السوريون يعانون من ظاهرة مُفزعة وخطيرة، تُهدد الأمن والسلم الأهليين، وتُعرض حياتهم للخطر. وهذه الظاهرة هي سطوة العصابات، التي تنتشر في مختلف المناطق السورية، وتمارس أنشطة إجرامية متعددة، بعيدا عن السرقة والخطف والابتزاز والقتل والتهريب والاتجار بالبشر، خصوصا مع القرار الذي اتخذته الحكومة بتجنيد متطوعين كقوات رديفة.

ليس الحديث هنا فقط عن العصابات بالشكل التقليدي، التي تستغل الفوضى والانعدام الأمني لتحقيق مصالحها المادية، بل أيضا عن العصابات التي المتداخلة مع قوات الأمن والجيش وغيرها من الأجهزة التابعة للدولة في سوريا، والتي تساهم برفع الأسعار وعدم وصول البضائع والمواد الأساسية إلى المواطنين.

قرار إزالة الحواجز.. “فافوش”

منذ أيام تداولت وسائل إعلامية محلية قرارا يقضي بإزالة الحواجز العسكرية من داخل المدن والطرق الرئيسية المؤدية إليها، والتي كانت متمترسة فيها منذ عام 2012، بعد العديد من الشكاوى التي تواردت عن سطوة هذه الحواجز على سيارات التجار وأخذ أتاوات منهم ومن المواطنين.

الحواجز التي أزيلت في وقت سابق وكانت تتبع للجيش السوري، استبدل مكانها حواجز لجهات رديفة للجيش السوري، وهي التي رخصت عملها الجهات الأمنية، كالمتطوعين في “الأمن العسكري”، أو “قوات الدفاع الوطني” المشكلة من متطوعين وعناصر كانوا سابقا في الجيش السوري.

لكن هذه الظاهرة ليست بريئة من المسؤولية الداخلية، فالعصابات التي تنشأ من داخل المجتمع السوري، تنبع من عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية، تتمثل في الفقر والبطالة والفساد والجهل والانحلال الأخلاقي، وأدى لأن تكون هذه المجموعات عبارة عن عصابات تجني أموالا طائلة من المواطنين والتجار.

وفقا لما قاله الخبير المصرفي عامر شهدا حول إزالة الحواجز لجهة تخفيض الأسعار 50 بالمئة لافت للغاية، ويستوجب التوقف عنده وانتظار ما سيقوله التجار في هذا الصدد، وهل فعلا إزالة الحواجز ستؤدي إلى خفض التكاليف عليهم، وبالتالي ستنخفض الأسعار، وإذا حدث هذا بالفعل فهل كانت هذه العصابات هي مشكلة السوريين منذ سنوات والسلطات الرسمية تغض الطرف عنهم.

حواجز لعصابات مدعومة

على مبدأ “غاب القط العب يا فار”، كشفت مصادر محلية لـ”الحل نت”، أن قرار الإزالة لم يستهدف سوى عناصر الجيش من قطاعات المشاة والدفاع البري والجوي، فيما استبدل مكانها عناصر يتبعون بشكل أو بآخر لمؤسسات الدولة الأمنية أو عناصر محلية كانت سابقا ضمن قوات رديفة كقوات “الدفاع الوطني”.

كان من المأمول بالنسبة للتجار والمواطنين أن تكون إزالة الحواجز التي امتهنت الأتاوات هي إراحة النشاطات الاقتصادية صغيرها وكبيرها وحتى على مستوى النشاطات الفردية من الأتاوات التي كانت تدفع بسبب وبلا سبب، ولكن عودة الحواجز بصورة أخرى زاد الأمر سوءا.

الحواجز والتي أصبحت عصابات تفرض إتاوات على سيارات نقل البضائع لم تتراجع يوما، فرغم شكاوى السائقين والتجار من فرضهم مبالغ مالية كبيرة للسماح بمرور بضائعهم من وإلى المحافظة السورية، لم تتحرك الحكومة نحو هذه الظاهرة بشكل نهائي.

حاجز “منكت الحطب” والذي يعرف بحاجز المليون، لأنه يفرض أكثر من مليون ليرة سورية على كل شاحنة تدخل درعا، إحدى هذا الحواجز. كما تشير المصادر المحلية إلى أن حواجز الفرقة الرابعة في الطرق الرئيسية تفرض “ضريبة الترفيق” على المزارعين والسيارات المحملة بالخضار.

ليس ذلك فحسب، بل أيضا مجموعات محلية تابعة للفرقة الرابعة نشرت حواجز أمنية على الطرق المؤدية لعدة قرى وبلدات بين دمشق ودرعا، بهدف فرض الإتاوات على المارة، وهو أشبه ما يشاهد في الأفلام والمسلسلات أو كما يحدث في أميركا اللاتينية، حيث باتت البلاد عبارة عن مقاطعات لرؤوس عصابات.

هل فعلا رفع الأسعار بسبب الحواجز؟

بين إتاوات الحماية وتأثيرها على أسعار المواد، تناولت تقارير محلية السجال على مواقع التواصل الاجتماعي حول قرار إزالة حواجز الجيش العسكرية المنتشرة في مختلف المدن السورية، ومدى تأثير ذلك على انخفاض أسعار المنتجات الغذائية. إلا أن أنه إلى أي حد يمكن أن تساهم في خفض الأسعار فهذا ما قد يصعب التعرف عليه، إلا إذا اعترف التجار بالأمر.

حتّى اليوم، تستمر تأثير عبارة أحد أساتذة علم الاقتصاد في جامعة دمشق قبل حوالي عقدين من الزمن، التي قال فيها إن ارتفاع سعر البندورة في مدينة القامشلي من شأنه أن يرفع أسعار العقارات في مدينة دمشق، إلا أن تلك الأقاليم كافة، سواء الخاضعة لسيطرة الحكومة أو الخارجة عنها، تعتمد سعر صرف يبدو متقاربا، وتتأثر جميعها بانخفاضه أو ارتفاعه. وهذا الوضع يثير تساؤلات حادة حول الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، علما بأن الحدود الفاصلة بين المناطق السورية ليست سوى حدود متنقلة قد تتغير في أي لحظة.

نفس التساؤلات تثار حول معدلات التضخم القريبة من بعضها البعض وفقا لنتائج مسح أجراه “المركز السوري لبحوث السياسات”، حيث سجّل وسطي التضخم الشهري لأسعار المستهلك في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة حوالي 5.4 بالمئة، في حين سجلت مناطق الشمال الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) والفصائل المدعومة تركياً حوالي 4.6 بالمئة، وفي مناطق “الإدارة الذاتية” حوالي 4.8 بالمئة.

هذه البيانات بحسب المحلل العسكري، تؤكد أن استمرار وجود العصابات التي تتبع لجهات معينة ومتنفذة سيستمر حتى مع قرار إزالة الحواجز، حيث تعتمد هذه العصابات التي تنتمي بشكل غير مباشر للأجهزة الأمنية على اقتصاد محصور فيها منذ سنوات، وعدم القدرة على ضبط الفساد في دوائر الدولة يشكل جسر عبور واستمرار لها في أعمالها.

أسباب وآثار سطوة العصابات في سوريا على المدنيين معروفة وظاهرة للعيان سواء للسلطات المتنفذة أو للمواطنين، ولكن دور الحكومة والمجتمع المدني في مواجهة هذه المشكلة لم يكن موجود خلال السنوات السابقة، ويبقى السؤال الموجهة للحكومة بذاتها بعد قرارها بإزالة حواجز الجيش، هل ستستطيع فرض سلطتها على هذه العصابات، وحماية المواطنين من انتهاكاتها، أم أنها تتواطئ معها أو تتغاضى عنها، وهل يستطيع المجتمع المدني تكوين شبكات تضامنية وحملات توعية لمقاومة هذه الظاهرة، أم أنه يخضع لخوفها أو يستسلم لجشعها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات