في عصر تتسارع فيه وتيرة التغييرات وتتعاظم تحديات المجتمع، تبرز ظواهر جديدة تُلقي بظلالها على الحياة والعلاقات الاجتماعية. ومن بين هذه الظواهر الغريبة والمثيرة للجدل التي تلفت الأنظار، ظاهرة زواج بشروط غريبة تجتاح المجتمع السوري، مثيرة جدلا واسعا وتساؤلات حول تأثيرها وأبعادها المجتمعية.

هذه الظاهرة الجديدة تمثّل تحولا ملموسا في نمط الزواج والأسرة، حيث يختار بعض الأزواج عدم إنجاب الأطفال بشكل متعمّد، وذلك بسبب مختلف الأسباب التي يبرّرونها بدورهم. وتبرز هذه الظاهرة أمام السوريين كواحدة من الاستجابات للتحديات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، حيث يروّج البعض لفكرة عدم تحميل الأجيال الجديدة أعباء تلك المشكلات.

انتشار الزواج بدون إنجاب في سوريا

“نتجوّز آه.. نخلف لأ”، هو أحد الشروط الذي بات يتداول حين يتقدم الشباب إلى الفتيات في سوريا، وهي ظاهرة جديدة انتشرت ولاقت إعجاب بعض السوريين بدعوى عدم إنجاب أطفال يشقون مثل شقاء الآباء.

على الرغم من مزاعم بعض الأفراد بأنهم يتجنبون إنجاب الأطفال لأسباب مجتمعة وليس أنانية، إلا أن البعض يرى هذه الظاهرة تعكس عدم الرغبة في تحمّل تكاليف ومسؤوليات تربية وتنشئة الأطفال في عالم يتّسم بالتعقيدات الاقتصادية والاجتماعية. 

وراء هذا القرار تكمن مخاوف من عدم القدرة على تقديم الرعاية اللازمة وتوفير الاستقرار للأبناء في ظل تحديات معاصرة قد تؤثر على مستقبلهم، حيث لا تشجع الظروف الاقتصادية في سوريا على تكوين أسرة. مستدلّين بكلام الرئيس السوري بشار الأسد الأخير.

في حديث لـ”الحل نت”، مع جمال إسماعيل، الذي تزوج مؤخرا في درعا وفق هذا الشرط، أشار إلى ما تحدّث به الأسد في مقابلته مع قناة “سكاي نيوز”، حيث ذكر أن سوريا من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس ولا صحة للعلاج، وهذه أساسيات الحياة.

“أجنبي أو عايش برى”

ليس عدم الإنجاب هو الشرط الذي بات متداولا لدى المقبِلين على الزواج، بل برزت ظاهرة جديدة لدى العائلات داخل سوريا وحتى الفتيات المقبلات على الزواج.

مع تجاوز تكاليف الزواج في سوريا أكثر من 100 مليون ليرة سورية، بينما لا يزيد متوسط الدخل الشهري عن 150 ألف ليرة سورية، إلا أن نسبة العنوسة في البلاد التي تقترب من 70 بالمئة، بحسب بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية، لم تكن عائقا لدى بعض الفتيات في رفض شبّان داخل سوريا، مفضلات الارتباط بأجنبي أو سوري يعيش خارج البلاد.

ففي ظل الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تعاني منها سوريا منذ 13 سنة، اختلفت مفاهيم وشروط الزواج لدى الفتيات السوريات، فبعضهن يبحثن عن زوج يكون أجنبي أو يعيش خارج سوريا، في حين تفضل بعضهنّ البقاء عزباء أو تأجيل الزواج إلى أجل غير مسمى.

هناك عدة أسباب تدفع الفتيات السوريات إلى طلب زوج أجنبي أو خارجي، بحسب حديث إحداهن لـ”الحل نت”، إذ توضح ولاء أبازيد، أن أهم تلك الأسباب هو الهروب من الظروف المعيشية الصعبة، إذ تعاني سوريا من انهيار اقتصادي وانخفاض قيمة العملة وارتفاع مستوى التضخم والفقر والبطالة، مما يؤثر سلبا على قدرة الشباب على تأمين حياة كريمة لأسرهم. 

لذلك، ترى أبازيد وبعض الفتيات أن الزواج من شخص يعمل في دولة أخرى أو يحمل جنسية أخرى هو فرصة للخروج من هذه المشكلات والحصول على حياة أفضل.

فضلا عن أن هذا الخيار يعزز من حصولهنّ  على الحقوق والحريات، حيث تعاني النساء في سوريا من قمع وتمييز وعنف، بالإضافة إلى التقاليد والعادات التي تحدّ من حرية اختيارهنّ وحركتهنّ وتطورهنّ. لذلك، ترغب بعض الفتيات في الزواج من شخص يحترم حقوقهنّ وحرياتهنّ ويرى فيهنّ شركاء متساوين، ولا يقبل بأية تدخلات من قبل الأُسرة أو المجتمع.

علاوة على ذلك، ليس كل زواج من أجنبي يناسب اختيار الفتيات السوريات بحسب أبازيد، فهناك بعض الشروط التي يجب أن تتوفر في الزوج المرغوب، منها الدين والثقافة والتعليم والشخصية والسلوك، في حين أن بعضهنّ لا يرين أن هذه الشروط مهمة طالما كان يعيش خارج سوريا.

ما هي الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظاهرة؟

ظاهرة الزواج بشرط بدون إنجاب هي ظاهرة تتعلق بالأشخاص الذين يقبلون أو يطلبون الزواج مع شرط عدم إنجاب الأطفال، بحسب حديث الباحث الاجتماعي، أحمد الزعبي، سواء لأسباب فلسفية أو اقتصادية أو صحية أو شخصية. هذه الظاهرة ليست جديدة، ولكنها أصبحت أكثر انتشارا في السنوات الأخيرة.

أسباب الزواج بشروط جديدة وغير متعارف عليها في المجتمع السوري، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات طبقا لحديث الزعبي لـ”الحل نت”، أولها، الأسباب الفلسفية التي تستند إلى مبادئ أو معتقدات أو رؤى محلية ترفض الإنجاب كقيمة أو هدف من أهداف الحياة، مثل فلسفة اللا إنجابية التي تعتبر الإنجاب جريمة ضد الإنسانية، لأنها تعرّض الأطفال للمعاناة والظلم والموت، أو فلسفة المستقبلية التي تروج للحدّ من التكاثر لصالح التطور التكنولوجي والعلمي.

أما الأسباب الاقتصادية، هي تلك التي ترتبط بالظروف المادية أو المهنية للزوجين، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة والتعليم والصحة، أو قلة فرص العمل والدخل، أو رغبة الزوجين في التركيز على حياتهما العملية والمهنية والشخصية دون قيود أو مسؤوليات.

في حين أن الأسباب الصحية وهي مستبعدة في الظاهرة الأخيرة، تتعلق بالحالة الصحية لأحد أو كلا الزوجين، مثل وجود مشاكل في الخصوبة أو في التكاثر، أو وجود أمراض وراثية أو مزمنة أو خطيرة، أو خشية من المضاعفات والمخاطر التي قد تصاحب الحمل أو الولادة.

أيضا أشكال الزواج بشرط بدون إنجاب أو الزواج بأجنبي أو سوري يعيش خارج البلاد تختلف حسب طبيعة وشروط كل علاقة زوجية، ولكن بشكل عام، هو إما زواج المؤقت ينتهي بمجرد وصول الزوجة إلى خارج البلد للحصول على تأشيرة أو جنسية.

في الحالة الأخرى يكون الزواج المفتوح بشرط ألّا يتضمن إنجاب الأطفال لأن نهايته انفصال. والزواج المستقر، هو زواج يتم بين الزوجين بشرط أن يكونا مخلصَين ومحبَين ومتفاهمَين، ولكن دون رغبة في إنجاب الأطفال، سواء لأسباب فلسفية أو اقتصادية أو صحية.

آثار الزواج بشرط بدون إنجاب مختلفة لكن غالبا بحسب الزعبي، ما تؤثر سلبا على صحة وسلامة الزوجين، مثل ندم أحدهما على قرار عدم الإنجاب في مرحلة متأخرة من حياته، أو شعور بالفراغ أو الانحراف أو التشاؤم في ظل غياب الأطفال، أو مشكلات نفسية أو جسدية.

من الواضح أن الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء البلاد ينعكس سلبا على جوانب مختلفة من الحياة، وحول مفهوم الأُسرة والزواج في سوريا، مما يدفع الشباب اليوم إلى التفكير مليا في قرار الزواج وتكوين أسرة، خاصة وأن العقبات كثيرة وتزداد يوما بعد يوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات