سوريا تُعتبر واحدة من الدول التي عانت العديد من الأزمات في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى ظهور الكثير من الظواهر السلبية، بما في ذلك انتشار السوق السوداء. فالسوق السوداء هي سوق غير رسمية تُباع فيها السلع والمنتجات بأسعار أعلى من السوق الرسمية، وذلك بسبب عدم خضوعها للضرائب والرسوم الحكومية.

عندما يتم ذكر “السوق السوداء”، قد يتبادر إلى الأذهان الأمور المحظورة والمشبوهة، ولكن في سوريا باتت هذه السوق الموازية لها أهمية كبيرة في حياة الناس وتأثير كبير على الاقتصاد والتجارة، إذ إن طبيعة تلك السلع الغريبة التي تحظى بشهرة في تلك الممرات المظلمة والخفية تجلب أنظار الجميع.

لا تعتبر عمليات البيع والشراء غير القانونية حدثا جديدا في دول العالم، إذ يعود تاريخها إلى فترات بعيدة وتاريخية تضم في جعبتها الحروب والنزاعات. ففي عهد الحرب العالمية الثانية، اضطر الناس لتقنين عرض البعض من السلع للمحافظة على استقرار الأسواق وضمان توفّر الضروريات. ولكن هذا لم يكن يعني نهاية تلك العمليات غير القانونية، بل على العكس، ازدهرت وازدادت تنوعا.

السوق السوداء تغزو سوريا

السوق السوداء في سوريا مؤخرا تُعد منصة للتجارة المظلمة والخفية عن أعين الحكومة، حيث تحظى بميزات تجذب التجار والمشترين على حدّ سواء. وتمتد رقعة هذا السوق الغامض على نطاق واسع، وتشمل السلع الغريبة التي قد لا تخطر على بال أحد. حيث تجد فيها كل شيء، بدءا من المنتجات المهرّبة والمحظورة، وصولا إلى السلع النادرة والمنتجات الفريدة التي تجذب الاهتمام.

سوريا تعتبر واحدة من الدول التي عانت من العديد من الأزمات في السنوات الأخيرة - إنترنت
سوريا تعتبر واحدة من الدول التي عانت من العديد من الأزمات في السنوات الأخيرة – إنترنت

الجدير بالذكر وفق حديث الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، أن السوق السوداء في سوريا لا يقتصر على منطقة محددة، بل هي ظاهرة منتشرة في جميع المحافظات السورية، هزت مؤخرا اقتصادات الدولة وأثّرت في حياة الناس. ففي بعض الأحيان، كانت السوق السوداء هي المصدر الوحيد للحصول على بعض السلع التي قد تكون نادرة أو غير متوفرة بشكل رسمي في الأسواق العادية.

بحسب تفسير الحمصي، فإن السوق السوداء ليست مجرد ظاهرة طارئة في سوريا، فهي ظاهرة عمرها طويل، ومستمرة منذ 2011 وحتى يومنا هذا. تنظر إليها الحكومات بنظرة محذرة وتحاول قدر المستطاع الحد من نشاطها، ولكنها تظل كما هي وتتجدد باستمرار.

طبقا لتعريف الحمصي، فهو سوق تُعرض فيه السلع ويتم به عمليات البيع والشراء بعيدا عن القوانين الضريبية والتجارية. وهو غير خاضع لرقابة السلطة وبالتالي، فإن كل شيء يُسمح ببيعه فيه.

الشعر البشري واللوز السام

بالعودة في الزمن وبتتبع مسار الأحداث فإنه منذ عام 2012، حينما اضطر الناس لمواجهة تحديات تقنين عرض البعض من السلع الضرورية، كانت هذه الفترة الحرجة حافلة بالإجراءات غير الاعتيادية للتعامل مع احتياجات الناس، ولعل من أبرز هذه الإجراءات كان توجه الناس نحو السوق السوداء بحثا عن مخرج لضيق ظروفهم. 

السوق السوداء في سوريا مؤخرا تعد منصة للتجارة المظلمة والخفية عن أعين الحكومة - إنترنت
السوق السوداء في سوريا مؤخرا تعد منصة للتجارة المظلمة والخفية عن أعين الحكومة – إنترنت

رغم شهرة مصطلح “السوق السوداء”، فإنه قليل من يعرف حقيقة معناه ونطاق أثره في حياة الناس والاقتصاد على حد سواء. 

إحدى أهم السلع التي تباع في الأسواق هو اللوز السام، إذ إن اللوز الذي يملأ الرفوف في المحلات التجارية ليس بالضرورة أن يكون طبيعيا كما يُدعى، فرغم أن الأكياس تكتب عليها عبارات مثل “لوز خام وطبيعي” إلا أن الحقيقة تختلف تماما. 

فاللوز الذي يجلبه الباعة في الأسواق غالبا ما يخضع لعمليات بسترة تهدف للتخلص من مواد سامة قاتلة مثل السيانيد، ومن هذا المنطلق، يجد البعض نفسه يلجأ إلى السوق السوداء لشراء اللوز الخام غير المبستر لاستخدامه لأغراض مختلفة، فمن يتخيل أن اللوز قد يكون سلاحا.

أما بيع الشعر البشري في السوق السوداء هي ظاهرة شائعة، فهو يُعد كنزا لبيعه لصالونات التجميل والمتاجر، فالأشخاص الذين يحصلون على الشعر البشري لبيعه في السوق السوداء لا يترددون في خطف الأطفال أو اقتحام صالونات الحلاقة لسرقة الشعر الحقيقي.

حليب الأطفال والسكر

لا تُعد السوق السوداء مكانا فقط لبيع الأسلحة والمخدرات، بل يختبئ في داخلها أسرار غريبة ولا تُصدق، إذ عند الحديث عن السوق السوداء، يتخيّل شحناتٍ من الممنوعات تمتدّ على مسافات طويلة وأناس يتلاعبون بقوانين الدولة بإجراءات غير قانونية. ولكن العديد من الأصناف التي تُستخدم يوميا في المنازل تباع هناك.

لا تعتبر عمليات البيع والشراء غير القانونية حدثا جديدا في سوريا - إنترنت
لا تعتبر عمليات البيع والشراء غير القانونية حدثا جديدا في سوريا – إنترنت

في سوريا يُباع السكر في السوق السوداء لأنه من الصعب الحصول عليه في البلد بسبب الأزمة الاقتصادية وعزوف التجار عن الاستيراد. كما تفرض الحكومة غرامات كبيرة على بيع السكر، مما يجعله سلعة باهظة الثمن. ولذلك يلجأ بعض الناس إلى السوق السوداء لشراء السكر لأنهم لا يستطيعون تحمّل سعره في السوق الرسمية.

مع تواصل معاناة العديد من الأسر السورية من أجل تأمين حليب الأطفال للرضع، وذلك بعد فقدان أنواع عديدة منها في الصيدليات، وتراجع حاد في الكميات الموزعة على اختلاف أنواعها، بات خيار الأمهات الذهاب نحو السوق السوداء.

عدد من الصيادلة أكدوا لموقع “غلوبال” المحلي، أمس الثلاثاء، بأن حليب الأطفال للأعمار من شهر إلى السنة غير متوافر، مؤكدين عدم حصولهم على الحصص الأسبوعية المخصصة خلال الفترة الماضية.

إحدى الأمهات التي تروي معاناتها، أشارت إلى أن البعض يستطيع تأمين “لبن العصفور” على حد تعبيرها إذا كنت تملك المال، بمعنى أنه متوافر في السوق السوداء بأسعار خيالية.

وفقا لتحليل الاقتصادي، ماجد الحمصي، فإن “السوق السوداء”، كما يفضل أن يطلق عليها البعض، تسيطر تقليديا على المشهد السوري، و”نرى أن الأفراد غالبا ما يختارون أقصر الطرق، حتى وإن كان ذلك ينطوي على الانخراط في قضايا أخرى، لأن هذه الظواهر تنمو مع تزايد الصعوبة، والتعقيد المطلوبين للمشاركة في الاقتصاد الرسمي”.

التقارير غير الرسمية تفيد باستفحال السوق السوداء في سوريا، لتبلغ نحو 90 بالمئة من الاقتصاد، في حين تبلغ النسبة رسميا أكثر من 40 بالمئة، ومع ارتفاع الأسعار وندرة المواد الغذائية في الأسواق السورية، ظهرت خلال الأيام الماضية سوق سوداء لبعض المواد الأساسية مثل السكر والزيت وغيرها، ومع كل فقدان للمادة يضطر الأهالي للاتجاه للسوق السوداء للحصول على المواد بأسعار مرتفعة ومخالفة، وذلك تزامنا مع تقييد حكومة دمشق لعمليات استيراد هذه المواد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات