تقرير لصحيفة محلية ذكر أن الأسواق السورية لا تعاني من تراجع الإنتاج الزراعي أو السلع بشكل عام، بل تكمن المعضلة في ضعف القدرة الشرائية وقلّة الطلب، أي أن فجوة ضعف القوة الشرائية آخذة بالاتساع، وهو ما سيحمل معه عواقب سلبية فيما بعد.

في سياق متّصل، كتب الممثل السوري قاسم ملحو قبل أيام على صفحته الشخصية على منصة “الفيسبوك“، منشورا أشار فيه إلى نفس المشكلة وسوء الأوضاع المعيشية، فتفاعل معه رواد مواقع التواصل الاجتماعي ولفتوا إلى أن كل شيء متوفر في البلد ولكن ذلك يتطلب وجود رواتب ومداخيل جيدة وليس كما هو الحال البائس في سوريا.

مَن يشتري؟

وسط الأزمات المتتالية التي تعصف بالبلاد، وعجز الحكومة السورية عن توفير أبسط مقومات العيش، من الكهرباء والمياه والمحروقات، يعيش القطاع الزراعي اليوم أمام خيارات وتحديات صعبة، تقف حجر عثرة أمام نهوضها وتطويرها خاصة أمام الارتفاعات القياسية بالتكاليف المتزايدة للمستلزمات الزراعية من تأمين أسمدة وبذور وأدوات زراعية ومحروقات، والتي تزداد يوما بعد يوم.

مما جعل الفلاح يعاني من أمرين أحلاهما مرّ، إما بيع إنتاجه دون التكلفة وخسارة الإنتاج والتعب، وإما تصدير منتجاته بما يضمن تحصيل تكاليفه والحصول على أرباح تسد حاجته قدر الإمكان، وفق تقرير لصحيفة “البعث” المحلية يوم أمس الثلاثاء.

اللافت أن ما يُربك الزراعة اليوم حسب مراقبي الاقتصاد، هو عدم استثمار الموارد الزراعية بالشكل المناسب، فالمساحات موجودة، والموارد متوفرة، لكن دون الاستفادة من تشغيلها بالشكل الأمثل، حتى أصبحت تكاليفها المرهقة تشق على المزارع ما ينتجه، وهذه المسؤولية تقع على عاتق “وزارة الزراعة السورية”، التي لا تدعم القطاع الزراعي بالشكل الكافي، حتى بات يعاني من معضلات جمّة.

رغم ذلك فإن السلع الغذائية والفواكه والخضروات موجودة بكميات وفيرة في الأسواق السورية، إلا أن الطلب عليها ليس كبيرا، كما أن أغلب المستهلكين لجميع هذه السلع وخاصة الغالية الثمن، هم من طبقة الأثرياء الذين يشكلون نسبة قليلة من السكان، بينما بقية المواطنين الذين يشكلون النسبة الأكبر في سوريا، هم في مواجهة الغلاء اليومي للسلع، حتى باتوا يشترون الخضار والفواكه بـ”الحبة” والأوقيات.

مؤخرا، كتب الممثل السوري قاسم ملحو تدوينة قال فيها “مشكلة هذا البلد.. يعني بلدنا، فيها كلشي بدك اياه مو متوفر ولا متاح بس ع الخاص”. وتفاعل معه المتابعون واعتبروا أن كل شيء؛ من سلع غذائية وخضروات وفواكه وحتى أحلى أنواع الدخان والملابس السيارات الحديثة والهواتف المحمولة وإن كانت مهربة موجود.

لكن مَن يستطيع شراء تلك السلع يحتاج إلى دخل مالي جيد يقارب الألف دولار، في حين أن راتب المواطن السوري المعتر يبلغ حوالي 17 دولارا، وبالتالي فإن من يعيش فعلا في سوريا ويتبضّع ويشتري كل ما يرغب به هو من الطبقة الغنية، من التجار والمتنفذين وقبيلهم.

المتابعون علّقوا بالقول “بالعكس كل شي موجود وحتى لبن العصفور بيحضر بس بدك مااااال… مشكلتنا كلياتنا منعرفها بس عاملين حالنا مالنا عرفانين شوفو لوين وصلنا ورقصي يا بهيه.. مشكلة بلدنا شخص واحد بس انا وانت والله وكل السوريين بيعرفوه .. وشكرا”.

تراجع في المنتجات الزراعية

 في المقابل ثمة تراجع في المنتجات الزراعية من الخضار والفواكه والحمضيات والزيتون مقارنة بالأعوام السابقة، وذلك نتيجة ارتفاع التكاليف الإنتاجية، وتراجع المساحات المزروعة ورفع الأسعار إلى أكثر من قدرة المواطنين الشرائية.

رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين محمد الخليف، أكد من جانبه للصحيفة المحلية أن الفلاح اليوم باتت ترهقه التكاليف المرتفعة بتأمين المستلزمات الزراعية وارتفاع أسعارها مع نقص في أعداد الآليات الزراعية، مما يجعلها معوّقات وصعوبات تعترض تنفيذ الخطة الزراعية.

كما وشدد على ضرورة تقديم الحكومة الدعم المادي واللوجستي للمزارع وتزويده بمستلزمات الإنتاج، وتأمين الأدوية والمبيدات الزراعية والبيطرية والأسمدة بأسعار مناسبة تراعي أوضاع المزارعين، ومساعدتهم بتصريف منتجاتهم منعا لاستغلالهم من قِبل التجار والجهات الوسيطة.

الخبير الاقتصادي جورج خزام، من وجهة نظره اعتبر أن السبيل الوحيد لدعم الزراعة واستمرار الإنتاج، هو توفير الأسواق الخارجية من خلال باب التصدير، لأن أسوأ نتيجة كارثية اليوم أمام المزارع هي ارتفاع أسعار المحروقات والسماد والأدوية الزراعية وارتفاع سعر صرف الدولار، خاصة أن أغلب المنتجات الوطنية الزراعية وغيرها أصبحت تكلفة إنتاجها كبيرة جدا وخارج القدرة الشرائية لفئة واسعة من المواطنين.

خزام، أوضح أن الإنتاج الزراعي المحلي لا يعاني من تراجع، إنما يعاني من تراجع الطلب، ففي ظل هذا الارتفاع بالكلفة لا يمكن للمزارعين التوسع بزراعة منتجات زراعية، كونه لا يوجد عليها طلب كافي، لأنه في حال توقف التصدير، فالزراعة ستشهد مغامرة ومخاطرة من تراجع الأسعار لأقل من التكلفة وهو ما يجعلنا أمام أمرين؛ الأول هو إما السماح بتصدير جميع المنتجات الزراعية من أجل تشجيع المزارعين على الزراعة، لأن هنالك ضعف بالطلب الداخلي بسبب تراجع القوة الشرائية للرواتب الضعيفة.

أو الخيار الثاني المتمثل بإغلاق باب التصدير، وإلزام المزارعين بالبيع بأقل من تكاليف الإنتاج لتأمين منتجات رخيصة للمواطنين، والنتيجة هي تلبية حاجة الطعام وتوفر المنتجات يعني “إطعام الشعب نفسه بنفسه”، وهنا تكبيدٌ للمزارعين بخسائر فادحة، وتكون نتيجتها هجرة الأرض وعدم تكرار الزراعة وزيادة البطالة وتهديد الأمن الغذائي.

الموز حلم الفقراء

لطالما كانت فاكهة الموز حلما يراود عددا كبيرا من السوريين في الداخل، أي عندما كان سعر الكيلوغرام الواحد يقارب 40 ليرة سورية قبل الحرب، لم يكن بمقدور العائلات السورية شراؤه، وكان حاضرا فقط في احتفالات رأس السنة، أما اليوم ومع تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع سعرها إلى نحو 80 ألف ليرة، فإن هذه الفاكهة التي كانت حلما للمواطنين، ستظل كذلك ومقتصرا على الطبقة الغنية.

اللافت أن أسعار كافة الفواكه، وخاصة الحمضيات، تبدأ بأرقام مرتفعة. على سبيل المثال، “صالات التجارة السورية” في محافظة طرطوس، بدأت بتسويق الحمضيات بدأً بسعر 2000 ليرة للكيلو الواحد، رغم أن الحمضيات كان من المفترض أن تكون رخيصة الثمن في هذه المحافظة الساحلية بسبب شهرتها بزراعتها، وهكذا تصبح الفواكه من المنسيات لنسبة كبيرة من السوريين.

يبدو من أسعار الأسواق، أن “حدوتة”  الموز والحمضيات هذا العام لن تختلف عن السنوات السابقة، ومضت معها مواسم من الحمضيات افترشت الأراضي لإطعام المواشي وكانت ضيفا ثقيلا على الموائد في الوقت ذاته، في حين كان الموز المستورد يتصدّر السيارات الجوّالة و صالات التدخل الإيجابي ورفوف البقاليات، وفق تقرير آخر لصحيفة “البعث” المحلية يوم الإثنين الماضي.

إذ بدأ السيناريو هذا العام ككل عام بتواجد خجول للموز المهرّب بحسب التجار وبأسعار بدأت بـ 50 ألفا للكيلوغرام، ووصلت لـ 80 ألفا في محال أخرى،، ليُحدث تواجده بهذا السعر، وفي هذا الوقت، ضجة من قبل المواطنين الذين يعانون من تأمين أبسط مقومات العيش.

إلى جانب ذلك بدأت صفحات التواصل الاجتماعي تُنبئ باستعداد الجهات المعنية بعد حين، وفي فترة طرح الحمضيات في الأسواق المحلية، باستيراد كميات من الموز تغطي حاجة السوق المحلي وبأسعار تتنافس مع أسعار الحمضيات لترجّح في النهاية كفة الموز على الحمضيات كونه مرغوبا للأطفال بشكل أكبر، في حين تبقى معضلة الحمضيات عصيّة عن الحل من قبل الفريق الزراعي المختص.

المدهش في هذا الأمر ورغم وجود الموز المهرّب في الأسواق وعلى مرأى الجميع، إلا أن المسؤول الإعلامي في سوق الهال، أسامة زيد، نفى في حديثه للصحيفة المحلية وجود الموز المهرّب في السوق السورية، مشيرا إلى أن جميع الأنواع الموجودة في الفترة الحالية هي من منطقة طرطوس إلا أن الكميات المطروحة والمنتجة قليلة بالتالي يرتفع سعرها.

لكن عبد الرحمن قرنفلة، المستشار الفني في غرفة الزراعة، أكد أن أغلب أصناف الموز الموجودة في السوق حاليا مصدرها التهريب، فالموز المزروع في طرطوس ليس الصنف الوحيد الموجود في السوق، رغم أن المناخ في منطقة الساحل مناسب جدا للتوسع بهذه الزراعة.

قرنفلة، استغرب من حالة الاستياء التي تسود بين المواطنين من ارتفاع سعره حاليا في الوقت الذي لا تعتبر هذه الفاكهة من المواد الغذائية الضرورية باستثناء بعض المرضى الذين تستلزم حالاتهم وجود الموز بغذائهم. بمعنى أن المسؤول الحكومي يريد القول بأنه على المواطن السوري شراء الحاجات الضرورية فقط والابتعاد عن كل ما هو “مرفّه”، أي أن الفواكه والخضار بالنسبة للحكومة السورية من “الكماليات”.

نسبة كبيرة من السوريين لم يعُد بمقدورهم شراء الفواكه، خاصة تلك التي تُعتبر غالية السعر بالنسبة لهم، مثل الموز والتفاح، في حين امتنعت نسبة كبيرة من العائلات السورية عن شراء الفواكه بشكل عام، وخاصة الموز الذي يُعتبر من الفواكه الغالية في سوريا، ولذلك يبدو أن هذه الفاكهة ستبقى بعيدة عن موائد السوريين طالما الواقع المعيشي في تدهور مستمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات