لا تزال الاشتباكات التي اندلعت فجر الأربعاء بين القوات الحكومية و”قوات الدفاع الوطني” التابعة لها في مدينة الحسكة مستمرة بشكل متقطع. وبحسب مصادر محلية فإن أصوات انفجارات قوية تُسمع من منطقة الاشتباك ضمن المربع الأمني وسط المدينة، إذ يبدو أن المرحلة الأخيرة من اقتحام منزل قائد ميليشيا “الدفاع الوطني” قد بدأت، لا سيما بعد سيطرة قوات دمشق على كامل المنطقة المحيطة بمنزله.

هذه الاشتباكات تأتي بعد قيام دمشق بعزل حمو والسيطرة على عدد من مقرات “الدفاع الوطني” في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا. ولا شك أن هناك أسبابا وراء اندلاع هذه التوترات بين القوات الحكومية وميليشياتها، ولعل أبرزها عدم خضوع حمو للأوامر الصادرة بعزله وترحيله إلى خارج الحسكة.

إضافة إلى أن دمشق تحاول كسب دعم وتأييد العشائر العربية في المنطقة، وبقاء حمو في منصبه وداخل مدينة الحسكة أحد أبرز العوائق أمام هدف دمشق، خاصة بعد هجوم حمو وعناصره على أحد شيوخ عشيرة الجبور في آب/أغسطس الماضي، حيث اندلعت اشتباكات بينهما على إثر ذلك.

الحسكة.. اشتباكات عنيفة

منذ الأمس الأربعاء، والأخبار والفيديوهات المصورة تتوارد حول زيادة حدّة الاشتباكات ما بين القوات الحكومية وميليشيا “الدفاع الوطني”، وطبقا لمحتوى الفيديوهات تتصاعد أعمدة الدخان وألسنة النيران فوق المقرات والمباني الحكومية في الحسكة، جرّاء تبادل إطلاق النار بين الطرفين، فضلا عن سماع أصوات انفجارات، وسط حركة نزوح كبيرة للأهالي وإغلاق كافة الدوائر والمؤسسات الحكومية وتعليق مؤقت للدوام المدرسي والكليات الجامعية الحكومية، بحسب المصادر المحلية.

بحسب المصادر المحلية أيضا، ونقلا عن الصحفي المقيم في الحسكة، جيندار عبدالقادر، فقد اندلعت هذه التوترات الأمنية بعد نحو 24 ساعة من زيارة وفد روسي للمربع الأمني، التقى خلاله قيادات عسكرية للقوات الحكومية. كما أدت هذه الاشتباكات إلى نزوح بعض العائلات في منطقة الفرن الآلي بحي المحطة باتجاه حي المطار “حارة النوامس”.

التوترات حدثت في أحياء المحطة والقضاة ومساكن “حديقة تشرين”، وازدادت حدتها فجر الأربعاء عندما استقدمت القوات الحكومية الدبابات والآليات الثقيلة لدعم قواتها المنتشرة في المدينة، وسقطت قذائف وأعيرة نارية على المباني السكنية في محيط المنطقة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، بينهم امرأة ومُسن.

متزعم ميليشيا “الدفاع الوطني” وبعض عناصره يحتمون بمنزل حمو الواقع بالقرب من “حديقة تشرين” وفرع أمن الدولة في حي المحطة، وسط تطويق قوات دمشق مكان تواجدهم بالدبابات والمدرعات والمئات من عناصرها، وإصرارها على قتل حمو أو اعتقاله، بحسب مصادر عسكرية.

القوات الحكومية وميليشيا “الدفاع الوطني” يسيطرون على مركز مدينة الحسكة وفوج الطلائع العسكري، فضلا عن كافة المؤسسات الحكومية، بينما تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، على باقي المناطق بالمدينة وأريافها.

خلال شهر آب/أغسطس الماضي، شهدت المدينة توترات أمنية بين قبيلة الجبور العربية وقائد “الدفاع الوطني”، عقب اعتداء قائدها على ابن شقيق شيخ القبيلة عبد العزيز المسلط، وطالبت الأخيرة بضرورة محاسبة حمو وطرده خارج المدينة، وتدخلت القوات الروسية مع مسؤولين حكوميين من دمشق، لإبعاده إلى العاصمة، لكن حمو لم ينصاع للأمر.

لكن مصادر أمنية خاصة أكدت لـ”الحل نت” أن دمشق وجدت بعد الاجتماع مع الجانب الروسي أن وجود حمو في منصبه سيشكل عائقا أمام ما تطمع إليه وهو نيل دعم وثقة القبائل العربية في المنطقة، خاصة بعد التوترات الأخيرة التي حدثت في دير الزور، حيث بدا واضحا آنذاك أن دمشق تستغل العشائر العربية وتستثمرها من أجل إضعاف وجود قوات “قسد” ومن ثم الأميركيين في المنطقة، وهو الهدف الذي طالما سعت إليه دمشق وحلفاؤها؛ روسيا وإيران في المنطقة.

بالتالي، أصدرت دمشق يوم الأربعاء الماضي، قرارا بعزل قائد ميليشيا “الدفاع الوطني” المدعوم من ميليشيا إيران، كما سيطرت على كامل مقار تلك الميليشيا، فضلا عن الإقرار بإعادة هيكلة “الدفاع الوطني” على أن تتبع قيادتها بشكل مباشر للقوات الحكومية في الحسكة بإشراف اللواء منذر سعد إبراهيم، وتعيين العقيد سمير إسماعيل مسؤولا عنها، واتهمت حمو بالاتجار بالمخدرات والسلاح. حيث سبق وأن أعلن محافظ الحسكة لؤي صيوح، في وقتٍ سابق، عزل حمو من منصبه، وتعيين المدعو يوسف حماد، خلفا له، لكن حمو رفض.

ما علاقة علي مملوك؟

في غضون ذلك، ظهر قائد الميليشيا عبد القادر حمو في تسجيل شريط مصور نُشر على صفحات وحسابات مؤيديه، يقول فيه إن كبار المسؤولين في الحكومة السورية طلبوا منه دفع 3 ملايين دولار لتسوية وضعه ومجموعته الأمنية.

حمو اتهم قيادات أمنية ورسمية حكومية بتلقي رشاوى مالية وصلت لـ500 ألف دولار خلال الفترات السابقة، واتهم تحديدا علي مملوك مدير “مكتب الأمن القومي السوري”، بطلب مبلغ يصل إلى 3 ملايين من أجل تسوية وضعه وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل التوتر.

كذلك طالب حمو عناصره باستهداف قوات دمشق حتى استعادة المقرات التي سيطرت عليها الأخيرة قائلا “اعتبروا الدولة عدوا لكم”، وفق حديثه في الفيديو.

كما نشرت قوات “الدفاع الوطني” على صفحتها الرسمية على منصة “فيسبوك” بيانا رسميا اتهمت فيه مجموعة من ضباط الجيش السوري بإصدار تعليمات بمهاجمتها، “بعد أن قامت قواتنا بفضح تصرفات هؤلاء الضباط الذين يعملون في تجارة المخدرات والسلاح”، وفق البيان.

هذه الميليشيات المشهورة بممارساتها وتجاوزاتها بحق السكان، بما في ذلك سرقة ممتلكاتهم والاستيلاء عليها والاعتداءات المختلفة، ناشدت من خلال بيانها الرئيس السوري بشار الأسد بالتدخل لوضع حد لهذه الاشتباكات قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، وشددت على عدم السماح لأي جهة كانت بتوقيف قائد قواتهم عبد القادر حمو تحت أي ذريعة كانت، ورفض جميع الاتهامات الموجهة له، طبقا للبيان.

من جانب آخر، أسفرت الاشتباكات الأخيرة في الحسكة عن مقتل ضابط في صفوف قوات دمشق، حيث شيّع سكان في المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق بالحسكة، جثمان عبد الرحمن سعيد الحاج، وهو ضابط في القوات الحكومية وينحدر من الجنوب السوري، حيث قُتل في اشتباكات يوم أمس الأربعاء.

فيما رصد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، مقتل عنصر من قوات الحكومة، وإصابة 4 آخرون من عناصر الشرطة التابعة لها، فضلا عن إصابة نحو 7 مدنيين بينهم سيدة ومُسن، حيث جرى إسعافهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، بينما لا تزال الاشتباكات تدور بشكل متقطع بين الطرفين بعد محاصرة مقر قائد ميليشيا “الدفاع الوطني”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات