منذ عدة سنوات، شهدت سوريا تحولات اقتصادية درامية تركت آثارا واضحة على حياة المواطنين السوريين، حيث فقدت الليرة السورية أكثر من 100 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ بداية عام 2011.

في الآونة الأخيرة، كشف البنك “المركزي” السوري عن معلومة مثيرة ومقلقة في الوقت نفسه، حيث أعلن عن وجود “سلاح سري” يهدف إلى كبح انهيار الليرة السورية، وهذا الإعلان له أهمية خاصة وتأثيرات كبيرة على مستقبل الاقتصاد السوري والسكان الذين يعيشون في ظروف صعبة.

ما يزيد من تعقيد الأمور هو أن هذه الدراسة الجديدة التي نشرها البنك “المركزي” لم تتناول فقط الأسباب المحلية لانهيار الليرة، بل أيضا التأثيرات الخارجية والمتغيرات الاقتصادية العالمية، وهذا يُظهر لنا أن الأمور ليست بسيطة على الإطلاق، وأن هناك عوامل كبيرة تتداخل لتشكل المشهد الاقتصادي في سوريا.

خطة معكوسة

البنك “المركزي” السوري نشر دراسة حديثة أمس الخميس، تتناول قضية انهيار الليرة السورية وتحليل جنون أسعار الصرف في سوريا، لكن المثير في هذا الإعلان هو أن “المركزي” قرر التركيز على الجوانب الدولية والتطورات الاقتصادية العالمية بدلا من التركيز على القضايا المحلية للاقتصاد.

ارتفاع سعر الدولار الأميركي على الصعيدين العالمي والمحلي خلال العام الماضي بالنسبة لتحليلات “المركزي” السوري قد تسبب في تدهور الليرة السورية وتصاعد التضخم، وهذا التقهقر الاقتصادي يثير قلقا كبيرا، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التكاليف للمواطنين.

الورقة الصادرة عن صندوق “النقد” الدولي والتي اعتمدها عليها البنك “المركزي” في دراسته تشير إلى أهمية دعم أنظمة أسعار الصرف المرنة وتعزيز الأسواق المالية المحلية، وهذه الخطوات يمكن أن تخفف من حساسية الاقتراض المحلي لسعر الصرف وتساعد في تحسين الاستقرار الاقتصادي.

أيضا خلصت دراسة “المركزي” السوري إلى أن الالتزامات طويلة الأجل لتحسين الأطر المالية والنقدية تلعب دورا مهما في تثبيت توقعات التضخم وضمان توازن مستدام، وهذا يتضمن التركيز على تنفيذ سياسات مالية ونقدية متوازنة وتعزيز التواصل الفعّال بين الجهات المعنية.

الورقة التي صدرت تشير إلى إمكانية مساعدة اقتصادات الأسواق الصاعدة التي تواجه تحديات مالية صعبة، فمن خلال اتخاذ تدابير احترازية شاملة وإدارة تدفقات الأموال بعناية، يمكن تقليل التأثيرات السلبية التي تتجاوز الحدود وتؤثر على اقتصادات متنوعة.

ترشيد الاستيراد.. ضربة للتجار

دراسة “المركزي” السوري سلطت الضوء على أهمية معالجة الأسباب الجذرية وراء انخفاض سعر صرف الليرة السورية، حيث يعتبر “المركزي” أن الحل لهذه المشكلة يكمن أساسا في تعزيز الإنتاج والتحكم في الاستيراد بجانب دعم التصدير والاستثمار، واستغلال الموارد المحلية، وهذه الخطوات الأساسية يمكنها أن ترفع مستوى الدخل الحقيقي وتحقق الاكتفاء الذاتي.

كما تطرقت إلى تعزيز الاستقلالية وتعزيز التواصل مع المؤسسات الاقتصادية والاستثمارية وعناصر السوق المحلية، وهذا الأمر لا بد منه قبل الشروع في تطبيق أنظمة سعر صرف جديدة، حيث إن هذه الخطوات تأتي كجزء من تحسين توقعات التضخم وتحقيق استقرار اقتصادي.

ارتفاع سعر الدولار الأميركي بنسبة 10 بالمئة في اقتصادات الأسواق الناشئة، والذي يتعلق بأوضاع الأسواق المالية العالمية، قد أثر بشكل سلبي على الناتج الاقتصادي بنسبة 1.9 بالمئة في غضون عام واحد، واستمر هذا التأثير لمدة عامين ونصف، وهذا الأمر تم التوصل إليه من خلال ورقة صندوق “النقد” الدولي.

في دراسته، عمد “المركزي” إلى ذكر أن الاقتصادات الناشئة التي تتمتع بتوقعات تضخمية ثابتة أو أنظمة سعر صرف مرنة تكون أكثر تحملا للظروف الاقتصادية الصعبة، وذلك لأن التوقعات المستقرة للتضخم تشجع على تطبيق سياسات نقدية أكثر حرية ومرونة.

قيمة الليرة خلال 2024

ما يثير الدهشة هو عدم تطرق المركزي للحلول أو بشأن حجم الأموال التي تجمعها الحكومة يوميا، حيث هناك تقديرات تشير إلى أرقام تفوق 40 مليار ليرة يوميا، وهذا يزيد من حيرة الاقتصاديين حول إدارة الموارد وتوجيهها بطريقة تعزز من الاستقرار الاقتصادي.

مع قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية، نهاية آب/أغسطس الفائت، عن زيادة جديدة لأسعار بعض أنواع المحروقات، في رفع هو الثاني خلال آب/أغسطس الحالي، هوت الليرة السورية أمام الدولار في دمشق، بمقدار 800 ليرة خلال الساعات الماضية أي بنسبة تقارب 2.90 بالمئة. 

أزمة انهيار قيمة الليرة السورية هي أزمة خطيرة تؤثر على حياة المواطنين والمجتمع في سوريا بشكل مباشر وغير مباشر. وبعض الآثار السلبية التي تنتج عن هذه الأزمة هي ارتفاع معدل التضخم والتشغيل، وانخفاض مستوى المعيشة والقدرة الشرائية للسوريين، وزيادة نسبة الفقر والجوع والمرض.

الاقتصاد السوري يعاني من الانهيار والفوضى بسبب الصراع المستمر والفساد، ووفقا لـ”البنك الدولي”، تراجع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 3.1 بالمئة في عام 2022، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 4.6 بالمئة في عام 2023، كما ارتفع معدل التضخم من 105 بالمئة في عام 2020 إلى 200 بالمئة في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 250 بالمئة في عام 2023. 

عودة الليرة السورية إلى سابق عهدها هي مسألة تعكس تعقيدات كبيرة في السياق الاقتصادي والسياسي، وطبقا للتقارير وتحليلات الخبراء الاقتصاديين فإن الليرة بحلول العام القادم ستفقد قيمتها بنسبة 100 بالمئة وفقا لأسعار تصريفها الحالية، وسيكون لهذا الأمر تداعيات على المستوى الداخلي والإقليمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات