عدة تقارير حديثة تشير إلى أن الاقتصاد الصيني يواجه بالفعل العديد من المشاكل والتحديات، بالإضافة إلى انخفاض التوقعات بشأن نمو الاقتصاد الصيني هذا العام بسبب جملة من العوامل، من بينها ضعف ثقة المستهلك والصعوبات التي تواجه قطاع العقارات.

كما خفّض المحللون في البنوك الدولية الكبرى توقعاتهم للنمو الاقتصادي لعام 2023، بعد أن أظهرت بيانات أيار/مايو الماضي ضعف الطلب في الصين ومن الخارج، مما عزز الحجج التي تدعم الحاجة إلى مزيد من إجراءات التحفيز. ومن جانب آخر، تراجع الاستثمار في الأصول الثابتة خلال النصف الأول في الصين، وهو ما يؤثر على تعافي الاقتصاد الصيني الذي يفقد الزخم بالفعل.

بالتالي، أصبحت السياسة الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس الصيني شي جين بينغ، أقلّ إقناعا للشركات الغربية، الأمر الذي يجعل الصين أقل قوة مما يتصوره القادة الغربيون. وبدأت تنتشر فكرة بين الشعب الصيني، وبشكل متزايد بين المستشارين الاقتصاديين ومجالس إدارة الأعمال في أوروبا، عن أن مسيرة بكين نحو الهيمنة الاقتصادية العالمية تتعثر، وفق تقرير مجلة “بوليتيكو” الأميركية. من هنا لا بدّ من طرح بعض التساؤلات حول تداعيات كل ذلك على اقتصاد بكين، إلى جانب انعكاسات ذلك على سياسة بكين الخارجية ونفوذ الصين وأطماعها في منطقة الشرق الأوسط.

ضبابية المشهد الاقتصادي الصيني

بكين حققت نموا ضعيفا للناتج المحلي الإجمالي بعد أن تحررت متأخرة من قيود وباء “كورونا”، بينما يشهد سوق العقارات أزمة ملحوظة، وسجل إجمالي الناتج الداخلي للصين قبل عام أحد أسوأ أداء ربع سنوي “+0.4 بالمئة على أساس سنوي”، متأثرا بالإجراءات الاحترازية الصارمة التي أدت إلى إجراءات الإغلاق وتكرار إغلاق المصانع. وسمح رفع هذه الإجراءات في نهاية 2022 بإعادة تشغيل الاقتصاد في الربع الأول وتسجيل نمو بنسبة 4.5 بالمئة، وفق ما نقلته وكالة “فرانس برس“.

تراجع النمو الاقتصادي لبكين-“إنترنت”

الخبير الاقتصادي في معهد التمويل الدولي “آي آي إف” وهو جمعية تضم مصارف ومؤسسات مالية عالمية، يرى أن وتيرة النمو المرتفعة التي تدعي بكين فيه، “مصطنعة”، نظرا لأنه بالمقارنة تجري دائما مع الفترة نفسها من العام السابق أي مع الربع الثاني من 2022، الذي كان يعاني من تأثير القيود في العاصمة الاقتصادية شنغهاي. ويفترض أن تقدّم أرقام النمو من ربع إلى آخر التي ستعلن الاثنين أيضا، قراءة أكثر واقعية.

في غضون ذلك، يعيش رواد الأعمال من القطاع الخاص بشكل متزايد في خوف مما ستفعله الدولة لأعمالهم جراء المراقبة الحثيثة التي تتربص بهم من قبل السلطة المركزية، إضافة إلى تراجع مستوى الاستهلاك والإنفاق. ويقول تقرير “بوليتيكو” إن مخاطر حدوث أزمة اقتصادية كبرى في الصين، أو ربما على الأرجح ركود وشيك في النمو الاقتصادي، آخذة في الارتفاع.

يرى الخبير الاقتصادي الدولي الدكتور محمد أنيس، أنه من السابق لأوانه الحديث عن مسيرة بكين نحو الهيمنة الاقتصادية العالمية بالتعثر، مضيفا أنه يمكن قول ذلك عندما يتراجع استهلاك المنتجات الصينية في الدول الأجنبية. 

بالتالي فإن هذا رهن تغيير سياسة الصين الخارجية مع الدول الغربية والتخفف من مشاريعها العدائية للعديد من الدول المحيطة بها ولبعض الدول النامية والتي تشهد حروبا وأزمات.

أنيس، أضاف لموقع “الحل نت”، أن الاقتصاد الصيني بعد إزالة إجراءات “كورونا” لم يحقق النتائج المرجوة في نمو اقتصادها، لذا أظهر الربعان الأخيران نتائج محبطة لبكين من حيث معدل نمو اقتصادها.

الانعكاسات على اقتصاد الصين

في المقابل، سجّل ما يقرب من ثلث الأقاليم الصينية انكماشا في الاستثمار خلال النصف الأول من 2023، وهو الانخفاض الأكثر انتشارا في نفس الفترة منذ 2020، حيث خفّضت الحكومات والشركات المحلية التي تعاني من ضغوط مالية الإنفاق.

حيث شهدت بعض الأقاليم ذات معدلات الديون الأكثر ارتفاعا، مثل قوانغشي وتيانجين، أكبر انكماش في الاستثمارات بالأصول الثابتة خلال النصف الأول من العام، حسب تحليل “بلومبرغ” لتقارير نشرتها الحكومات المحلية.

في حديثه عن تداعيات تراجع الاستثمارات الأجنبية وتراجع الاستثمارات في الأصول الثابتة على الاقتصاد الصيني، يرى أنيس أن الصين تواجه مشاكل هيكلية جمّة في الوقت الحاضر، سواء كانت ديموغرافية أو اقتصادية أو غير ذلك، وأحد هذه المشاكل تكمن في قطاع العقارات.

كما أن مسألة ارتفاع معدل البطالة يمكن ربطها بالمشاكل الهيكلية، حيث أن معدلات الاستثمار الجديدة داخل الصين لا تلبي الاحتياجات الوطنية لخلق فرص عمل جديدة.

أنيس، استدرك تحليله بالقول، إن حجم الاستثمارات التي ذهبت إلى قطاع العقارات خلال العقود الماضية كانت أكبر بكثير من حجم الاستهلاك، وهذا يمثل خطوة خطيرة وكبيرة، أي أن هناك هدر للأصول من خلال حقيقة أن العقارات هو أكثر بكثير من احتياجات الاستهلاك، والإنفاق الذي تم على الاستثمار العقاري كانت نسبة كبيرة منهم مستدانة، وهنا يوجد مشترين متخلفين عن السداد وبالتالي سيؤثر ذلك على المشهد الاقتصادي الصيني ككل.

إضافة لقوانغشي وتيانجين، سجل إقليم جيانغشي أيضا انكماشا بأكثر من 10 بالمئة في الاستثمار خلال النصف الأول من العام، وانخفضت الاستثمارات بالأصول الثابتة في ستة أقاليم أخرى في النصف الأول، في حين سجلت ستة أقاليم أخرى نموا أبطأ من المعدل على مستوى البلاد البالغ 3.8 بالمئة. ارتفع الاستثمار في فوجيان فقط 1.8 بالمئة و1.4 بالمئة في تشونغتشينغ، طبقا للبيانات التي جمعتها “بلومبيرغ”.

لا تغيير في سياسات الصين

خبير الاقتصاد الدولي، يشير إلى أن كل ما ذكر آنفا سيؤثر بلا شك على النمو الاقتصادي الصيني، وعلى عدة مسارات؛ أولا بعد رفع الإجراءات الاحترازية ضد “كورونا” سيتعين على بكين الإعلان عن حزم تحفيز حكومية وهذا ليس حلا بل “إبر مسكنة”.

 الحزم التحفيزية تعني إنفاق حكومي استداني، وهنا لن تكون نسب الدين منخفضة في قطاعاتها الثلاثة. سواء كانت حكومية أو عائلية أو شركات، فهذه النسب الثلاثة مرتفعة وقريبة من النسب المئوية في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وبالنظر إلى أن نسب الديون في بعض القطاعات الصينية ارتفاع لأكثر من 120 بالمئة، التي نمت على مدى السنوات الـ 15 الماضية، فإن نسب الديون سترتفع، الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة في الفترة المقبلة على اقتصاد بكين، وفق تقدير أنيس.

هذا ويحذر المحللون من أن التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة وخطر الركود في الاقتصادات الرئيسية والتضخم العالمي، ستؤثر أيضا على الصادرات في الأشهر المقبلة. وهذا القطاع يُعتبر تاريخيا رافعة أساسية للنمو في الصين.

ليس من الواضح ما إذا كان الرئيس شي، سيُبدي وجها أكثر وديّا أم أن الأوقات الاقتصادية الصعبة ستشجع، بدلا من ذلك، متشددي “الحزب الشيوعي” الصيني الحاكم، على البحث عن بؤر للتوتر مع الولايات المتحدة أو أوروبا لتشتيت الرأي العام ودعم المشاعر القومية.

وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” عن المكتب السياسي قوله “بعض الشركات تواجه العديد من المخاطر، بالإضافة إلى بيئة خارجية قاتمة ومعقدة”، وفق ما نقله موقع “الحرة”، مؤخرا.

وسط كل ذلك، يبدو أن الحكومات الغربية تعيد تقييم نقاط ضعفها الاقتصادية بشكل جذري، حيث صدم الغزو الروسي لأوكرانيا حكومات الاتحاد الأوروبي ودفعها إلى مراجعة اعتمادها على سلاسل التوريد التي تسيطر عليها أنظمة يُحتمل أن تكون غير صديقة.

القادة الغربيون مثل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس الأميركي جو بايدن، يتحدثون بشكل متكرر حول ضرورة إزالة المخاطر الاقتصادية للصين.

قد يتخذ العديد من الدول الأوروبية إجراءات تحد من التعامل مع الاقتصاد الصيني، فمثلا تستعد رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، للانسحاب من اتفاق وقعت روما بموجبه لتكون جزءا من خطة شي، العالمية للبنية التحتية.

بالعودة إلى الخبير الاقتصادي محمد أنيس، يعتقد أنه لن يكون هناك تغيير حاد في السياسة الاستراتيجية والاقتصادية في الصين تحت قيادة شي جين بينغ، لأن ما يحدث الآن هو مشروعه السياسي والأيديولوجي والحضاري للصين، وعلى العكس من ذلك، سيكمل مسار التصادم هذا حتى النهاية، وحتى في الأبعاد الاستراتيجية مع تايوان والفلبين وخط القطاعات التسعة وبناء جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليها.

لذلك، فإن أي صدام صيني غربي سيؤدي لانهيار اقتصاد بكين، نظرا لأن الغرب سيسحبون كل رأس المال الذي يشكل 50 بالمئة من الناتج القومي الصيني، وبالتالي سيتقلص نفوذ وحضور الصين ومشاريعه التوسعية في المنطقة ولا سيما الدول النامية، ورغبة بكين في جعل نفسها كقوة دولية عظمى شاملة مثل الولايات المتحدة، صعب التحقيق مع كل هذه المعطيات والمؤشرات التي لا تبشر بالخير لبكين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات