جلسة مجلس الشعب السوري التي عقدت أمس الاثنين، والتي تعنونت تحت بند “مساءلة الحكومة”، تحولت إلى مادة سخرية وانتقادات من متخصصين لتصريحات رئيس مجلس الوزراء وتفسيرات للوضع الكارثي المنتظر.

سخرية السوريين، بدأت بالتساؤل عن طبيعة الوعود والخطط التي تُعلن ولم تتحقق، وعما إذا كانت تلك التصريحات مجرد أوهام تلاشت في غياهب الواقع. حيث تحوّلت جلسة مجلس الشعب المفترضة للاستجواب إلى مسرح لعرض الإنجازات الحكومية.

من دون شك، أصبحت الآمال بالفرج تبتعد بعيدا في عقل المواطن السوري، فالمواطن اليوم، بات كرة رياضية يتلاعب بها السياسيون ويتحكمون في مصيرها ومستقبلها. ويتم التلاعب بآماله وتوجهاته ويقدمون له وعودا تبدو وكأنها نور في زمن الظلام، ولكنها في النهاية تتبدد في الهواء كالسحابة الهاربة.

جلسة استثنائية محظورة من التغطية الإعلامية

معظم تعليقات السوريين قبيل الجلسة تمحورت حول أن الشعب لا يريد تخفيض سعر الذهب والدولار ولا أسعار الشقق والسيارات، ولا يريد الرقابة على أسعار دخول المطاعم والفنادق والمسابح؛ لأن تفكيره بتجربة من هذا النوع تكلّفه راتب شهر دون أن يأكل كيسا من البوشار.

جلسة مجلس الشعب السوري التي عقدت تحت بند "مساءلة الحكومة" - إنترنت
جلسة مجلس الشعب السوري التي عقدت تحت بند “مساءلة الحكومة” – إنترنت

بحسب التصريحات، فإن أعضاء من مجلس الشعب قاطعوا الجلسة الاستثنائية وخرجوا، لأن الجلسة التي حظر الإعلام من بثّها، بدت كمثيلاتها من الجلسات السابقة، ولم يتم التطرق لأي حديث يعود على الناس بالفائدة والنفع.

الشعب ومجلس الشعب والأعضاء الذين قيل إنهم انسحبوا من الجلسة؛ لأنها تحولت من جلسة لاستجواب بعض من أعضاء الحكومة لعدم نجاحهم في حل المشكلات المتزايدة أمام المواطن السوري، إلى جلسة لعرض الإنجازات الحكومية، والتي قد تكون حقيقية لكنها لم تنعكس إيجابا على المواطن الذي بات تحت خط الفقر بمسافات ضوئية.

قبيل الجلسة بأيام، ذكر عضو مجلس الشعب، ناصر الناصر، عبر إذاعة “أرابيسك” المحلية، أنه يجب على الحكومة أن تستقيل ويتم حجب الثقة عنها، علما أن أغلب أعضاء مجلس الشعب باتجاه واحد؛ ولذلك من المرجح أن يكون هناك حجب ثقة عن الحكومة بالإجماع خلال جلسة مجلس الشعب الاستثنائية.

بحسب الناصر، فإنه عندما استلَمت هذه الحكومة، كان الدولار يعادل 2000 ليرة سورية، أما اليوم تجاوز الـ 10 آلاف ليرة، إضافة إلى أنه ازداد الفساد والمحسوبيات والقرارات الارتجالية والترهل الاقتصادي. 

مجلس بلا ثقة

ما يثير الاستفهام والسخرية هو اتجاه المجلس والحكومة لتبرير الإنجازات الحكومية التي قد تكون حقيقية على المستوى السياسي، ولكنها لم تنجم عن أي تحسّنٍ يشعر به المواطن السوري في حياته اليومية. والفارق بين واقع المواطن والإنجازات الحكومية يصل إلى درجات مزعجة من الاختلاف.

تفرّّد الحكومة بالقرارات هو الذي أدى لهذا الإشكال الكبير الذي تعاني منه سوريا - إنترنت
تفرّّد الحكومة بالقرارات هو الذي أدى لهذا الإشكال الكبير الذي تعاني منه سوريا – إنترنت

معظم التعليقات التي انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت غير متفاجئة من نتائج الجلسة، خصوصا أن مجلس الشعب المؤسسة التشريعية في البلاد لا يوجد له دور  منذ تأسيسه، سوى على مصادقة القرارات الرئاسية والتشريعية.

“مجلس الكروش” بحسب وصف أحمد ونوس، جلس مستمعا لرئيس الحكومة، حسين عرنوس، ولم يمارس سلطته والرد على ما قاله عرنوس مبررا انخفاض سعر الليرة السورية.

عرنوس خلال جلسة المكاشفة السرية، ذكر أن حكومته أمام معادلة صعبة، هل تضبط سعر الصرف وتخسر الإنتاج أم تتبنى سياسة الإنتاج وتخفيف القيود عليه في مقابل ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية. 

بحسب المواطن سمير عصفورة، فكان رده “تبنوا سياسة الذل و الحرمان وسرقة أموال الشعب التي هي بالأساس النهج الوحيد لكم، مئات الملايين من الليرات والدولارات تصرف وتهدر للملذات الشخصية، أنتم تملكون البيوت والعقارات والسيارات وأرصدة في بنوك العالم، والمواطنين لا يملكون ثمن كسرة خبز”.

عرنوس الذي حمّل جميع سلبيات حكومته خلال السنوات السابقة للزلزال الذي ضرب البلاد في شباط/فبراير الفائت، ووصفه بأنه فرض أعباء جديدة على الدولة ومواردها القليلة رغم تلقي دمشق مساعدات دولية مستمرة حتى الشهر الحالي، طالبه بشار بدران بالاستقالة، حيث كتب “من لا يستطيع إيجاد الحلول لا يستحق البقاء في المكان الذي تصدر منه القرارات لتحديد مصير المواطنين”.

على عينك يا جائع

ثلة من الاقتصاديين سخّروا أقلامهم لقرع كلمات عرنوس بعد المكاشفة التي تحولت لعرض إنجازات، حيث ذكر المحامي عارف الشعال، أن كلام عرنوس حول بيروقراطية عمل المنصة المخصصة لتمويل الاستيراد تسببت بارتفاع كلفة الدولار بنحو 30 بالمئة، دليل دامغ على فساد حكومي.

الفارق بين واقع المواطن والإنجازات الحكومية يصل إلى درجات مزعجة من الاختلاف - إنترنت
الفارق بين واقع المواطن والإنجازات الحكومية يصل إلى درجات مزعجة من الاختلاف – إنترنت

فبحسب عرنوس، سُمح للمستوردين على أمل تخفيض هذه التكلفة بتمويلها من مصادرهم الذاتية، فذهب الكثير منهم إلى السوق غير النظامية للحصول على القطع الأجنبي لتمويل مستورداتهم، وهذا ما أسهم في ارتفاع سعر الصرف بمستويات غير مضبوطة.

أي أن رئيس الحكومة بحسب الشعال يعلم تماما أن المستوردين يشترون الدولار من السوق السوداء لتمويل مستورداتهم مما أدى لهذا الانخفاض الحاد بقيمة الليرة، وذكر أنه “كرجل قانون أقف مذهولا أمام تطبيق القانون الذي يعاقب بشدة على شراء الدولار من السوق السوداء على الشّقيعة وذوي الفعاليات الصغيرة، وغض النظر عن كبار التجار والمستوردين وهم يضربون بهذا القانون عرض الحائط”.

الخبير الاستراتيجي والاقتصادي، علاء الأصفري، يرى أنه كان يجب دفع عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي والحرفي لكن الحكومة كانت تكتفي بالمشاهدات الإعلامية والتصفيق والمؤتمرات حتى عند دعوتنا لورشات عمل كان الوزراء يقومون بإلقاء  خطابات تاريخية فقط.

الأصفري أفاد بأن تفرّّد الحكومة بالقرارات هو الذي أدى لهذا الإشكال الكبير الذي تعاني منه سوريا، مبينا أن هناك أمر لا ثاني له، وهو أن تُحجب الثقة عن الحكومة، ويتم تشكيل حكومة جديدة من أشخاص يفكرون خارج الصندوق يهمهم مصلحة البلد.

تفاصيل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه سوريا، والتداعيات السياسية والاجتماعية للأزمة الاقتصادية، في ظل تراكم المشاكل وتزايد الضغوط على الشعب السوري، يبدو أنها ليست ضمن خطط المؤسسة التشريعية في البلاد، لأن الهيئة التنفيذية تتفرد بالقرارات الفاشلة، وهذا يدل على ألّا انفراجة قادمة على سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات