في برنامج لإحدى الإذاعات المحلية، تم طرح تساؤل حول الفرصة الذهبية التي لا يمكن للسوريين تفويتها، ليتبين أن الأغلبية يريدون السفر خارج سوريا، وخاصة إلى الدول الأوروبية. وهذه ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها طرح مثل هذه الأسئلة أو استطلاعات الرأي، فبشكل يومي تقريبا، تنتشر منشورات متعددة على منصات التواصل الاجتماعي، تشير إلى رغبة من بقي داخل سوريا في الهجرة إلى الخارج.

بطبيعة الحال أسباب وعوامل هذه الرغبة في السفر لدى السوريين باتت معروفة للجميع، ومن بينها فقدان الأمل بالمستقبل في سوريا والأوضاع المعيشية المروعة كعوامل رئيسية، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الخدمية والتعليمية يوما بعد يوم، ولذلك فإن الناس يسعون للهروب من هذه البلاد.

السفر من سوريا

في برنامج “كود مورنيغ سوريا” مع المذيعة سالي أبو حمزة على إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، تم طرح تساؤل مؤخرا عبر منصة “فيسبوك” على الشكل التالي “فرصة ذهبية لو صحتلكم ما ممكن تفوتوها.. شو هي؟، فكانت معظم الاجابات حول السفر من البلاد والوصول إلى أوروبا.

إلا أن البعض الآخر أخذ الموضوع بشكل ساخر من الواقع المعيشي البائس في سوريا، فكتبوا “الحمدلله بسوريا متحققة كل أحلامي ماني بحاجة فرص ذهبية.. يعني من كتر ما الواحد عايش مبسوط بالبلد فما بعازة فرص ذهبية”، فيما أشار آخرون إلى تأكيد رغبتهم في السفر قائلين “بلم على أوروبا، السفر أكيد”.

أحد سكان دمشق، وهو طالب طب بشري ولا يزال في مرحلة التخصص، يقول في هذا السياق لموقع “الحل نت” إنه عندما يكمل تعليمه ويتخرج من مرحلة التخصص فإنه حتما سيتقدم للسفر إما إلى دولة أوروبية أو خليجية، نتيجة تدني مستوى الرواتب والأجور في سوريا، فضلا عن غياب أي مستقبل مشرق للشباب السوري.

الشخص ذاته أردف في اتصال هاتفي، دون الكشف عن اسمه، أن معظم أصدقائه وزملائه في الجامعة، وحتى شباب العائلة سافروا إلى الخارج، وأغلبهم مستقرين في أوروبا، وأمورهم ميسّرة للغاية هناك، بالإضافة إلى أنهم يساعدون أُسرهم ماديا كل شهر، وهذا من الدوافع التي تدفعه للتفكير في السفر، فور الانتهاء من تعليمه.

كما أشار إلى أن راتب الطبيب في المشفى الحكومي يبلغ نحو 160 ألف ليرة سورية، أما في المشافي الخاصة فيبلغ نحو مليون أو مليون ونصف المليون أو أكثر وذلك حسب عدد ساعات العمل، ويتطلب العمل في مشفى خاص خبرة كبيرة، بالإضافة إلى واسطة من أحد الأشخاص المعنيين في المستشفى. ورغم كل هذا، فإن العائد المادي ليس بالدرجة التي يخوّل الشخص من أن يدبّر قوت يومه أو يبني له مستقبلا، خاصة أن الأحوال المادية لأغلب الناس ليست بهذا المستوى المطلوب.

هذا حال الشباب المتخرجين من أفضل الكليات في سوريا، فما بالُ بقية الشباب الذين يملكون شهادات عادية أو من لا يملكون، فضلا عن العوائل التي تبحث هنا وهناك عن طرق علّها تنجّيهم من براثن الفقر في هذه البلاد، فالعديد من التقارير والمصادر المحلية تقول إن أعداد كبيرة من الأُسر تقوم ببيع منازلها أو ممتلكاتها بدواعي السفر.

استخراج جوازات السفر

خلال العامين الماضيين وحتى الآن، يشهد مركز الهجرة والجوازات في سوريا وتحديدا في العاصمة السورية دمشق موجات تدفق من السوريين الراغبين في الهجرة، حيث تصطف أرتال المنتظرين بالآلاف منذ ساعات الصباح الأولى وإلى منتصف الظهيرة بفارغ الصبر، للحصول على جواز سفر يمكّنهم من الخروج من البلاد في أقرب فرصة.

هذا حال الشباب المتخرجين من أفضل الكليات في سوريا، فما بالُ بقية الشباب الذين يملكون شهادات عادية أو من لا يملكون، إذ يبحث الجميع هنا وهناك عن طرق علّها تنجّيهم من براثن الفقر في سوريا.

يشكل الشباب الفئة الكبرى من السوريين الراغبين في الهجرة، ويأتي ذلك نتيجة للانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد وتفشي البطالة وتردي الخدمات الحيوية التي تقدمها حكومة دمشق من كهرباء وإنترنت، مما ينعكس سلبا على مستوى معيشتهم وتعليمهم وعملهم، وفق العديد من التقارير الصحفية.

إلى جانب الطرق النظامية التي يسعى الشباب إلى الهجرة من خلالها، ثمة طرق أخرى غير نظامية وخطرة يسلكونها مضطرين من أجل الوصول إلى بلاد تحترم حقوقهم وتوفر فرصا تضمن لهم حياة أكثر استقرارا وراحة.

في ضوء ذلك، يعاني السوريون في الداخل والخارج منذ سنوات صعوبات كبيرة في الحصول على جوازات سفر سارية المفعول، تحدّ من حرية تنقلهم وتعرّضهم للخطر. وهناك عدة عوامل تلعب دورا في تفاقم هذه المشكلة.

استخراج جواز السفر السوري سواء في الداخل أو الخارج هو عملية معقّدة ومكلِفة تتطلب الكثير من الوقت والمال والموافقات الأمنية، فمع ارتفاع سعر السوق السوداء، بدأت الحكومة السورية تدرك أنها تجلس على منجم ذهب، وبدأت في إصدار جوازات سفر حقيقية كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي.

جوازات السفر السورية تُعد الآن الأغلى في العالم، إذ ارتفع سعرها ثمانية أضعاف إلى 400 دولار في عام 2015، ومؤخرا إلى 800 دولار للمستعجل و300 دولار للجواز الذي يستغرق شهرا، ولا يمكن دفع الرسوم إلا بالدولار أو اليورو.

أسباب السفر

لا يختلف اثنان على أن الظروف الاقتصادية والأمنية، هي أبرز الأسباب التي تدفع بالشباب السوري للهجرة باتجاه بلدان أخرى بحثا عن حياة أفضل، ولعل تزايد معدلاتها خلال الآونة الأخيرة خير مثالٍ على ذلك؛ وخاصة الهجرة غير الشرعية، وما تمثّله من خطر على حياة من يُقدم عليها. إذ لا يكاد أن يمرّ شهر دون ورود أخبار عن وفاة أشخاص خلال رحلتهم إلى أوروبا.

13 مليون سوري نزحوا/هاجروا منذ اشتعال الحرب السورية، وهو ما يمثل حوالي 60 بالمئة من عدد السكان قبل الحرب، وهي نسبة نزوح لم تشهدها دولة من قبل خلال العقود الأخيرة، بحسب “مركز بيو للأبحاث”، في وقت سابق.

المركز أردف في دراسة نشرها على موقعه الإلكتروني في عام 2018 بأن أكثر من ستة ملايين و300 ألف سوري، أي حوالي 49 بالمئة من عدد المهاجرين قد نزحوا داخليا، لكن هذه النسبة تغيرت خلال السنوات الأخيرة مع عودة مئات الآلاف إلى ديارهم وظهور نازحين جدد. ويقول المركز إن حوالي 700 ألف سوري نزحوا داخليا في النصف الأول من 2017 بسبب الصراع المستمر.

خلال أيار/مايو الماضي، أعلنت إدارة الهجرة والتجنيس الهولندية “آي إن دي”، أن حوالي 40 ألف طالب لجوء من بينهم سوريون، ينتظرون قرارا للموافقة على اللجوء، مشيرة إلى أنها غير قادرة على مواكبة عدد طلبات اللجوء بسبب كثرة الطلبات، ويمكن اتخاذ حوالي 22.000 قرار سنويا فقط.

إدارة الهجرة الهولندية في تقرير لها، قالت إن القوانين أصبحت أكثر تعقيدا من قبل، بالإضافة إلى أن أنظمة الكمبيوتر أصبحت قديمة وميزانية غير كافية مقابل عدد الأشخاص القادمين إلى هولندا. وتوقّعت المديرة العامة روديا ماس، أن يتعين على المتقدمين الانتظار لفترة أطول لاتخاذ قرار هذه السنة وربما أيضا في السنة القادمة 2024.

هذا وقالت وكالة الهجرة في الاتحاد الأوروبي اليوم الثلاثاء إن طلبات اللجوء في دول التكتل والنرويج وسويسرا، ارتفعت في النصف الأول من العام 2023 بنسبة 28 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وتم التقدم بحوالي 519 ألف طلب لجوء في هذه الدول التسع والعشرين بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو، على ما أوضحت الوكالة معتبرة أن الطلبات قد تتجاوز المليون بحلول نهاية السنة بحسب الميول الحالية.

يشكّل السوريون والأفغان و الفنزويليون والأتراك و الكولومبيون طالبي اللجوء الرئيسيين بـ 44 بالمئة من الطلبات. وطلبات اللجوء في النصف الأول هي الأعلى لهذه الفترة من السنة منذ 2015-2016، وفق موقع “دويتشه فيله”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات