بعد أكثر من 10 أشهر على توقيع الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بشكل رسمي على وقع خلاف متجذر بين الجانبين حول نقطة بحرية غنية بالنفط في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا، أعلن لبنان أمس الأربعاء، وصول باخرة التنقيب عن النفط والغاز “ترانس أوشن بارنتس” إلى منطقة الامتياز رقم 9 الواقعة قبالة السواحل اللبنانية، وذلك لبدء أنشطة تنقيب.

وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية، كتب على منصة “أكس” (تويتر سابقا)، “للعلم اليوم الأربعاء 2023/8/16 صباحا باخرة التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9، قد وصلت إلى نقطة الحفر المحددة لها”، وتزامن ذلك مع وصول منصة حفر إلى الرقعة رقم 9، استعدادا لبدء حفر بئر استكشافية أواخر الشهر الحالي.

المسؤول اللبناني، أشار أيضا إلى أن “هذا الموضوع بالنسبة لكل الحكومة اللبنانية، وللشعب اللبناني، هو موضوع مصيري، وإن شاء الله قبل نهاية العام الجاري تكون النتائج إيجابية ويصبح لبنان بلد نفطي، وهذه تكون بارقة أمل للشعب اللبناني”، وذلك بينما كانت شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية التي تقود التحالف المسؤول عن عقود للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين 4 و9 في المياه اللبنانية، قد أعلنت وصول منصة حفر إلى لبنان، لبدء أعمال تنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحله.

لبنان يبدأ صفحة جديدة

الإعلان عن وصول منصة الحفر إلى منطقة الرقعة رقم تسعة، تزامن مع وصول أول طائرة هليكوبتر إلى مطار بيروت، تابعة لشركة “غولف” للمروحيات، والتي تعاقدت معها “توتال” لنقل الفرق إلى منصة الحفر، وهو ما يؤشر على تحركاتٍ سريعة وفعالة بشأن عملية التنقيب.

لبنان يعلن وصول باخرة التنقيب عن النفط والغاز للرقعة 9/ إنترنت + وكالات

وصول الآليتين، وفق بيان لـ “توتال”، يشكل خطوة مهمة في التحضير لحفر البئر الاستكشافية في الرقعة رقم 9، الذي سيبدأ في أواخر شهر آب/أغسطس الجاري، حيث أشار وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فياض، إلى أن “صفحة جديدة تبدأ اليوم. عندما يجهز الطاقم والأمور اللوجستية، في غضون أيام سيبدأ الحفر إن شاء الله”، مضيفا “نحن على موعد، بعد شهرين أو ثلاثة أشهر، لنعرف نتيجة الحفر”.

الرقعة رقم 9، هي جزء من المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل، وواحدة من الرُّقع المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر، والتي قسّمتها بيروت إلى عشر رقع، وتحتوي هذه الرقعة على “حقل قانا” الذي يسمى أيضا بـ “حقل صيدا”، ويقود الحفر في منطقة الامتياز هذه التي تحمل شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية، ويشمل شركة الطاقة الإيطالية العملاقة “إيني” وشركة “قطر للطاقة” الحكومية.

في شباط/فبراير 2018، وقّعت لبنان عقدا مع ائتلاف شركات نفطية بقيادة “توتال إنرجيز” الذي يضم شركتي الطاقة الإيطالية العملاقة “إيني” و”قطر للطاقة”، وهذه الأخيرة كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد أعلن في كانون الثاني/يناير الماضي، دخولها شريكا مع “توتال” و”إيني” ضمن اتفاقية استكشاف وإنتاج الغاز بالمياه الإقليمية اللبنانية.

غير أنه لا يزال غير واضح ما إذا كان ذلك سيمكّن لبنان من التحول بهذه السرعة إلى بلد نفطي أم لا يزال الوقت مبكرا للحكم، بخاصة وأن ذلك سيمثل نقطة تحول للاقتصاد اللبناني، لاسيما وأن حصة لبنان من الغاز الطبيعي الذي يحتضنه هذا الجزء من البحر المتوسط تقدر بحوالي 96 تريليون قدم مكعب، وهذه ثروة يمكن أن تساعد لبنان على خفض حجم دينه العام الذي بلغ حتى نهاية 2017 نحو 77 مليار دولار، وهو أحد أعلى معدلات الدين العام في العالم.

تعليقا على ذلك، يقول الخبير الاقتصاد اللبناني بلال علامة، إنه من المبكر جدا الحديث عن تحوّل لبنان إلى بلد نفطي، خصوصا وأنه لا يعوّل على الاستكشاف حتى الآن طالما لم تصدر النتائج التي تُظهر بوضوح وجود كميات كافية من الغاز والنفط، لكي تصبح العملية تجارية تدرّ عائدات مالية كبيرة تمكّن لبنان من التحول إلى بلد نفطي.

سلطة “حزب الله” والقوى السياسية خطر يهدد استكشاف لبنان

علامة وفي حديث لموقع “الحل نت”، أضاف، أنه بعيدا عن كل التحليلات والمهاترات السياسية التي رافقت عملية الاستكشاف، أعتقد أن هناك كميات جيدة في الحقول، وهو ما يُظهر جليا من خلال مرحلة إجراء المسح ثلاثي الأبعاد للسواحل اللبنانية، ولولا وجود هذه الكميات لما دخلت الشركات النفطية لعملية التنقيب.

منصة للتنقيب عن النفط والغاز/ إنترنت + وكالات

غير أنه وبعيدا عن الآراء التي تؤكد وجود كميات تجارية في هذه الحقول، إلا أن ما يجري في لبنان بشأن عملية الاستكشاف أمر معيب لما يمثله من استثمار سياسي لهذه العملية، خصوصا وأن كل الشركات والدول التي لديها مخزون نفطي وغازي تبدأ بالأول بعملية وتتدرج فيها وصولا إلى التنقيب من دون الإعلان عن ذلك إلا بعد استخراج كميات قابلة للبيع، بحسب علامة.

لكن في لبنان الطبقة السياسية بحاجة دائما لجرعات أوكسجين تمدد من حياتها في ضوء الحالة المزرية التي تضرب البلاد من انهيار وتدهور وسوء إدارة وهدر للأموال، فالطبقة السياسية اللبنانية تستعرض من خلال هذه العملية ضخ قليلٍ من الأمل، بخاصة الجهات التي تدير هذه العملية، بحيث أنه يستطيع تجدد أو تمديد تسلطه على القرار السياسي والإداري في البلاد.

خبير الاقتصاد اللبناني، أردف، أنه في حال ظهور كميات جيدة وبدأت عملية الاستخراج، فإن لبنان ستكون بحاجة إلى خمس سنوات بالحد الأدنى وبوتيرة عمل مستمرة لتتمكن من بيع الكميات المستخرجة، وذلك بالإضافة إلى أن هنالك مراحل أخرى فيها من المعوقات التي تتطلب حلها مثلا على مستوى الغاز الذي إذا ما تم استخراجه فإنه يحتاج لمحطة تدوير ليتم تحويله إلى سائل ومن ثم تصديره، في حين أن كل هذه العملية غير واضحة بعد في لبنان.

وسط ذلك، لفت علامة إلى أنه في ظل الواقع السياسي القائم لابد ولا غنى من أن تكون هذه العملية خارج نطاق الأحزاب والقوى السياسية القائمة، ذلك لأنه إذا وضع النفط والغاز تحت سيطرتهم فسيتحول إلى مصدر لديمومتهم فوق المصلحة الوطنية، مؤكدا أن ذلك يشمل كل القوى بدون استثناء ومنها القوى التي تخضع لعقوبات وحصار دولي ومنها “حزب الله “الذي يندمج في الحياة السياسية اللبنانية ضمن منظومة العمل القائمة بكل تشعباتها.

 فـ “حزب الله” بحسب علامة، يبدو واضحا أنه يريد للحكم بلبنان والسلطة السياسية أن تكون بهذا الشكل الحالي، وبالتالي هو يستفيد من أمور كثيرة، ولاحقا من استخراج الغاز والنفط ومن الإيرادات التي يمكن أن تحققها لبنان، بالتالي أن الحل المنطقي لإدارة عملية الاستكشاف بالشكل المنطقي يتطلب الوصول لمرحلة تكون فيها لبنان قد تغيرت فيها القوى السياسية وتعود الحياة السياسية إلى أيد أمينة ممثلة بأشخاص بعيدين كل البعد عن الاستثمار السياسي والمصالح الفئوية على حساب المصلحة الوطنية.

لبنان تتطلع لثروات كبيرة تنقذ واقعه المأساوي

إذ يجب أن تنتقل زمام الأمور في لبنان إلى أشخاص يمتلكون تاريخ وتجارب عمل تثبت أنهم أهلا للمسؤولية ليؤتمنوا على هذه الثروة، خصوصا وأن هذه الثروة إذا ما ثبت وجودها، فهي ملك الشعب اللبناني وملك الأجيال القادمة لذا يجب إدارتها بكل شفافية ووضوح بعيدا عن المصالح العنصرية والطائفية والفئوية والمناطقية ولحساب المصلحة الوطنية العليا.

طائرة الهليكوبتر المخصصة لنقل فرق العمل لمنصة استكشاف النفط والغاز في الرقة رقم 9 بلنان/ إنترنت + وكالات

إلى ذلك، من المفترض حسبما سبق أن أعلنته “توتال”، يتعين أن تنتهي عملية التنقيب التي لن تكون سهلة وبتكلفة تُقدر بنحو مئة مليون دولار، قبل نهاية العام الحالي، فيما تعوّل السلطات اللبنانية على وجود ثروات طبيعية تساعدها على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات، والذي صنّفه “البنك الدولي” من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.

الرقعة رقم 9 تتمثل في المنطقة على شكل مثلث تصل مساحتها إلى 860 كيلومترا مربعا، وتقع على امتداد ثلاثة من المجمعات البحرية العشرة في لبنان، ويعود تاريخها إلى عام 2009 حين اكتشفت شركة “نوبل للطاقة” الأميركية، كمية من احتياطي النفط والغاز في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.

كما أنها تعد جزءا من المساحة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل والتي قسمت إلى عشر مناطق أو مجمعات، ويمثل المجمع 9 إحدى تلك المناطق، مع العلم أن مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية يقدر بحوالي 22 ألف كيلومتر مربع، وتشكل البلوكات 8 و9 و10 نقطة خلاف مع إسرائيل، وتزعم هذه الأخيرة أن البلوك 8 جنوبا تبلغ مساحته 1400 متر مربع، وبعمق يتراوح بين 1672 و2062 مترا تحت سطح البحر جنوبا، وتزعم أنه يقع أيضا داخل حدودها.

فالخلاف بين تل أبيب وبيروت، بدأ عندما وقّعت إسرائيل في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2011 اتفاقية مع قبرص لتعيين الحدود بينهما، وقامت بموجبها بقضم مساحة مائية تقدر بـ 860 كيلومترا مربعا من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، التي تحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز. 

الأجدر ذكره، إن حالة التفاؤل ببدء لبنان عملية التنقيب، تأتي بينما لا تزال البلاد حاليا تحت إدارة حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، خصوصا تنفيذ إصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطا لتقديم مساعدات الى لبنان، في ظل فشل “البرلمان” في انتخاب رئيس للجمهورية منذ شغور المنصب نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات