وسط تزايد أسباب عزوف الشباب عن النظر في فكرة مؤسسة الزواج لارتفاع تكاليفها، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، أمس الثلاثاء، قرارين يقضيان بمنح العسكريين والمتطوعين في صفوف قواته المسلحة مكافآت مالية في حال الزواج وانتهاء عقد التطوع العسكري.

إلا أن هذه المكافآت وُصفت بـ”الهزيلة” ولقيت انتقادات وسخرية واسعة من قِبل الشارع السوري على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبروا قيمة هذه المِنح ضعيفة وتكاد تساوي تكلفة درجٍ واحد من غرفة النوم، أي أنها غير كافية سوى لتغطية 5 بالمئة من مستلزمات الزواج.

“عيشوا بهالنعيم”

بموجب القرار الرئاسي الجديد، أصبحت سلفة الزواج المستردّة سابقا، منحة زواج تُقدّم لمرة واحدة وغير مستردة، تبلغ قيمتها 2 مليون ليرة سورية، وذلك بعد الحصول على عقد الزواج وتثبيته للعسكريين العاملين، ضباطا وصف ضباط وأفرادا في الجيش والقوات المسلحة التابعة لحكومة دمشق.

كما أن سلفة الزواج سابقا كانت مستردَّة، وتبلغ قيمتها 50 ألف ليرة سورية للضباط، 40 ألف ليرة سورية لصف الضباط، و30 ألف ليرة سورية للأفراد. بينما يقضي القرار الثاني، بمنح المتطوعين الذين انضموا إلى صفوف القوات الحكومية بموجب عقد تطوع، مكافأة بدء خدمة، بمبلغ قدره مليوني ليرة سورية بعد التثبيت في الخدمة، وكذلك مبلغا قدره مليون ليرة سورية عن كل سنة خدمة تُسلَّم للمتطوع عند انتهاء خدمته بإتمام عقد التطوع الأول الذي تبلغ مدّته عشر سنوات.

هذا وتفاعل المتابعون مع هذا القرار بشكل واسع، ووجّهوا عددا من الانتقادات لهذا القرار، بالإضافة إلى سخرية البعض من قيمة هذه المكافآت، فكتب أحدهم “إذا عطوك ياها بتكون أمنت حق أول دِرج من غرفة النوم، روح جخ بهالنعمة.. مين بيتزوج بقا. بدنا تسريح للمتزوجين وما بدنا شيت تاني”.

بينما علّق آخر “هي مليونين معلم بقا فكر كتير منيح قبل ما تتزوج، يعني بدك تحط فوقون شي 40 مليون لتقدر تتزوج وتحقق شروط قرار سيادته.. العالم بدها تهج من البلد ومابدها تتزوج علساس مليونين بيقدر الواحد يتزوج فيهن هدول يا دوب حق مصروف أسبوعين”.

وسط كل ذلك، هواجس ومخاوف جديدة قديمة تطارد السوريين اليوم، حيث لم يعد ارتفاع الأسعار وأزمة الخبز والبنزين أكبر همومهم، فمن ناحية، يتردد الشباب في فكرة الزواج، ومن جهة أخرى معدل عدم الاستقرار في العلاقات الزوجية آخذ في الازدياد، وكل ذلك نتيجة التدهور الدراماتيكي للظروف المعيشية في البلاد.

بالتالي زاد الانهيار الاقتصادي في البلاد من نسبة الطلاق في عمومها، فضلا عن أنه دفع بنسبة كبيرة من الشباب إلى العزوف عن الزواج رغم حصولهم على شهادات جامعية، والتي من المفترض أن تمكّنهم من الحصول على فرص عمل لائقة وتزويدهم بدخل كافٍ للمعيشة، إلا أن التضخم المرتفع والارتفاع المستمر في الأسعار مقابل تآكل الرواتب والأجور أدى إلى حدوث فجوة كبيرة يصعب التغلب عليها.

من يستفيد؟

هذه المنحة الرئاسية لزواج العسكريين لن تفيد أحدا في الزواج، لكنها قد تساعده في سد فجوات بسيطة في مصاريف وتكاليف الزواج، علما أن متطلبات الزواج اليوم تكلف ما يقارب 35 مليونا أو أكثر، وهذا إذا تم الزواج بنفقات متواضعة، وفق العديد من الآراء.

في تقرير محلي سابق، قال صاحب ورشة لتصنيع الأثاث المنزلي و”الموبيليا” إن أرخص غرفة نوم مكونة من “تخت وخزانة وبيرو وكومدينتين” تصل اليوم تقريبا لحدود 7 ملايين، وهي من الخشب التجاري نوع “إم دي إف” وهو سيئ جدا، في حين أغلى غرفة نوم تصل لـ 100 مليون وتكون من خشب الزان ويتم تلبيسه بقشر الجوز والسنديان، والطلب رغم تدنيه يكون على الغرف تجارية التصنيع بالخشب الرديء ذاته، وفق تقرير صحيفة “الوطن” المحلية مؤخرا.

حول الإقبال أو الطلب، أوضح صاحب محل “الموبيليا” أنه ضعيف جدا، ومعظم المواطنين يتّجهون لشراء الأثاث المستعمل، ففي السابق كان الكثير من الناس يغيّرون فرش منازلهم كل سنتين تقريبا أما اليوم فالأغلبية يقومون ببخ الأثاث من دون إدخال تعديلات أخرى، هذا إن قاموا بعملية البخ أصلا.

يقول العديد من المواطنين إن هذه الأسعار لا تناسب نسبة كبيرة من السوريين، خاصة وأن نسبة الرواتب والأجور متدنية، فليس من المعقول أن يكون راتب الشخص نحو 150 ألف ليرة سورية ويمتلك القدرة في الوقت ذاته على شراء أثاث يكلف أكثر من 100 مليون ليرة سورية.

ليس فقط غرفة النوم باتت غالية، وإنما كل مستلزمات البيت، من الأدوات الكهربائية إلى إيجار المنازل وغيرها، فالغسالة من نوع الحافظ “أوتوماتيك” عشرة كيلو، يبلغ سعرها 6 ملايين ليرة سورية، وتقريبا كل الأنواع متساوية في الأسعار، أما البرادات فقد أصدرت “الشركة العامة للصناعات المعدنية بردى” مؤخرا لائحة جديدة بأسعار البرادات ذات التبريد العالي و”الانفيرتر”، ليصل سعر البراد قياس 24 قدم نحو 4 ملايين ليرة سورية.

بالنسبة لإيجارات المنازل فهي متساوية تقريبا في جميع المحافظات السورية، لكنها في العاصمة دمشق تصل إلى 4 ملايين ليرة شهريا، ويبدأ إيجار أقل شقة أو منزل بـ 400 ألف ليرة سورية، وفي الأحياء الشعبية تكون أقل.

من الواضح أن الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء البلاد ينعكس سلبا على جوانب مختلفة من الحياة، مما يدفع الشباب اليوم إلى التفكير مليا في قرار الزواج وتكوين أسرة، خاصة وأن العقبات كثيرة وتزداد يوما بعد يوم، بالإضافة إلى عدم وجود فُرص عمل جيدة.

بالتالي بات الزواج بالنسبة للكثير منهم مجرد حلم لن يتحقق مع استمرار الأزمات في سوريا، وكل يوم تزداد رغبة الشباب في الهجرة إلى الخارج.

“منح وتعويضات هزلية”

من جهة أخرى ولكن في سياق قرارات الحكومة الهزلية حول رفع الرواتب بنسبة 100 بالمئة لجميع العاملين في قطاعات الدولة، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، وافق مجلس إدارة “الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية” خلال اجتماع مؤخرا، برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء، على مقترح لجنة الإدارة المشتركة لمشروع جريح الوطن، المتضمن زيادة تعويضات جرحى “قوات الدفاع الشعبي” المشمولين بالمشروع بنسبة 100 بالمئة.

الزيادة تأتي انسجاما مع أحكام المرسومين التشريعيين رقم 11 و12 لعام 2023 القاضيين بزيادة رواتب العاملين بالدولة والمتقاعدين المدنيين والعسكريين بنسبة 100 بالمئة. وبناءً على الموافقة، تصبح قيمة التعويضات الشهرية التي سيتم صرفها للجرحى اعتبارا من بداية أيلول/سبتمبر المقبل على النحو التالي “280  ألف ليرة لجرحى العجز التام و260  ألف ليرة لجرحى العجز تحت التام، و200  ألف ليرة لجرحى العجز الجزئي”، وفق إذاعة “نينار إف إم” المحلية مؤخرا.

هذا الخبر قوبل بموجة انتقادات لاذعة من الشارع السوري على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن هذه التعويضات ضئيلة ويكاد يعادل ثمن علبة دواء فقط لا غير، فكتبوا “بتجبلن حق دوا..؟؟ ، هاد إذا كان الدوا متوفر يعني.. وشو مشان المنحة اللي اجت للجرحى ماشفناها”.

مشروع “جريح الوطن”، والذي تشرف عليه زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، قرر أواخر شهر الماضي صرف منحة مالية لمرة واحدة تشمل كافة جرحى العمليات الحربية من القوات التابعة للجيش السوري، وبينهم “قوات الدفاع الشعبي”، وبلغ قيمة المنحة 300 ألف ليرة لجرحى العجز الجزئي، وبين 350 ألف ليرة و400 ألف ليرة لجرحى العجز التام، وفق نسب محددة.

غير أن البعض يقول إن هذه المِنح لم تُصرف بعد، وخلال شهر واحد تضاعفت الأسعار عدة مرات، أي أن قيمة هذه المِنحة انخفضت بشكل كبير بعد قرار زيادة أسعار المشتقات النفطية ورفع الدعم وما إلى ذلك، والتي على إثرها ارتفعت الأسعار في الأسواق بشكل “خيالي”.

طبقا لبعض التقارير الصحفية المحلية نُشرت مؤخرا، أن أحد جرى قوات الجيش السوري، سلمان محمد، انتقد الإهمال والفساد في إدارة مشاريع تستهدف جرحى الجيش السوري، وذكر أنه تلقى وعودا بالحصول على فراش جديد كل 6 أشهر بعد إصابته إلا أن ذلك لم يتحقق، وهاجم مشروع “جريح الوطن”.

كما وذكر الجريح عبر مقطع مصور أن بطاقة “جريح وطن” الممنوحة له لم يستفد منها بأي شيء وطرح تساؤلات حول ميزات بطاقة الشرف وبطاقة التأمين الصحي، مؤكدا عدم وجود تأمين صحي ولا خدمات، وانتقد الإهمال في التعامل مع جرحى قوات الجيش السوري التابع لحكومة دمشق.

بينما تحاول الحكومة السورية إظهار الاهتمام بجرحى وقتلى قواتها، عبر تقديم المِنح أو القروض الصغيرة بالإضافة إلى اللقاءات بذويهم سواء من جانب بشار الأسد وزوجته، ثمة انتقادات لاذعة، بجانب تعليقات ساخرة حول هذه التعويضات التي لا تعيّش المتضرر ليومين متتاليين، إذ يعوضهم إما بمنح مالية ضئيلة جدا أو بتعويضات تُعد مهينة في حقهم، مثل تعويض أُسر الضحايا بحقائب مدرسية أو بمنح بخسة للوزم المدرسية أو ساعات حائط وصندوق برتقال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات