يوما بعد آخر تتواصل الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة في سوريا، والتي بدأتها السويداء يوم السادس عشر من شهر آب/أغسطس الجاري، تنديدا بالقرارات الحكومية التي ساهمت بتفاقم أزمة الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات، إلا أن المطالب المتعلقة بالوضع المعيشي ارتأت لتشمل مطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة.

استمرار التظاهرات في السويداء يطرح العديد من التساؤلات، حول جدوى هذه الاحتجاجات وإمكانية تحقيق مطالب المحتجين، فالمطالب الاقتصادية، لا يبدو أن الحكومة لديها من الأدوات لتحسين الواقع المعيشي، بل على العكس فإن قراراتها خلال الأيام الماضية، تؤكد أنها ماضية في تحميل أعباء الأزمة الاقتصادية للمواطنين.

أما المطالب المتعلقة بالسياسة، كرحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لتحقيق الانتقال السياسي، فلا يبو أبدا أن السلطة منفتحة حتى على مناقشة هذه المطالب، حتى لو اضطرت ربما لعزل مدينة السويداء أو منحها إدارة ذاتية محلية، أو ربما استخدام القوة لوقف جميع أشكال التظاهر.

مظاهرات مستمرة

المظاهرات في السويداء دخلت أسبوعها الثالث، وقد تجددت المظاهرات في ساحة “الكرامة” وسط المدينة، نددت بالسياسات الحكومية المتعلقة بالتعامل مع الأزمة الاقتصادية، كما طالبت برحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وتحقيق بنود هيئة الحكم الانتقالي وفق قرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.

ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بثّوا اليوم صورا قالوا إنها لقيام محتجين بإغلاق “مكتب أعضاء مجلس الشعب” في المحافظة. كما شهدت بلدة الكفر في السويداء وقفة احتجاجية مساء يوم أمس الثلاثاء، تمت خلالها إزالة صورة للرئيس السوري بشار الأسد على واجهة مبنى البلدية.

حتى الآن يبدو أن مدينة السويداء تواجه وحدها السلطة السورية، فعلى الرغم من مشاركة بعض المناطق السورية كدرعا وجبلة في التظاهرات، إلا أن الزخم الأساسي بقي مستمرا في السويداء فقط، وهذا قد يعني أن مطالب السويداء لا سيما السياسية منها لن تكون قابلة للتحقيق، فيما إذا استمر الحراك مقتصرا على السويداء.

قد يهمك: الرصاص لتفريق مظاهرة في السويداء.. هل اختارت السلطة التصعيد الأمني؟

كذلك فإن بعض المحللين ذهبوا في سيناريوهات الفترة القادمة، إلى اتجاه الحكومة إلى منح السويداء إدارة محلية ذاتية، لكن ذلك قد يعني أيضا تهرّب الحكومة من مسؤولياتها تجاه المحافظة، وبالتالي التوقف عن إرسال مخصصاتها من المحروقات والمواد الأساسية، وهو فعلا ما تريده لتخفيف الأعباء الاقتصادية على الدولة.

انقسام الوجهاء

إعلان العديد من وجهاء السويداء والمرجعيات الدينية الدرزية في المدينة خلال الأيام الماضية، تأييدها الاحتجاجات ضد السلطة السورية، كان له تبعات عديدة على أهالي المحافظة، حيث شجع المزيد من الأهالي على النزول للشارع وإعلان موقفهم الحاسم من السلطة، لا سيما بعد ارتفاع مطالب المحتجين ووصلها إلى مطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة.

لكن على ما يبدو فإن القيادة المركزية، حاولت اللعب على وتر الوجهاء مؤخرا، فأخذت ترسل بعض وجهاء المدينة في محاولة لتهدئة الاحتجاجات، فيما أعلن آخرون تأييدهم للرئيس السوري، الأمر الذي ينذر ربما بانقسام بين وجهاء السويداء وبالتالي انقسامٌ في الشارع ومطالب المحتجين.

الشيخ حكمت الهجري وهو من أبرز وجهاء المحافظة، كان قد أعلن عن تأييده لمطالب المحتجين، وكان له تأثير واضح شجّع أهالي جبل العرب على إعلان موقفهم الحاسم من السلطة، ورفع شعارات سياسية تطالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، وخروج إيران من سوريا، وتطبيق القرار الدولي 2254 بشكل كامل، وفي المقدمة منه البند المتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالي.

أحد شيوخ “عقل الطائفة الثالث” في السويداء وهو يوسف الجربوع، لم يتراجع عن موقفه المنحاز للقيادة السورية، وقد أكد في آخر كلمة له خلال اجتماع ضم وجهاء السويداء إضافة إلى محافظ ريف دمشق صفوان أبو سعدة، على رفض بعض المطالب التي يطلقها المحتجون، في إشارة على ما يبدو إلى المطالب السياسية.

يوسف جربوع، قال إن علم الدولة هو العلم الذي يمثله، واعتبر أن الحراك الشعبي يطلق هتافات خاطئة، كما اعتبر أن السلطة القائمة حاليا في سوريا هي “الخيار الاستراتيجي والوطني”، فيما حمل أبو سعدة بحسب ما نقلت شبكة “السويداء 24″، رسالة عتب من قيادته، ومزاعم بأن الحراك الذي تشهده السويداء تستغله جهاتٌ لها نزعة انفصالية، وتحرف مسار المطالبين بتحسين الأوضاع المعيشية، وأنه يأتي في إطار “المؤامرة الكونية” على سوريا. 

الاحتجاجات الأخيرة، كانت قد اندلعت عقب قرار الحكومة السورية في منتصف آب/أغسطس الجاري، رفع الدعم عن الوقود، في خضم أزمة اقتصادية تخنق السوريين بعد أكثر من 12 عاما من حرب مدمرة أعقبت قمعا عنيفا من قبل السلطة لمظاهرات احتجاجية ضدها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات