وسط انهيار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي وما صاحب ذلك من ارتفاع في أسعار الأدوية في سوريا، يبدو أن حمى التلاعب بالأسعار قد امتدت إلى قطاع الأدوية وكأن الصيدليات أصبحت مثل سوق “الهال”، فالبعض يمتنعون عن البيع حتى يستقر سعر الصرف، بينما يبيع آخرون الأدوية حسب أهوائهم، مما يثبت أن حالة من الفوضى واللامسؤولية تجتاح قطاع الأدوية في سوريا، وسط غياب الرقابة والتموين.

مع كل قفزة في سعر الصرف ترتفع أسعار الأدوية تلقائيا، كما لو أن الأدوية أصبحت بالفعل عبارة عن بورصة تتعلق بتقلبات أسعار الصرف، وحجج الشركات المصنّعة دائما تتعلق بزيادة تكاليف الإنتاج من استيراد المواد الأولية إلى زيادة أسعار حوامل الطاقة من وقت لآخر.

الأدوية.. احتكار في الصيدليات

في هذا الصدد، قال تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، نُشر يوم أمس الأربعاء، إن الصيدليات ليست أسواق هال أو أسواق خضار وفواكه، بل مراكز لتقديم الأدوية للمرضى، وبالتالي لا ينبغي للصيدليات التلاعب بأسعار الأدوية. بينما يبرر أصحاب الصيدليات أن الأدوية تأتيهم بأسعار مرتفعة من معامل الأدوية، وكذلك ارتفاع تكلفة المعيشة مع كل ارتفاع في سعر الصرف، يعطيهم ذريعة لرفع أسعارها تباعا لذلك.

التلاعب بأسعار الأدوية-صحيفة “الوطن” المحلية

الصحيفة المحلية جالت على العديد من الصيدليات، فجلها كان مغلقا، وبعضها الآخر ما أن تسأل الصيدلي عن صنف واسم الدواء حتى يجيبك غير موجود.. مفقود، أي أنه لا يريد البيع بالسعر الحالي وينتظر التسعيرة الجديدة كي لا يتكبدون خسائر من جهة ولكي يحققوا أرباحا مضاعفة من جهة أخرى، وكأن  مهنة الصيدلة في سوريا تحولت إلى تجارة.

أما الصيدليات التي تبيع الأدوية، فإنها تبيع بسعر زائد خلافا للتسعيرة الرسمية، وتضيف الصحيفة المحلية “فقد حرصنا على شراء صنف من الدواء وهو، يوني نبيبليت، دواء الضغط، فبدلا من أن تبيعنا الصيدلانية عبوة كاملة بـ4800 ليرة فيها 30 حبة، باعتنا مغلفا واحدا بـ6000 ليرة الذي فيه عشر حبات فقط”.

بعملية حسابية بسيطة، فإن محتوى العبوة 3 مغلفات، ما يعني أن سعرها سيكون 1800 ألف ليرة، فلاحظوا معنا الفارق الكبير بين السعر الرسمي والسعر الذي تبيع الصيدلية. وتبرير الصيدلانية في هذا الأمر أنها لم تبيع العبوة كاملة بـ4800 ليرة أو 7000 ليرة، فمن مصلحتها أن تبيعها على ثلاث دفعات، بذريعة قد يأتي مريض آخر بحاجة لمغلف من نفس الدواء، ولكي يتم تزويد جميع المرضى بالأدوية قدر المستطاع يتم بيع العبوة على هذا الشكل.

كما أن هناك بعض الصيدليات التي تفقد بعض أنواع الأدوية، تحاول إقناع المرضى بوجود بديل لبعض الأدوية المقطوعة في السوق، ولكنها من شركة أخرى، من أجل بيع أكبر كمية من الأدوية لديهم، لكن بعض المرضى أكدوا أن بدائل الأدوية لا تكون مجدية دائما، لأنها ليست فعالة مثل الأدوية الأصلية، وفق مصادر محلية خاصة لموقع “الحل نت”.

المصادر المحلية ذاتها أكدت أن الأهالي يشكون من انقطاع العديد من الأصناف الدوائية في الصيدليات، فضلا عن تلاعب الكثيرين بالأسعار، وسط غياب أي دور للحكومة في كل هذه الفوضى، مشيرة إلى أن بعض المرضى الذين في أمس الحاجة إلى بعض الأدوية، إما يشترونها من السوق السوداء للأدوية بأسعار مضاعفة أو يتم تأمينها من مناطق أخرى لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية.

معامل الأدوية متوقفة

بمجرد أن تجاوز سعر الليرة السورية حاجز 10 آلاف أمام الدولار، ووصول الليرة وفق تداولات اليوم لأكثر من 12 ألفا، بدأت الأخبار تتداول أن المعنيين في “وزارة الصحة السورية” بدؤوا بدراسة زيادة أسعار الأدوية المصنّعة محليا، الأمر الذي لم يتم نفيه من قِبل نقابة الأطباء في سوريا، بل أكدت ذلك ونسبته لمنعه من الانقطاع عن السوق.

في هذا السياق، أضافت الصيدلانية للصحيفة المحلية أنهم ينتظرون تسعيرة “وزارة الصحة”، فمعامل الأدوية متوقفة عن العمل. بينما لم يجيب نقيب صيادلة محافظة حماة و”نقابة الصيادلة” السورية على تساؤلات الصحيفة المحلية بخصوص هذا الأمر.

نقيب الأطباء في سوريا الدكتور غسان فندي، قال في تصريحات صحفية قريبة، إن “وزارة الصحة” تدرس تعديل أسعار بعض أصناف الأدوية حتى لا يكون هناك انقطاع لهذه الأصناف من الأسواق، في الوقت الذي انقطعت بعض الأصناف ما قد يؤدي إلى أزمة دوائية خلال المرحلة المقبلة، حسبما أورده موقع “غلوبال نيوز” مؤخرا.

فندي برّر سبب رفع الأدوية لاحتواء تركيبتها على مواد مستوردة من الخارج، وأن الظروف الاقتصادية تطغى على سعر الصرف مما يؤثر سلبا على أسعار معظم المواد المستوردة. ومن الممكن أن تكون هناك زيادة بنسبة 40 بالمئة على بعض الأصناف، والبعض الآخر تكون الزيادة على أسعارها بنسبة 10 بالمئة، وفق توقّعات فندي حول الزيادة المحتملة على الأدوية.

رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة الدكتور حسن ديروان، قال أيضا إن الصحة تدرس رفع أسعار الأدوية بحيث لا يكون هناك إرهاق للمواطنين فيما يتعلّق تأمين هذه الأدوية وخصوصا بعد ارتفاع سعر الصرف أمام الليرة، وفق صحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا.

في المقابل، قال الأستاذ في كلية الصيدلة بجامعة دمشق لؤي العلان، “اليوم نشاهد بداية أزمة من خلال انقطاع بعض أصناف الأدوية”، مشيرا إلى أن تقنين بعض المعامل في بيع الأدوية للمستودعات يهدد بانقطاع وهمي للعديد من الأصناف وذلك حتى يحافظ المعمل على مخزونه وبالتالي لا تكون هناك أيّ خسارات كبيرة.

كلما تحدث أزمة في توفير بعض أنواع الأدوية في سوريا، يصاحب ذلك تسعيرة جديدة بعد توفره لاحقا، ودائما ما يتحجج أصحاب مصانع الأدوية أو يهددون إما بوقف تصنيع الدواء أو رفع سعره وفقا لمتغيرات سعر الصرف، فضلا عن ترك مساحة لأرباحهم، وطبعا “وزارة الصحة” لا تحرّك ساكنا حيال ذلك، وكالعادة الضريبة تُدفع من جيب المواطن الذي يعاني الأمرّين كل يوم في مواجهة ارتفاع الأسعار.

أيا كان لا يجوز إغلاق الصيدليات من دون سبب فقط لمجرد الامتناع عن البيع بذريعة لا يوجد دواء، ومن هو موجود يبيع الصنف الدوائي خارج إطار التسعيرة الرسمية، وعلى “وزارة الصحة” إصدار التسعيرة الدوائية الجديدة، حتى ينهي حالة التفلّت في الصيدليات.

ارتفاع أسعار الأدوية في سوريا شبه دوري وعلى فترات متقاربة، وذلك وفق تقلبات سعر الصرف الذي يستمر في الصعود بين الحين والآخر، فمنذ عام 2021 ارتفع سعر الأدوية بنسبة تصل إلى 500 بالمئة، أي بنحو خمسة أضعاف عن أسعارها السابقة.

سوق سوداء وبيع على البسطات

في سياق متّصل، ونتيجة أزمة الدواء المتكررة، ظهرت سوقٌ سوداء لها أسوة ببقية القطاعات الصناعية السورية. ويتوفر في الصيدليات بسوريا عموم أنواع الأدوية، ولكن يتم اخفاؤها بحجة نفاذها في الأسواق، ليُصار إلى بيعها بطرق التوائية للزبائن وبأسعار مضاعفة، مثلا يبلغ سعر المضاد الحيوي “أوغمانتين” حوالي 15 ألف ليرة سورية للعلبة الواحدة، وبالسعر الحر يُباع بأكثر من 27  ألف ليرة.

مع تواصل معاناة العديد من الأسر السورية من أجل تأمين حليب الأطفال للرضع، وذلك بعد فقدان أنواع عديدة منها في الصيدليات، وتراجع حاد في الكميات الموزعة على اختلاف أنواعها، بات خيار الأمهات الذهاب نحو السوق السوداء.

عدد من الصيادلة أكدوا لموقع “غلوبال” المحلي، يوم الثلاثاء الماضي، بأن حليب الأطفال للأعمار من شهر إلى السنة غير متوافر، مؤكدين عدم حصولهم على الحصص الأسبوعية المخصصة خلال الفترة الماضية.

إحدى الأمهات التي تروي معاناتها، أشارت إلى أن البعض يستطيع تأمين “لبن العصفور” على حد تعبيرها إذا كنت تملك المال، بمعنى أنه متوافر في السوق السوداء بأسعار خيالية.

من جهة أخرى، ونتيجة غلاء أسعارها، باتت الأدوية تُباع على البسطات في سوق يسمى “سوق الحرامية، إذ تبيع تلك البسطات أدوية مختلفة بطريقة عبثية وكأنها سلع عادية، فضلا عن أن مصدر تلك الأدوية غير معروف، أو إذا كانت منتهية الصلاحية أم لا، لكن الغريب أن الناس مهتمون بشراء هذه الأدوية، وربما لأن أسعارها المنخفضة تجذبهم، وسط الظروف المعيشية الصعبة.

هذا السوق لا يحكمه قانون حماية المستهلك بالرغم من غرابة الاسم وما يُعرض فيه للبيع هو من كلّ شيء تقريبا حتى لو كان متداعيا، والسوق كان قد تراجع خلال السنوات الماضية، ولكن مع تردي الأوضاع المعيشية عاد للانتعاش وبقوة.

ليس هذا فحسب، فمع استمرار ارتفاع أسعار الأدوية والكشفيات الطبية، ظاهرة جديدة بدأت بالانتشار في سوريا وهي صيدليات “الفيسبوك”، حيث انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي، مجموعات عديدة خاصة بتسويق بعض الأدوية والمكمّلات الغذائية المفقودة من الصيدليات، وسط تحذيرات رسمية حول خطورة التعامل مع هذه المجموعات التي تأتي بالمنتجات من مصادر غير معروفة.

كذلك، انتشرت مؤخرا ظاهرة الاستشارات الطبية على الإنترنت بسبب ارتفاع تكاليف الفحوصات الطبية، وكان لوسائل التواصل الاجتماعي خاصة منصة “فيسبوك” دور مهم باطلاع الناس على كل ما هو جديد وما يهمهم، ومن بين تلك الاهتمامات الناحية الطبية والصحية، وذلك لتفادي التكاليف المادية عند الذهاب لأحد العيادات الطبية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات