هل يستعد الأردن للتدخل عسكريا في جنوب سوريا، هذا السؤال يثير الجدل والتكهنات في الأوساط السياسية والإعلامية في المنطقة، بعد تصريحات ملك الأردن عبد الله الثاني، التي انتقد فيها الحكومة السورية وحلفاءها الإيرانيين، واتهمهم بالتورط في تهريب المخدرات عبر الحدود المشتركة، والتي تشكل تهديدا للأمن والاستقرار الأردنيين. 

في موازاة ذلك، ترددت أنباء عن موافقة روسية على تدخل عسكري أردني محدود في جنوب سوريا، لتأمين الحدود ومكافحة التهريب والتسلل، وفقا لاتفاقية مشابهة لاتفاقية “أضنة” بين تركيا وسوريا، وذلك بعد كشف مصدر حكومي أردني طلب عدم نشره لكونه غير مخوّل بالحديث للإعلام، أن الجيش رصد منذ بداية العام الجاري نحو 90 طائرة مسيّرة بين إسقاط أو رصد، وأحبط عشرات محاولات التهريب والتسلل.

وجود حالة انزعاج كبيرة في عمان لاستمرار محاولات تهريب المخدرات، رغم التأكيدات السورية بوجود حملات مستمرة لوأد الظاهرة، بدأت بالظهور خلال الشهر الفائت من وسائل الإعلام المحلية والحكومية لتصل إلى أعلى مستوى دبلوماسي في المملكة مؤخرا، ولكن ظهور الحل العسكري على المنابر الإعلامية، يشير إلى احتمالية تنفيذ هذا المقترح، ولكن هل يوجد أي توجه دولي أو تحالف إقليمي قد يدعم أو يعارض التدخل العسكري المحتمل في جنوب سوريا.

جهود سورية دون المستوى

على الرغم من اجتماع اللجنة الوزارية العربية في تموز/يوليو الماضي، وإعلان الحكومة السورية حملة أمنية في الجنوب، إلا أن الأردن ينظر إلى تلك الإجراءات بأنها غير كافية مع استمرار الطائرات المسيّرة المحملة بالمخدرات بمحاولة اختراق أجوائه، وهذا أدى إلى دعوة الإعلام الأردني بسحب البساط من الهيئات الدبلوماسية، وإنهاء الحل السياسي مع سوريا، وتسليم الملف إلى الجيش الأردني.

في لقاء هام على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الأربعاء، تحدث ملك الأردن عن مخاطر تهريب المخدرات من سوريا إلى بلاده، وانتقد الحكومة السورية وحلفاءها الإيرانيين، مشكّكا في قدرتهم على السيطرة على الوضع. 

كان هذا اللقاء جزءا من قمة الشرق الأوسط العالمية، التي جمعت قادة ومسؤولين ورجال أعمال من المنطقة، لبحث التغيرات والتحديات التي تواجهها، حيث ذكر الملك عبد الله الثاني، أن الرئيس السوري بشار الأسد، لا يملك السيطرة الكاملة على بلاده، وأن الأردن يقاتل على الحدود للتأكد من عدم دخول المخدرات إلى البلاد، مضيفا “بشار لا يريد صراعا مع الأردن، ولكني لا أعرف ما إذا كان يسيطر بالكامل على زمام الأمور”.

تصريحات الملك الأردني أثارت تساؤلات عن إمكانية تدخل عسكري أردني في جنوب سوريا بموافقة روسية، لوقف نشاطات التهريب والتسلل على الحدود، لا سيما مع تأكيد مصادر أردنية لشبكة “سي إن إن”، أن المملكة تبذل جهودا كبيرة لمنع دخول المخدرات والأسلحة والمتفجرات إلى أراضيها، وأنها تواجه شبكات منظمة تعمل تحت رعاية حكومة دمشق والميليشيات الإيرانية، وتهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الأردن، معتبرة أن الجهود السورية دون المستوى رغم الاجتماعات المتكررة معها على مختلف المستويات.

في هذا السياق، بيّن المستشار السياسي لوزارة الخارجية الروسية رامي الشاعر، أن الأردن له الحق في الدفاع عن نفسه، وأن روسيا تتفهم ذلك تماما، ولا يستبعد أن تقوم الأردن بعملية عسكرية على طول الحدود الأردنية السورية، في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه.

من جهته يعتقد المحلل العسكري الأردني، اللواء الطيار المتقاعد، مأمون أبو نوار، أن الأردن قد يلجأ إلى التدخل العسكري في جنوب سوريا، إذا ما شعر بخطر يهدد أمنه واستقراره، لكن لن يقوم بإنشاء منطقة عازلة إلا إذا اضطر لذلك، وذلك على غرار اتفاقية “أضنة”، وهي اتفاقية أمنية وقّعت بين دمشق وأنقرة عام 1998، تنص على تعاون سوريا مع تركيا في مكافحة الإرهاب على الحدود، ومنح تركيا الحق في ملاحقة الإرهابيين داخل سوريا حتى عمق خمسة كيلومترات.

إيران بالدرجة الثانية

على مدار أشهر، شهدت العاصمة عمّان نشاطا غير مسبوق لمسؤولين أميركيين وعسكريين من أبرزهم زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركي مارك ميلي، إذ تم التأكيد خلال لقاءات مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، على الدور الأردني الحيوي لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة ومكافحة الإرهاب.

كما أكدت نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، دانا سترول، في زيارتها لعمّان، أن تهريب المخدرات من الأراضي السورية واللبنانية عبر الحدود في منطقة الشرق الأوسط يُعد تهديدا خطيرا للأمن الأردني والإقليمي، منوهة إلى ضرورة الاستمرار في التنسيق مع المملكة في مكافحة عمليات التهريب.

بيانات القوات المسلحة الأردنية، أظهرت تسجيل 88 حالة طيران مسيّرة على واجهات المناطق العسكرية المختلفة منذ بداية 2023 وحتى 24 أغسطس/آب، موزعة بين حالات الإسقاط أو الرصد والتشويش، إضافة إلى التصدي لما مجموعه 194 عملية موزعة بين 81 محاولة تهريب أو تسلل، و98 عملية تسلل مضبوطة، و15 عملية تهريب مضبوطة.

في عام 2022، كانت محاولات وعمليات التسلل والتهريب بمجموع 383 محاولة، موزعة بين 218 محاولة تهريب أو تسلل، و120 عملية تسلل مضبوطة، و45 عملية تهريب مضبوطة، كما سجلت عمليات التسلل المضبوطة في 2022 حتى نهاية شهر أغسطس/آب 75، بينما بلغت 98 عملية تسلل مضبوطة في 2023 حتى نهاية أغسطس 2023.

بناء على تلك المعطيات، يرجح الباحث والمختص بالشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن الأسباب التي دفعت الأردن إلى النظر بالتدخل العسكري في جنوب سوريا هي تزايد عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى المملكة، في حين أن الأردن وشعوره بالقلق من تواجد الميليشيات المدعومة من إيران على الحدود الأردنية السورية يأتي بالدرجة الثانية.

التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي تشير إلى تصاعد نشاط تهريب المخدرات عبر الحدود بين الأردن وسوريا يمكن تفسيرها بأنها رسالة إلى الرئيس الأسد والحكومة السورية بالمقام الأول، ويليهما المجتمع الدولي بضرورة التعاون مع الأردن لوقف هذه الظاهرة الخطيرة وفق معلوف، والتي تستخدم لتمويل المليشيات التي تنشط على الحدود الأردنية، والتي تعبّر عن استعداد الأردن لاتخاذ الإجراءات اللازمة من ضمنها التدخل العسكري في الجنوب السوري، إذا لزم الأمر.

“الأردن في حل من أمرها”

رغم أن دور روسيا في هذا السياق ليس رئيسي بحسب التقديرات السياسية، يعتقد معلوف، أن علاقة روسيا مع الأردن في هذا الوقت هي علاقة تعاون وحوار، حيث يتفق البلدان على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية، والوصول إلى حلّ سياسي شامل ودائم للأزمة السورية، وفي ذات الوقت تتفهم موسكو مخاوف عمّان من تهريب المخدرات والتهديدات الأمنية على الحدود الأردنية السورية، لذا قد تعارض التدخل العسكري إعلاميا؛ لكنها لن تصطدم مع المملكة عسكريا.

في هذا السياق، لا يستبعد معلوف أن يكون التدخل العسكري في جنوب سوريا تصعيدا في الأزمة الإقليمية، لأنه قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة أو غير مباشرة بين الأردن وحلفائه من جهة، وحلفاء دمشق من جهة أخرى، وسيزيد من معاناة اللاجئين والنازحين السوريين، ويفتح المجال لموجة جديدة.

من الممكن أن يواجه الأردن مقاومة شرسة من قبل الجيش السوري وحلفائه، خاصة إيران و”حزب الله” اللبناني، اللذين يسعيان إلى تعزيز نفوذهما في جنوب سوريا، ومن غير المؤكد أن ينتهي التدخل العسكري بإنهاء سيطرة إيران على جنوب سوريا، لأن إيران لديها مصالح استراتيجية في البلاد، ولأنها تمتلك قدرة على التخفي والتكيف والتحالف مع مختلف الفصائل المحلية.

إلا أنه بتقديرات معلوف، يوجد توجه دولي وتحالف إقليمي يدعم التدخل العسكري المحتمل في جنوب سوريا، لا سيما من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وبعض الدول الأوروبية، إذا كان يهدف إلى الحدّ من النفوذ الإيراني والروسي في سوريا، وإلى دعم المعارضة السورية والمجتمع المدني.

تقييمات المحللين بشأن احتمالية نجاح أي تدخل عسكري من جانب الأردن في تحقيق أهدافه تختلف باختلاف تحديد الأهداف والمعايير، الأردن لديه قدرة عسكرية وسياسية ودبلوماسية عالية، ويمكنه تنفيذ عملية عسكرية محدودة وموجهة في جنوب سوريا، بالتنسيق مع حلفائه الدوليين والإقليميين، و بالحفاظ على العلاقات الجيدة مع روسيا وإسرائيل، وبالاستفادة من الدعم الشعبي السوري، إلا أنه يواجه تحديات ومخاطر كبيرة، ولا يمكنه تحقيق أهداف استراتيجية بدون تعرّض لردود فعل عنيفة من قبل الجيش السوري وحلفائه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات