الحكومة الإسرائيلية عمدت من خلال اتفاقيات “أبراهام” على إنشاء علاقات هادئة مع الدول العربية، ورغم أن هذه الاتفاقيات لم تلقى ربما الانتشار المنشود، إلا أنها نجحت على الأقل في تطوير العلاقات الإسرائيلية مع المغرب، وتهدئة العلاقات مع الدول العربية الأخرى.

على مدار الأشهر الماضية كانت المغرب تشترط لاستمرار تطوير علاقاتها مع إسرائيل، اعتراف الحكومة الإسرائيلية بسيادتها على الصحراء الغربية، وقد كان لها ذلك، بعدما أعلن الديوان الملكي المغربي، أن الملك محمد السادس، تلقى رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعلن فيها اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها.

هذا الاعتراف سيكون بالتأكيد نقطة تحول في العلاقات الثنائية، خاصة وأن هذا الاعتراف قد يفتح الطريق أمام إسرائيل لفتح سفارتها رسميا في العاصمة المغربية الرباط، وبالتالي تطور أكثر في العلاقات الإسرائيلية المغربية.

مزيد من الانفتاح؟

كذلك فإن هذا التطور في العلاقات قد يكون مقدمة لمزيد من الانفتاح من قبل باقي الدول العربية على إسرائيل، وهو ما تسعى إليه تل أبيب في إطار اتفاقيات “إبراهام” لتقليل التوتر مع الدول العربية، خصوصا في ظل الصراع الإقليمي مع إيران في منطقة الشرق الأوسط.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد أن الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء “سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة”، على أن يتم إبلاغ الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، وجميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية بقرار الاعتراف.

الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء قد يمهد الطريق كذلك، إلى عقد قمة الدول الموقعة على اتفاقيات “أبراهام”، التي كان من المفترض أن يتم عقدها في المغرب هذا الصيف، وتم تأجيلها “لأسباب سياسية”، حيث ستحضر الدول الموقعة على الاتفاقيات وهي إسرائيل والمغرب ومصر والبحرين والإمارات إضافة للولايات المتحدة الأميركية.

الباحث في العلاقات الدولية هاني سليمان، رأى أن اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء له العديد من الدوافع السياسية والإقليمية، متوقعا أن يؤثر هذا الاعتراف على العديد من الملفات في المنطقة، أبرزها تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر خلال الفترة القادمة.

قد يهمك: هل تشهد غرب إفريقيا حربا جديدة بسبب “داعش”.. ما علاقة مالي وغينيا؟

سليمان قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء المغربية له العديد من الدوافع، أولا اسرائيل تريد تعميق ومزيد من تطبيع علاقاتها مع المغرب وزيادة العلاقات والارتقاء بها الى مستويات متقدمة، ثانيا إسرائيل تتطلع أن تلعب المغرب دور مهم جدا في الشمال الإفريقي والمغرب العربي، وأن تكون مساحة ومدخل لها المزيد من التطبيع مع الدول الإفريقية والعربية”.

تداعيات الاعتراف

التوجه الإسرائيلي نحو المغرب لتطوير العلاقات له أسباب عديدة، أبرزها ربما أن المغرب أقرب نسبيا على المستوى السياسي والدبلوماسي إلى تل أبيب من الجزائر، وهنا أوضح سليمان أن “اسرائيل اغتنمت الفرصة للتقرب من الجانب المغربي، الذي ربما قد يؤدي إلى أدوار فاعلة ومناسبة وتخدم المصالح الإسرائيلية، كدولة مطبعة مع تل أبيب ويمكن من شأنها أن تفتح مساحات دبلوماسية وسياسية واقتصادية مع المغرب”.

برأي سليمان فإن الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء، سيكون له العديد من التداعيات على عدة ملفات، منها تحرك ومزيد من الاحتقان السياسي والدبلوماسي بين المغرب والجزائر، خاصة في ظل استمرار دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو”، وزيادة الفجوة والهوة بين المغرب والجزائر مرة أخرى.

ما سبق، يعني غلق كافة القنوات الممكنة للتقارب المغربي الجزائري، والتي حاولت العديد من الدول فتحها خلال الفترة الماضية، لإنهاء العداوة بين الجارتين العربيتين، وهنا يحذر سليمان من بعض التداعيات السلبية من الاعتراف الإسرائيلي على منطقة شمال إفريقيا”.

كذلك فإن تطور العلاقات الإسرائيلية المغربية، سيؤدي بالضرورة إلى زيادة التعاون العسكري بين الجانبين، والذي كان قد بدأ قبل نحو شهر، عندما شارك  جنديا من قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي لأول مرة في مناورات “الأسد الأفريقي” العسكرية الكبرى، والتي تقام في دولة المغرب، ويتوقع أن تزيد وتيرة هذا التعاون خلال الفترة القادمة.

حول ذلك أردف سليمان “زيادة التعاون العسكري بين اسرائيل والمغرب ربما يؤمن بعض المصالح والأهداف للجانب المغربي، وسيخلق كذلك أوضاع ومزايا إسرائيلية وسيخلق مساحات نفوذ جديدة لإسرائيل، ويوسع من تأثيرها في المحيط العربي والشمال الإفريقي، وانا أرى ان ذلك سيكون له مردود ليس جيد على المدى الطويل، لكن لكل دولة الحق في رسم سياساتها وتحقيق أهدافها والخوض في تحالفات”.

إسرائيل تستفيد من استمرار النزاع حول الصحراء الغربية سياسيا واقتصاديا، باعتبار الاعتراف وسيلة عقاب ربما ضد الجزائر، بسبب موقفها ضد إسرائيل وتمسكها بضرورة حل القضية الفلسطينية، وإقامة علاقات مع “تنظيمات المقاومة”، فضلا عن أن استمرار النزاع يمنح إسرائيل فرصة لعقد المزيد من صفقات الأسلحة مع المغرب.

بحسب تقرير “لو كورييه إنترناشيونال“، فإن قضية اعتراف إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء، تعود إلى اتفاق كانون الأول/ديسمبر من عام 2020، الذي توصلت إليه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسمح بإقامة علاقات قوية بين المغرب وإسرائيل.

في ظل موافقة تل أبيب على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، يُتوقع أن تطالب بتسريع فتح الرباط سفارة لها في تل أبيب، إذ لا يزال التمثيل الدبلوماسي للمغرب في إسرائيل يقتصر على “مكتب ارتباط” في العاصمة الإسرائيلية.

أزمة الصحراء

أزمة الصحراء بالأصل أطرافها المغرب والجزائر، إذ تشهد العلاقات بين الجانبين، توترا منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.

التوتر زاد عندما أعلنت الجزائر في آب/أغسطس الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط متهمة إياها بارتكاب أعمال عدائية، منذ استقلال الجزائر في 1962.

مما زاد في توتر العلاقات بين الجانبين أيضا، عودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ضمن صفقة تضمنت اعترافا أميركيا بمغربية الصحراء وافتتاح الإمارات والبحرين لقنصليتين لهما لدى المغرب في الصحراء، إضافة لإقامة الرباط علاقات مع تل أبيب في مجالات عسكرية وأمنية.

الجزائر أوقفت تصدير الغاز إلى المغرب، وأغلقت أجواء البلاد أمام الطائرات المغربية في أيلول/سبتمبر من العام 2021.

يُشار إلى أن العلاقات العربية – الإسرائيلية، شهدت تطورات لافتة خلال السنوات القليلة الماضية، في ظل تقاطع المصالح الثنائية، خاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني، فعززت تل أبيب علاقاتها مع دول المنطقة، في إطار ما بات يُعرف بـ“الاتفاقيات الإبراهيمية“، التي سمحت بوجود علاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية أبرزها المغرب والإمارات العربية المتحدة.

يبدو أن العلاقات المغربية الإسرائيلية على أعتاب تطور لافت، وذلك نتيجة تقاطع المصالح الواضح بين الجانبين، وقد يمهد الاعتراف الإسرائيلي الأخير إلى مزيد من التطورات ليس أبرزها ربما فتح السفارة الإسرائيلي في العاصمة المغربية في أسرع وقت ممكن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات