لطالما كانت السياسة والاقتصاد على صلة وثيقة ببعضهما البعض، ومن الواضح أن هذا الارتباط يتجسد بوضوح في الوقت الحالي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أن فنزويلا، التي كانت في السابق تحت الضوء الدولي بسبب أزمتها الاقتصادية والسياسية، أصبحت اليوم لاعبا رئيسيا في مسرح الأحداث في سوريا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ ما هي العلاقة بين فنزويلا وإيران في هذا السياق.

الحديث هنا عن التحالف الاستراتيجي بين إيران وفنزويلا وسوريا، والذي تجلى في توقيع مذكرة تفاهم لبناء مصفاة نفط في محافظة حمص السورية، بطاقة 140 ألف برميل يوميا، ويُعد هذا المشروع الذي يهدف للسيطرة على موارد النفط السورية، نوعا من التحدي للولايات المتحدة وحلفائها، الذين يفرضون عقوبات اقتصادية وسياسية على الدول الثلاث.

مذكرة تفاهم ثلاثية لإنشاء مصفاة

إيران كشفت عن خطط لبناء مصفاة نفط جديدة في محافظة حمص السورية بطاقة 140 ألف برميل يوميا في إطار مذكرة التفاهم الموقّعة مع دمشق وحكومة فنزويلا، وهنا تثير العديد من التساؤلات والتحليلات، هل هذه الاتفاقية هي مجرد خطوة تعاونية تقليدية بين الدول، أم أنها تحمل في طياتها أبعادا أكبر وتأثيرا أعمق على الوضع الإقليمي والدولي.

المدير العام للشركة “الوطنية الإيرانية” لتكرير وتوزيع النفط، جليل سالاري، ذكر لوكالة أنباء “فارس” التي تديرها الدولة الإيرانية، أنه تم التوقيع على مذكرة ثلاثية بين إيران وفنزويلا وسوريا، لبناء مصفاة جديدة بطاقة 140 ألف برميل في سوريا، الأسبوع الفائت.

الدراسات التي أجرتها طهران وجدت أن سوريا والدول المجاورة لها بحاجة إلى المنتجات النفطية، لذلك تم تحديد مصفاة بطاقة 140 ألف برميل بجانب المصفاتين السوريتين الموجودتين في حمص وبانياس، وستدخل الدول الثلاث قريبا مرحلة التمويل والبناء.

سالاري، أوضح أن مصفاة حمص الحالية تم إصلاحها على يد مهندسين إيرانيين خلال زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي في أيار/مايو الفائت، وأن الدراسات الخاصة بالمصفاة الجديدة أجراها فريق من شركة “النفط الوطنية” الإيرانية. 

النفط لسوريا وجيرانها

من المعلوم أن إيران لعبت دورا محوريا في مساعدة كل من سوريا وفنزويلا بالالتفاف على العقوبات الدولية، حيث قدمت لكلا البلدين المساعدة الفنية والمادية والعسكرية، من أجل توسيع نفوذها في هذه الدول.

في حزيران/يونيو الفائت، استأنفت كاراكاس العمل في مصفاة النفط “إل باليتو”، التي تخضع لأعمال إصلاح وتوسعة كبيرة كجزء من صفقة بقيمة 100 مليون يورو تم توقيعها في أيار/مايو 2022 مع شركة “النفط” الإيرانية، وتعمل الفِرق الفنية الإيرانية أيضا على ترميم أكبر مجمع لتكرير النفط في فنزويلا، وهو مركز تكرير “باراجوانا”، عبر الجمع بين الأجزاء والمعدات الصينية والإيرانية في مصفاة تم بناؤها في البداية باستخدام التكنولوجيا الأميركية.

ومن خلال بناء المصفاة الجديدة في حمص، ستهيمن إيران في زيادة مستويات إنتاجها من النفط السوري، حيث خسرت البلاد أكثر من 100 مليار دولار من الإيرادات منذ بداية عام 2011، فيما تخطط طهران لبيع النفط السوري للدول المجاورة كلبنان في المقام الأول، والأردن وتركيا ثانيا.

في سوريا يوجد حاليا ثلاث مصافي نفط، هي مصفاة حمص ومصفاة بانياس ومصفاة الفرات، وتبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية لهذه المصافي نحو 240 ألف برميل يوميا، ولكنها تعمل بنسبة 50 بالمئة فقط، فيما تعتمد الحكومة السورية على استيراد المشتقات النفطية من الخارج لتلبية احتياجاتها الداخلية.

كما أن نسبة استيراد المشتقات النفطية في سورية تتراوح بين 30 و40 بالمئة من الاستهلاك الوطني، وفقا لتقديرات مختلفة، وقد ارتفعت هذه النسبة في السنوات الأخيرة بسبب تراجع الإنتاج المحلي من النفط والغاز، حيث تعتمد دمشق على إيران وروسيا والعراق والجزائر، لتأمين احتياجاتها من المشتقات النفطية.

 الوجود الإيراني في سوريا آخذ في التوسع

إيران هي أحد أهم الحلفاء والداعمين لحكومة دمشق، وقد تدخلت في الحرب الأهلية السورية منذ بدايتها عام 2011، لحماية مصالحها الاستراتيجية والأيديولوجية في المنطقة، حيث رسّخت طهران وجودها في سوريا من خلال توظيف استراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية متعددة الأبعاد.

هذه الأبعاد شملت الدعم الدبلوماسي والمالي والتجاري والثقافي والديني، والتدخل العسكري المباشر وغير المباشر بواسطة قوات “فيلق القدس” التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وتشكيل وتدريب وتسليح وإرسال ميليشيات موالية لها من أفغانستان والعراق ولبنان واليمن وغيرها، وبناء قواعد ومراكز ومنشآت عسكرية واستخبارية ودينية واجتماعية في أنحاء مختلفة من الأراضي السورية.

لكن توسع إيران في سوريا خلال العام 2023 كان الأبرز، حيث وقّع البلدان أثناء زيارة رئيسي لدمشق، عدة اتفاقيات اقتصادية في مجالات مختلفة، مثل الزراعة والنفط والنقل والمناطق الحرة والاتصالات والتعاون الاستراتيجي.

هذه الاتفاقيات لم تهدف إلا لتعزيز العلاقات الثنائية بين السلطة الحاكمة في البلدين، إذ منذ توقيعها لم تشهد مناطق حكومة دمشق تحسّناً في الوضع الاقتصادي والمعيشي، أو تنميةً للتبادل التجاري والاستثماري والتقني والعلمي والثقافي، بل على العكس تدهورت قيمة الليرة السورية، وفُقدت العديد من المواد الأساسية من الأسواق.

الجهات الرسمية لم تكشف عن قيمة هذه الاتفاقيات، ولكن بعض المصادر غير الرسمية تقدرها بمليارات الدولارات، وتشير إلى أن إيران تقدّم لسوريا خط ائتماني بقيمة 5 مليارات دولار، وتوفر لها مليوني برميل نفط شهريا، فضلا عن ضمان دمشق حصة لطهران في إعادة إعمار سوريا بنسبة 30 بالمئة.

وفقا للمتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة الإيرانية، روح الله لطيفي، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 نحو 190 مليون دولار، مسجلا ارتفاعا بنسبة 90 بالمئة عن الفترة نفسها من عام 2022.

موقع “إيكو إيران” الاقتصادي، ذكر أن حجم التبادل التجاري بين سوريا وإيران قبل الحرب السورية كان جيدا وفي حالةٍ من الازدهار المستمر، حيث صدّر الإيرانيون إلى السوريين من 2001 إلى 2011 بضائع بقيمة مليارين و 476 مليون و608 ألف دولار، لكنه تراجع إلى مليار و881 مليون و588 ألف دولار بين عامي 2011 و 2022.

خلال السنوات الماضية، برزت مساعٍ إيرانية للتّمدد داخل قطاع النفط والغاز في سوريا، حينما اقترحت طهران إنشاء شركة مشتركة في مجال التنقيب عن النفط والغاز مع حكومة دمشق، في خطوة تحاول من خلالها وضع قدم لها في صفقات النفط بسوريا. هذا المقترح الإيراني جاء خلال مباحثات بين معاون وزير النفط السوري خالد العليج، والمدير التنفيذي لجمعية “الصداقة الشعبية السورية الإيرانية” رئيس اللجنة الاقتصادية، حسن شاخصي.

في المقابل، تعتمد احتمالات تنفيذ هذه الأطماع الإيرانية على عدة عوامل، منها فكرة مدى الأداء الروسي فيما يتعلق بهذا التوغل الافتصادي في سوريا، وعلى الرغم من وجود تحالف روسي-إيراني بشأن معادلة الدفاع عن دمشق ومعادلة تحقيق المصالح، لكن هناك خلافات عدة طفت على السطح بين الجانبين الروسي والإيراني، وحاليا مع دخول فنزويلا على الخط فإن هذه الخطوة الإيرانية ستزيد من حجم الخلافات مع روسيا، خاصة وأن الأخيرة تدرك جيدا أن هذه الخطوة تهدف إلى تقارب طهران مع الغرب أو تشكيل بديل عنها، و لذلك سوف يتعارض ذلك مع الرغبات الروسية في هذا الوقت الحساس بالنسبة لموسكو، التي تقود حربا غير مباشرة مع الغرب بسبب غزوها لأوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات