لا يمكن تجاهل الأثر الكبير الذي تخلّفه موجة ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته في الأسواق على ميزانيات الأُسر السورية، وعلى الاقتصاد العام أيضا، فلطالما اعتُبرت منتجات الألبان أساسية في الغذاء اليومي للعديد من الأشخاص، وهذا يعني أن أي تغيير في أسعارها يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياة الناس.

ما يجعل هذا الموضوع أكثر تعقيدا، هو تواجد مشتقات الألبان المعالجة بالدهن النباتي في الأسواق، وفي حين يعتبرها البعض حلّا مؤقتا لارتفاع الأسعار، إلا أنها خدعة تسويقية بالنسبة للكثيرين، والسبب واضح؛ تقديم منتجات تحتوي على نسبة أقل من الحليب الحقيقي بأسعار أقل، وهذا يجذب العديد من الأشخاص الذين يسعون للتوفير.

 بديل صحي أم ضار؟

خلال الشهر الماضي، شهدت الأسواق السورية موجة ارتفاعات متتالية في أسعار الحليب ومشتقاته، حيث سعر كيلو الحليب في الورشات يتراوح بين 6200 و 6400 ليرة سورية، بينما يصل إلى حوالي 7 آلاف ليرة في المحلات، وليس ذلك فقط، بل بلغ سعر كيلو اللبن المصفى بين 26 و 28 ألف ليرة، واللبن الرائب ب 7500 ليرة، والجبنة البلدية بـ 35 ألف ليرة، والجبنة المبسترة بين 40 و 45 ألف ليرة.

في تصريح لموقع “غلوبال نيوز” المحلي، أكد محي الدين الشعار، رئيس الجمعية الحرفية للألبان والأجبان في دمشق، أمس الخميس، أن العرض والطلب يلعبان دورا حاسما في التحكم بالأسعار، حيث تشتري المعامل الكبيرة كميات هائلة من الحليب من السوق بواقع 40 طنا ويتحكمون بأسعارها.

بينما تستهلك الورشات الصغيرة ما بين 1 و 1.5 طن يوميا، مما يجعل المجموع اليومي بين 25 و 30 طنا يوميا تقريبا، وهذا يشمل حوالي 200 ورشة تختص بإنتاج الأجبان والألبان.

من ناحية أخرى، لم ينفِ الشعار، قيام الورشات بعرض منتجات من الألبان والأجبان المعالجة بالدهن النباتي، وهذه المنتجات مرخّصة ومصرّح بها، مثل الحلويات والبوظة المصنّعة بالسمن النباتي، وميزتها أن أسعارها أقل من تلك المصنّعة بالكامل من الحليب.

ما أدى لذلك، هي الضريبة المالية التي يدفعها أصحاب الورشات الصغيرة سنويا حيث زادت بشكل كبير، وهذا يزيد من التكاليف على هؤلاء الأشخاص، إذ تتراوح هذه الضريبة سنويا بين مليوني ليرة للورشات الصغيرة وتصل إلى نحو 18 مليون ليرة سنويا، ما يعادل مليون ونصف المليون ليرة شهريا.

بديل مستدام للألبان الحيوانية

مشتقات الألبان المعالجة بالدهن النباتي هي منتجات تحتوي على نسبة من الدهن النباتي بدلا من الدهن الحيواني، وهي تستخدم كبديل أرخص وأسهل للألبان الحيوانية، وبحسب هيئة الغذاء والدواء السورية التي رخّصت هذه المنتجات، فإنها لا تؤثر على القيمة الغذائية والصحية للمستهلكين، وتحتوي على نفس العناصر الغذائية كالبروتين والكالسيوم والفيتامينات.

مع ذلك، قد يكون هناك بعض الجدل حول مدى استدامة وملاءمة هذه المنتجات كبديل للألبان الحيوانية، فبعض الخبراء ينصحون بتجنب المنتجات التي تحتوي على الدهن النباتي، لأنها قد تحتوي على سكريات مضافة أو مواد حافظة أو ملوثات. 

كما أن بعض الأنواع من الدهن النباتي قد تكون مشبعة أو مهدرجة، وهذا يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وبالإضافة إلى ذلك، قد يكون لهذه المنتجات تأثير سلبي على البيئة، لأن إنتاج الدهن النباتي يستهلك موارد طبيعية ويسبب انبعاثات غازات الدفيئة.

الدكتور معن الشويفات، أوضح لـ”الحل نت”، أن مشتقات الألبان المعالجة بالدهن النباتي تحتوي على نسبة أقل من الدهن الحيواني، وبالتالي تحتوي على نسبة أقل من الكولسترول والدهون المشبعة، وهذا قد يكون مفيدا للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.

إلا أن مشتقات الألبان المعالجة بالدهن النباتي تحتوي على نسبة أقل من البروتين والكالسيوم والفيتامينات، وهذا قد يؤدي إلى نقص في بعض العناصر الغذائية الضرورية للجسم، خاصة للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات وكبار السن، بالإضافة لذلك، فقد تحتوي على بعض المواد الضارة أو الملوثات، مثل السكريات المضافة أو المواد الحافظة أو الهرمونات أو المعادن الثقيلة، وهذا قد يسبب بعض الأضرار الصحية، مثل السمنة أو الحساسية أو السرطان أو التسمم.

الإنتاج التصديري يتحكم بالأسعار

حالة الحليب والتحول نحو التصنيع بالدهن النباتي ليست جديدة على السوريين، فمنذ مدة ليست بعيدة حالة غريبة تحدث في الأسواق السورية، وهي أن هناك ارتفاع غير منطقي في الأسعار بسوريا مقارنة بدول الجوار وبعض الدول الأخرى، حيث إن أسعار العديد من السلع، وخاصة المواد الغذائية الأساسية، هي الأغلى في سوريا مقارنة بلبنان أو الأردن أو العراق.

بعض التجار يعزون ذلك إلى الإنتاج التصديري الذي يهدف إلى تصدير السلع والخدمات إلى الأسواق الخارجية، والذي يزيد من العرض الإجمالي للسلع والخدمات في السوق العالمي، وهذا يؤدي إلى رفع  الأسعار على المستوى المحلي، ويزيد من القدرة التنافسية للمنتجات المصدرة.

نتيجة اتباع التجار السوريين لذلك، فإن الملفت والمؤسف في نفس الوقت في هذه المفارقة هو أنه حتى المنتجات السورية في الدول المجاورة تُباع بأسعار أقل مما هي عليه في دمشق، ونشر أحد الناشطين الإعلاميين في لبنان مقطعا ترويجيا عبر منصات التواصل الاجتماعي لمعرض “صُنع في سوريا” المقام في لبنان، وتبين أن أسعار المنتجات السورية أقل من تلك التي تُباع في سوريا.

في وقت سابق اعتبرت “جمعية حماية المستهلك السورية” أن أسعار المواد في الدول المجاورة أرخص من الأسواق السورية، وهذا يعود لوجود السوق السوداء الموازية لمؤسسات “السورية للتجارة”، والاحتكار الموجود وخاصة المواد الاستراتيجية من سكر وزيت وأرز.

أسعار المواد في الدول المجاورة أرخص من أسعارها في الأسواق المحلية، بسبب عدم قيام “المؤسسة السورية للتجارة” بدورها بالتدخل الإيجابي، فالأسعار في “صالات السورية” تعتبر مرتفعة أو موازية لأسعار السوق ولم يُرَ انخفاضا بأسعارها عن السوق بنسبة 10 أو 20 بالمئة كما صرّح القائمون عليها.

هذا الأمر بحسب الخبراء، هو نتيجة طبيعية لعدم فتح الحكومة باب الاستيراد لمن يرغب وخصوصا المواد الأساسية والضرورية، ونسبة كبيرة من المواد المتوفرة في السوق أغلى من دول الجوار، وبدون فتح باب الاستيراد أمام جميع التجار وعدم حصرها بأشخاص محددين، التابعين بشكل غير مباشر لمسؤولين كبار بالحكومة، لن يتراجع هذا الفارق الموجود بين سوريا والدول المجاورة.

يبدو أن حكومة دمشق، غير قادرة على تنفيذ وعودها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية بأسعار مدعومة، حيث فشلت “وزارة التموين السورية”، في ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، وذلك تزامنا مع الارتفاع المستمر بأسعار المواد النفطية، والتكاليف التشغيلية على المنتجين، فضلا عن الانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية، واستمرار استغلال وتلاعب التجار بالسلع من كل حدبٍ وصوب، وهو ما سيحمل معه آثارا سلبية جمّة على الوضع المعيشي خلال الفترة المقبِلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات