مع تصاعد التحديات الاقتصادية في سوريا وتذبذب سعر الصرف للعملات الأجنبية، أصبحت قضايا الأسعار والتجارة محور اهتمام المواطن قبل التاجر، وفي السياق الحالي، هناك تقارير تفيد بأن بعض تجار الخضار والفواكه في سوريا يختارون بيع منتجاتهم بعد الساعة الـ 12 ظهرا، وذلك باعتبارهم يرون أن سعر الصرف ثابتا في تلك الفترة من اليوم، وبهذا يحاولون تفادي تأثير تقلبات العملات على أسعار منتجاتهم.

قضية تسعير الخضار والفواكه في الأسواق المحلية تعد من أهم القضايا التي تشغل بال السوريين في هذه الأيام، فمع تقلب سعر صرف العملات الأجنبية، يبحث الكثيرون عن طرق بديلة للحفاظ على استدامة معيشتهم، ومن هنا تأتي فكرة تسعير الخضار والفواكه بشكل مختلف.

الخضروات على طاولة السوريين.. بديل الدولار أم الدولار نفسه؟

هذا الموضوع يتناول ظاهرة جديدة وغير مألوفة في سوق الخضار والفواكه في دمشق، حيث يبرر بعض التجار بأنهم يشترون الخضار والفواكه بالدولار من المزارعين أو الموردين، ويبيعونها بالليرة للمستهلكين، وبالتالي فإن تقلبات سعر الصرف تؤثر على ربحهم أو خسارتهم.

ما يخطر بالبال عند سماع هذه التبريرات، هل هذا الادعاء صحيح أم مجرد حجة لرفع الأسعار والاستفادة من الوضع الاقتصادي الصعب، وما هي العوامل التي تحدد سعر الخضار والفواكه في السوق، وما هي الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة على المستهلكين والمنتجين والتجار.

رئيس لجنة سوق الهال في دمشق، موفق الطيار، نفى هذه الادعاءات مؤكدا أن هذا المفهوم لا يمت للواقع بصلة، وأن أي تجار يواجهون مشكلة مع أي شخص في السوق يمكنهم تقديم شكوى إلى النقابة لضمان محاسبة المسؤولين عن أي سلوك غير مشروع.

أحد بائعي الخضار في منطقة دمر البلد، ذكر لموقع “أثر برس” المحلي، أمس الأحد، أنه حين اشترى بضاعته من سوق الهال طلبوا منه أن ينتظر لغاية الساعة الـ 12 حتى يتم تسعير الخضار بعد ثبات سعر الصرف، علما أنها المرة الأولى التي تصادفه مثل هذه القصة.

لكن الطيار الذي نفى هذه الحادثة، بيّن أن الفواكه والخضار تخضع للعرض والطلب فعندما تكثر البضاعة يقل السعر وعندما تقل يرتفع سعرها، مدللا بذلك على البندورة بأن سعرها لم ينخفض عن الـ 4000 ليرة سورية؛ لأنها تتناسب مع كلفة إنتاجها، وإذا بيعت بأقل من ذلك فإن الفلاح خاسر حكما، والسبب في ذلك ثمن البذار والأسمدة ومصروف النقل.

خضار بالدولار.. بداية لارتفاع الأسعار؟

من الواضح أن ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه في دمشق يؤثر سلبا على جميع الأطراف المعنية، سواء كانوا مستهلكين أو منتجين أو تجارا، ولكن يمكن القول أن المتضرر الأكبر من هذا الارتفاع هو المواطن العادي، الذي يعاني من تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي.

فمن جهة، يواجه المواطن انخفاضا في قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، مما يزيد من تكلفة الواردات والمواد الأولية، ومن جهة أخرى، يواجه ارتفاعا في الأسعار العامة للسلع والخدمات، مما يؤثر على قدرته الشرائية ومستوى معيشته، وبالتالي، يضطر المواطن إلى التقشف والاقتصاد في استهلاكه من الخضار والفواكه، والتي تعتبر مصدرا غذائيا مهما.

هذا ما يؤكده بعض المواطنين الذين التقاهم “الحل نت”، حيث يشتكون من الغلاء الفاحش والممارسات والتجاوزات التي يقوم بها بعض التجار لاستغلال الوضع، فيقول أحدهم “الخضار والفواكه صارت بس للأغنياء، أنا بشتري بس الضروري واللي بيناسب جيبتي، وبحاول أوفر على عيلتي بطرق تانية”، فيما يقول آخر “المشكلة مو بس بالأسعار، المشكلة بالجودة والنظافة، الخضار والفواكه بتيجي ملوثة ومريضة ومنتهية الصلاحية، والتجار بيبيعوها بأسعار خيالية، وما حدا بيراقبهم”.

في هذا السياق، ينفي عضو لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه بدمشق أسامة قزيز، أن التصدير هو السبب الرئيس لارتفاع الأسعار، بل يعزوه إلى عوامل أخرى، مثل غلاء أسعار المحروقات والأسمدة، وتراجع قيمة الليرة السورية.

في المقابل، يرى المهندس عبد الرزاق حبزة، أمين سر جمعية حماية المستهلك، أن تشجيع الفلاح من خلال زيادة دعمه بحوامل الطاقة والمبيدات، واستخدام الطاقة البديلة الشمسية على المدى البعيد، لزيادة الإنتاج خلال السنوات المقبلة هو الحل، وإلا فإن الأسواق ستتعود على الدولرة.

لعبة بورصة

سوق الخضار والفواكه في دمشق هو سوق معقد ومتنوع، ويشارك فيه عدة أطراف، منها الفلاحون والموردون والتجار والمستهلكون، كل طرف له دور ومصالح وتأثير في تحديد الأسعار والكميات والجودة والتوزيع والتسويق، ولا يوجد طرف واحد يسيطر على السوق بشكل كامل، بل هناك تفاعل وتنافس وتعاون بين الأطراف المختلفة.

يمكن تلخيص الأدوار والمسؤوليات والتحديات التي تواجه كل طرف على النحو التالي، فالفلاحون هم المنتجون الأساسيون للخضار والفواكه، ويعتمدون على الأرض والمياه والمحروقات والأسمدة والمبيدات والبذور والعمالة؛ لكن يواجهون صعوبات في تأمين هذه المستلزمات، ويبيعون منتجاتهم إما مباشرة للمستهلكين أو للموردين أو للتجار، بالليرة أو الدولار، ويطالبون بزيادة الدعم والتنظيم والرقابة من قبل الحكومة والنقابات والمجتمع المدني.

أما الموردون، فهم الذين يقومون بشراء الخضار والفواكه من الفلاحين أو من الأسواق الخارجية وينقلونها إلى سوق الهال أو إلى التجار بالجملة أو بنصف الجملة، ويعتمدون على النقل والتخزين والتبريد والتعبئة والتغليف، وبسبب مواجهتهم لمشاكل في تأمين هذه الخدمات بسبب ارتفاع تكاليفها ونقصها، يبيعون منتجاتهم اعتمادا على سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار.

اللاعب الثالث، هم التجار الذين يقومون بشراء الخضار والفواكه من الموردين أو من سوق الهال ويبيعونها إلى المستهلكين بالمفرق أو للمطاعم والفنادق والمؤسسات، ويعتمدون على المحال والأسواق والتسويق والإعلان، إلا أنهم يواجهون اتهامات بالاحتكار والتلاعب والاستغلال والغش.

لذا، فلا يوجد طرف واحد يسيطر على تسعير الخضار والفواكه في دمشق، بل هناك تفاعل وتنافس بين عدة أطراف، منها الفلاحون والموردون والتجار والمستهلكون، وكل طرف له دور ومصالح وتأثير في تحديد الأسعار والكميات والجودة والتوزيع والتسويق، والمواطن هو الضحية الوحيدة في هذه البورصة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات