مع تدهور الأوضاع المعيشية بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التعليم في سوريا الأمر الذي أثّر بشكل كبير على واقع الأطفال ومستقبلهم، حيث تتزايد أعداد المتسربين من المدارس وترتفع أعداد عمالة الأطفال في البلاد بشكل غير مسبوق، وهو ما سيحمل تداعيات نفسية وجسدية واجتماعية جمّة.

حتى الآن لا توجد أرقام دقيقة حول عدد الأشخاص المتسربين من المدارس، ولا أرقام حول عمالة الأطفال، لكن بحسب دراسة لـ”الهيئة السورية لشؤون الأسرة”، فإن معظم الأطفال يعملون في أعمال خطرة، في ظل ظروف مناخية قاسية وغير صحية ولساعات طويلة في القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل الصناعة والخدمات الزراعة والتجارة وغيرها.

عمالة الأطفال

نحو ذلك، أوضحت سمر السباعي رئيسة “الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان” بأن نتائج الدراسة توصلت إلى أن 28.4 بالمئة من الأطفال يعملون في مجال الصناعة، و38 بالمئة في مجال الخدمات، و 20.6 بالمئة في مجال التجارة، وفق ما أورده موقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الثلاثاء.

السباعي، أردفت في حديثها أن معظم هؤلاء الأطفال يعملون في مِهن خطرة، مثل تصليح السيارات “ميكانيك/كهرباء” والحدادة والخراطة والتّدرب على الآلات وصيانتها وأعمال البناء، وتأتي خطورة هذه المِهن من كونها تتطلب استخدام أدوات حادة وأجهزة خطرة والتعامل مع مواد ثقيلة وسوائل سامة إلى جانب شروط العمل الخطرة، خاصة في مجال أعمال البناء ودهان السيارات.

في تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، نُشر مؤخرا، يقول فيه عمر البالغ من العمر 16 عاما حول هذا الموضوع “لا أفضل السير بالطريق الممتد من البرامكة إلى زقاق الجن وحتى الفحامة حيث تنتشر ورش تصليح السيارات التي أصبحت تستقطب الكثير من رفاقي على مقاعد الدراسة لتعلّم صنعة تساعدهم على إعالة أسرهم الفقيرة”.

رفاق عمر وغيرهم الكثير، مشهدٌ بات مألوفا للمارة بالعاصمة دمشق أكثر من غيرها من المدن السورية لأطفال بعمر لا يتجاوز الـ 12 عاما وحتى أقل، يعملون بمِهنٍ مختلفة وخطيرة منها، إصلاح السيارات والبناء، أو العتالة لساعات طويلة وشاقة، طبعت آثارها القاسية على أجسادهم النحيلة ووجوههم البائسة.

تختلف الأسباب التي تدفع هؤلاء الأطفال للعمل وترك المقاعد الدراسية، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة ومشوار الدراسة طويلٌ ويحتاج إلى تكاليف كان من أبرز أسباب تنامي ظاهرة عمالة الأطفال، وهنا يقول محمد ذو الـ11 عاما “منذ شهرين أعمل مع أخي محمود البالغ 17 عاما في إحدى ورش النجارة بمنطقة المزة 86، كي نساعد أهلنا في المصاريف”، ويضيف للموقع المحلي “المعلم يحب أخي أكثر مني؛ لأنه سريع التعلم ونشيط وأنا ما أزال أرغب بالعودة للمدرسة ولم أحب النجارة بعد على الرغم من أني أحاول، ربما العمل في إحدى المطاعم أسهل أو أقل خطر، أنا أكره صوت المنشرة”.

أين القانون من عمالة الأطفال؟

عمالة الأطفال تنتشر بمعظم المدن السورية خصوصا تلك التي توجد بها مدن أو مناطق صناعية، ونجدهم في البقاليات والمحال التي تبيع مختلف السلع، يساعدون في توصيل الطلبات أو تنظيف المحال وغير ذلك أو ضمن ورش أعمال البناء وأسواق الهال، ينقلون الأحمال الثقيلة ونظرات أغلبهم تفضح تعب أجسادهم الصغيرة.

كما ولا يقتصر العمل على الأطفال الذكور، فمعظم صالونات الحلاقة النسائية استقطبت الفتيات القاصرات الراغبات بتعلّم حرفة علّها تنّجيهم من براثن الفقر في هذه البلاد.

القانون السوري تضمن مجموعة من القوانين التي تمنع عمل الأطفال، منها القانون رقم /17/ لعام 2010 الذي نصّ على أنه يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل اتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سنّ الخامسة عشر من عمرهم أو أكبر.

إضافة إلى قانون حقوق الطفل رقم /21/ لعام 2021 الذي حظر في الفصل السادس منه تشغيل الطفل الذي لم يتم الخامسة عشر من عمره، كما حظر استغلال الطفل اقتصاديا أو في أداء أي عمل يرجّح أن يكون خطرا، أو يمثّل عائقا لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحته، أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.

رغم وجود قوانينَ تمنع عمالة الأطفال في هذه المِهن التي تُعتبر خطيرة، إلا أن أعداد الأطفال الذين يعملون بمختلف المِهن بالأسواق حاليا زاد عن العام السابق والذي قبله، وحتى منهم من امتهن التسول؛ بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها عموم المحافظات السورية.

ارتفاع معدل التسرب المدرسي

على إثر زيادة تكاليف التعليم الحكومي، حيث إن نفقاتها باتت تُثقل كاهل نسبة كبيرة من السوريين، خاصة بعد أن أوقفت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية”، منح قروضٍ للموظفين لشراء المستلزمات المدرسية لأبنائهم، ازداد أعداد التسرب المدرسي.

كما أن الارتفاع الكبير في أسعار القرطاسية واللوازم المدرسية مؤخرا، سيجبر العديد من الأُسر السورية على إخراج أبنائها من المدارس وإلحاقهم بسوق العمل، من أجل مساعدتها على تأمين المصاريف المعيشية، وتوفير نفقات التعليم التي باتت كبيرة وخارج قدرة السوريين.

تحدثت السيدة غادة قارووط لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا، عن أولادها الأربعة في مراحل تعليمية مختلفة، مؤكدة أنه ليست لديها القدرة المادية على تأمين احتياجاتهم من لباس مدرسي ومستلزمات استئناف السنة الدراسية، حيث وصل سعر “المريول” المدرسي نخب ثانٍ إلى 50 ألفا، أما “بدلة” المرحلة الإعدادية فقد وصل سعرها إلى 150 ألفا والثانوية إلى 200 ألف.

إضافة إلى سعر الحقيبة المدرسية التي وصلت إلى 100 ألف ليرة سورية في حدها الأدنى، بجانب ارتفاع أسعار الأقلام والدفاتر وكل هذا بات من الصعب تأمينه في ظل الغلاء الفاحش، لذلك تقول غادة إنها تسعى لتأمين عملٍ لأبنائها الكبار من أجل مساعدتها في تعليم إخوتهم الصغار، مكتفية بحصول أولادها الكبار على الشهادة الإعدادية، إذ ليست لديها القدرة المادية على تعليم الجميع.

هذا وتشاركها الرأي المواطنة نور عثمان، التي تشير إلى أنها قررت تزويج ابنتها الطالبة في المرحلة الثانوية من أجل توفير مصاريف دراستها لمصلحة إخوتها الأصغر سنّا، بما أن الظروف المعيشية أصبحت ضاغطة جدا، ولا يمكن العيش مع استمرار الأولاد في المدارس والجامعات.

من جانبها، ابدت الباحثة التربوية سوسن السهلي قلقها من أن ارتفاع أسعار التعليم وتكاليف العودة إلى المدرسة من رسوم وقرطاسية ولباس، يعزّزان المخاوف من توسّع التسرب المدرسي والاتجاه إلى سوق العمل، أو التشرد في الشوارع والتسول، الأمر الذي يرهق الأُسر على الرغم من مجانية التعليم في القطاع الحكومي، لكن إذا استمرت الظروف على هذا النحو فمن المتوقع التراجع عن مجانية التعليم، وخاصة مع عدم توفر الورق وارتفاع أسعار طباعة الكتب ووسائل الإيضاح.

في سياق أرقام تسرب الطلاب من المدارس، كانت “وزارة التربية السورية” قد أعلنت أن نسبة التسرب المدرسي في مرحلة التعليم الإلزامي وصلت العام الماضي إلى 22 بالمئة من إجمالي عدد التلاميذ، بزيادة نحو 50 بالمئة عن العام الذي سبقه، حيث بلغت نسبة التسرب آنذاك، حسب الأرقام الرسمية 12 بالمئة.

فيما تشير “منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (يونيسيف) إلى وجود أكثر من 2.4 مليون طفل سوري غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 بالمئة من الإناث، متوقعةً أن يكون العدد قد ارتفع بعد جائحة “كوفيد-19″، التي أدت إلى تفاقم تعطل التعليم في سوريا.

يبدو أن تدهور الأوضاع المعيشية وزيادة تكاليف التعليم في سوريا، سيكون السبب في إخراج العديد من الطلبة من المدارس والابتعاد عن مقاعدهم الدراسية، وبالتالي زيادة عمالة الأطفال، وهو ما سيترك أسوأ الآثار النفسية والاجتماعية على المجتمع السوري على المدى القريب والمتوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات