الشركات الصينية التي تعمل في أنحاء العالم.

دور الصين الأمني

إذ تمتلك الصين خلايا تعمل في الشركات الصينية على جمع المعلومات الكاملة عن المشتركين، لتقوم بعد ذلك بتحليلها إلى معطيات لتحولها إلى داتا بيانية موثقة، يبين نعناع، ويشير إلى أن الصين تسعى من خلال ذلك جمع أكبر معلومات عن المجتمعات، أما النظام الثاني، فهو نظام ممول للجماعات والشركات الأمنية وينقسم إلى قسمين.

تحذيرات من تصاعد دور الشركات الأمنية الصينة/ إنترنت + وكالات

القسم الأول، بحسب خبير السياسيات العامة، إلى شركات تديرها الأموال الصينية بشكل مباشر، وقسم يكون عبر التعاون مع دول أخرى حيث تمول عبر المشاريع والشركات الاستثمارية، مؤكدا أنه بموازاة هذه النظامين العاملين معلوماتيا وميدانيا، تعمل الصين من خلال البروباغندا الإعلامية، بأن تبرء ساحتها من هذه الأنشطة وتقدم نفسها على أنها ليست لها علاقة بمثل هذه الأنشطة.

نعناع نوه إلى أن الصين نجحت في التضليل الإعلامي إلى حد ما، فهناك أطياف مجتمعية مقتنعة بأن الصين ليست لها علاقة بالأنشطة الأمنية، وأنها لا تلعب دورا أمنيا أو استخباريا، مبين أن هدف الصين من ذلك تحسين سمعتها، وألا ينظر العالم لها على أنها قطب أيدلوجي، بل أن ينظر لها على أنها دولة بناءة بيد أن هذا غير صحيح وليس دقيق أبدا.

الغاية من ذلك، كما يؤكد نعناع، أن الصين تريد ملء أي فراغ ممكن، سواء كان أمني أو اقتصادي أو سياسي، فبالتالي هي لديها رغبة جاهزة لملء الفراغات، إلا أن ذلك سيؤدي إلى ظهور حالة الرغبة الأمنية في إنشاء قواعد عسكرية ومراكز أمنية والتدخل في تحركات أمنية معينة، بيد أن تصاعد حضورها الأمني سينعكس سلبا عليها أكثر من أي شيء ثان، ذلك لأنه سيعاد النظر في تعريفها كقطب اقتصادي أو صناعي، وهذا سيزيد من الضغوط عليها في كافة المستويات.

وسط ذلك، بينت “وول ستريت جورنال”، أنه عادة ما يتم تعيين شركات الأمن الصينية من قبل مجموعات أعمال صينية أخرى، مثل شركة ” شينا أوشن” للشحن، وشركة “الطرق والجسور الصينية”، التي تسعى إلى الحماية لمصالحها التجارية الخاصة.

حجم الشركات الأمنية الصينية

في حين أن مثل هذه المجموعات التجارية تخضع لسيطرة الحكومة الصينية، وغالبا ما تنفذ الخطط التي تخدم الأهداف السياسية لبكين، إلا أن مصالحها الأمنية تميل إلى أن تكون لها روابط غير مباشرة فقط باستقرار الحكومة المضيفة، كما يقول الخبراء، بينما تقدم العديد من الشركات الصينية في الخارج نفسها كمؤسسات تجارية متعددة الجنسيات، وتقلل من أهمية دور “الحزب الشيوعي” في عملياتها.

انتشار دور الشركات الصينية الأمنية في الخارج/ إنترنت + وكالات

الأجدر ذكره، أن ما يصل إلى 20 إلى 40 شركة خاصة صينية تعمل في الخارج في حوالي 40 دولة، وتتركز بشكل كبير في القارة الإفريقية، في حين يصل العدد الكلي لأكثر من 5000 شركة أمنية خاصة محلية.

الفارق الأساس بين هذه الشركات الأمنية الصينية، ومجموعة “فاغنر”، بحسب الصحيفة الأميركية، أن تركيز “الحزب الشيوعي” الحاكم على السلطة المركزية لا يترك مجالا كبيرا لشركات الأمن الخاصة لشن تمرد عسكري كما فعلت “فاغنر” في روسيا، وأنه يفرض الولاء المطلق من جميع قوى الأمن الوطني، بما في ذلك شركات الأمن الخاصة.

بناء على هذا المشهد، فإن الحديث عن تصاعد دور الشركات الأمنية الصينية قد يكون أقرب إلى التنفيذ في ذهن حكومة بكين من أي وقت مضى، لا سيما وأنها الطامحة لملء الفراغات التي يتركها حلفاءها وخصومها على حد سواء، لذا أن تراجع دور شركة “فاغنر” الروسية، قد يمثل حافزا كبيرا للصين للانخراط في توسعة أنشطة شركاتها إلى أبعد ما مهامها السابقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات