لا يزال موقف تركيا من إعادة استئناف صادرات النفط العراقي من إقليم كردستان عبر “ميناء جيهان” التركي، غامضا حتى الآن، رغم توقفه منذ حوالي 5 أشهر، عقب إصدار هيئة تحكيم دولية حكما ببطلان تصدير إقليم كردستان النفط دون موافقة من بغداد، وذلك بينما تزال خسائر العراق مستمرة جراء ذلك، لتصل إلى مليارات الدولارات، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول تعطل بغداد عن إيجاد خط نقل بديل، يمكن أن يعوّض العراق خسائره، ويحرم تركيا مكاسب كبيرة.

فطيلة الفترة الماضية، بحث العراق مع تركيا إمكانية إعادة استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان، أخرها كانت زيارة وزير النفط العراقي الأحد الماضي لأنقرة، ولقائه نظيره التركي، إلا أن الزيارة وبحسب المعلومات التي خرجت عن الجانب العراقي، بأنها لم تسفر عن التوصل لاتفاق واضح، رغم أن الطرفين اتفقا على عقد المزيد من المحادثات في المستقبل، حسبما ما أفادت وكالة “رويترز”.

ذلك بينما تقترب خسائر إقليم كردستان العراق من وقف تصدير النفط من 5 مليارات دولار، حيث أوقفت تركيا تدفقات النفط في 25 آذار/مارس الماضي، بعد أن أمرت هيئة تحكيم تابعة لـ “غرفة التجارة الدولية” أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار تقريبا عن الأضرار الناجمة عن تصدير حكومة إقليم كردستان النفط بشكل غير قانوني بين عامي 2014 و2018.

لماذا لا تدعم تركيا رغبة العراق بالتوصل لاتفاق حول تصدير النفط

على هذا الأساس، خسر العراق مكاسب صادراته عبر تركيا البالغة 450 ألف برميل يوميا عبر خط أنابيب العراق تركيا الشمالي، نتيجة لرفع العراق دعوى أمام هيئة التحكيم التابعة لـ “غرفة التجارة الدولية” في العاصمة الفرنسية باريس عام 2014، وكانت تتعلق بدور تركيا في تسهيل صادرات النفط من كردستان العراق دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.

منذ قرار تركيا بوقف الصادرات، سعت بغداد للتوصل لاتفاق ضامن مع أنقرة غير أنه على ما يبدو لا يزال القرار التركي غير محسوم، فحسب “رويترز”، إن وزارة الطاقة التركية أبلغت شركة تسويق النفط العراقية المملوكة للدولة “سومو” الشهر الماضي، بأنها بحاجة إلى مزيد من الوقت للتحقق من الجدوى الفنية لاستئناف الضخ عبر خط الأنابيب الواصل لـ “ميناء جيهان”.

علاوة على ذلك، فإنه بحسب مسؤول بوزارة النفط العراقية مطّلع على عمليات تصدير النفط من شمال البلاد، تحدث لوكالة “رويترز”، ونقلت عنه، فإن وزارة الطاقة التركية أبلغت “سومو” بأنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لفحص وتقييم خط الأنابيب وخزانات النفط الخام في “جيهان” للتأكد من عدم تضررها بسبب الهزة الأرضية التي ضربت تركيا.

تركيا بحسب المعلومات المتداولة، تريد التفاوض على حجم التعويضات التي أمرت هيئة التحكيم أنقرة بدفعها، كما تطلب توضيحا بشأن قضايا التحكيم المنظورة الأخرى، وهو الأمر الذي يبدو بسببه لم ينتج أي اتفاق بين الجانبين، خلال زيارة وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، والتي تهدف إلى التوصل إلى أرضية مشتركة مع تركيا للاتفاق على موعد واضح لاستئناف صادرات النفط.

ذلك يأتي على الرغم من الاتفاق الذي حصل بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان في الرابع من الشهر الماضي، والقاضي بإعادة استئناف تصدير النفط عبر “ميناء جيهان” التركي، إلا أن عملية التصدير لم يتم استئنافها حتى الآن، لكن الغريب في الأمر صبر بغداد على عدم التوجه إلى إيجاد بدائل، بخاصة مع توفر بديل مثل خط نقل العراق سوريا عبر محافظة كركوك – بانياس والذي يعود تأريخ تأسيسه لعام 1952، والمتوقف منذ العام 2003، الأمر الذي يمكن أن يمثل ورقة ضغط على أنقرة.

المكاسب والخسارات أمام تركيا والعراق

تعليقا على ذلك، أوضح خبير الاقتصاد العراقي نبيل جبار العلي، أنه حتى الآن لم ترد أي معلومات عن وجود اتفاق يفضي إلى استئناف عملية تصدير النفط العراقي، المنتج من إقليم كردستان باتجاه الأراضي التركية إلى “ميناء جيهان” التركي، وهو ما يبدو محاولة من الأتراك للضغط باستمرار على العراق في قضية إجراء مكاسب إضافية وكبرى في عملية حلحلة وإنهاء وتنازل العراق عن حقوقه التي يظهرها قرار “غرفة التجارة الدولية” ومحكمة التحكيم الدولية في باريس.

وزير النفط العراقي حيان عبد الغني/ إنترنت + وكالات

العلي وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إنه من الممكن للعراق أن يلجأ لإيجاد حل لهذه القضية التي لا تزال تكلفه خسائر مليارية، من خلال استثمار الملفات الضاغطة التي يملكها باتجاه تركيا، والتي على رأسها مشروع طريق التنمية التي تطمح تركيا من خلاله لأن تكون حلقة وصل بين الخليج وأوروبا عبر العراق، فضلا عن التحكم بقضايا الاستثمارات التركية وحجمها، كذلك من خلال ملف الاستيرادات العراقية من تركيا.

فالعراق يمكنه إجراء علمية مساومة واضحة مع تركيا لغرض حلحلة المشكلات العالقة بين الجانبين، بحسب خبير الاقتصاد العراقي، الذي أشار إلى أن العراق بحاجة لأحكام الملفات المهمة التي يمتلكها لغرض إجراء مفاوضات جادة وعميقة لحل الأزمات، مشيرا إلى أن العراقيين اليوم يحاولون ترغيب الأتراك في قضايا عدة.

العلي، توقّع بناءً على هذا الحال، استمرار المفاوضات بين الجانبين العراقي والتركي بشكل أكثر عمقا، ومن خلال تشكيل لجان فنية وسياسية ودبلوماسية متعددة، قد تعمل على زيارات متبادلة بين البلدين في محاولة لإيجاد حلّ للملفات العالقة بين الطرفين، لكن مع ذلك أن العراق يمتلك أوراق ضاغطة بحيث تمكّنه من الاستثمار في ملفات معقدة مثل ملف المياه الذي يطالب من خلاله تركيا بزيادة الاطلاقات للعراق الذي يعاني من الجفاف.

فبالتالي أن جميع هذه الملفات يمكن للعراق من خلالها، أن يدفع تركيا إلى حلّ ضامن للطرفين، ولربما لإعادة الاتفاق بشكل كامل حول عملية تصدير النفط، بما يضمن للجانبين مكاسبهما دون الإضرار بالآخر، لافتا إلى أن لجوء العراق لأي طريق بديل يعني خسارة تركيا لمكاسب كبيرة من عملية التصدير.

خط أنابيب بانياس خيارات مطروح على الطاولة

بالإضافة إلى ذلك، فإن خيار التوجه لخط أنابيب كركوك العراقية بانياس السورية، يبدو أيضا ضمن الخيارات المتاحة، فإن هذا المشروع سيمكن العراق من التخلق من الاعتماد على مصدر تصدر واحد، ما يضعه أمام مصادر متعددة، بحيث لا يمكن استخدام ملف تصدير النفط كورقة ضاغطة على بغداد.

ميناء جيهان التركي/ إنترنت + وكالات

أنبوب نفط كركوك – بانياس تم تشغيله لفترات متقطعة، وتأثر عمله بالأوضاع السياسية السائدة بين العراق وسوريا في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وتم استئناف الضخ عبره في العام 2010 لكن ضربات طائرات التحالف الدولي إبان فترة سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق مساراته في سوريا والعراق أدت إلى خروجه عن الخدمة مجددا.

لكن خلال الأشهر الماضية جرت مفاوضات عدة بين الجانبين السوري والعراقي لاستئناف عمل الأنبوب بدعم من روسيا، لكن الخلافات تركزت حول مسألة إعادة تهيئة الأنبوب حيث تطالب بغداد بضرورة أن يتم ذلك مناصفة بينها وبين دمشق.

وسط هذا المشهد، فإن النتيجة النهائية أن أمام بغداد فرص كثيرة لتعويض خسائرها من صادرات النفط من إقليم كردستان عبر “ميناء جيهان” التركي، بل يمكن الوصول إلى أبعد من ذلك، وحل جميع المشكلات العالقة مع أنقرة والتي انعكست بشكل كبير على الواقع العراقي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات