خلال شهر آب/أغسطس الفائت، بدأت إدارة الهجرة والجوازات السورية بإصدار جوازات سفر إلكترونية جديدة، علما أن إصدارها لا يُلغي جواز السفر العادي الذي سيبقى صالحا حتى نهاية مدته. لكن جواز السفر الجديد قوبل برفض من عدد من الدول، أبرزها العراق وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة.

تؤكد إدارة الهجرة السورية أنه لا يتم قبول طلبات المواطنين إلا عبر المنصة الإلكترونية، رغم أن الحجز من خلالها من قِبل المواطنين يعتبر مستحيلا، حيث يتم التحكم فيها من قِبل مجموعة من السماسرة بالتعاون مع مسؤولي دوائر الهجرة والجوازات وأشخاص متنفذين، ويصل تكلفة تسجيل الموعد عبر المنصة الإلكترونية إلى أكثر من مليون ونصف ليرة سورية.

رفض جواز السفر السوري

نحو ذلك، أكّدت عدة تقارير محلية، بينها موقعا “أثر برس” و”صوت العاصمة”، أن عدة سفارات وقنصليات عربية وأجنبية رفضت منح تأشيرات دخول “فيزا” لحاملي جواز السفر السوري الجديد، بعد أسابيع قليلة من بدء تسليم الإصدار الجديد.

المواقع المحلية ذكرت أن عدة سفارات و قنصليات دول عربية وأجنبية رفضت الاعتراف بالنسخة الجديدة من جواز السفر السوري، مشيرين إلى أن مسافرين ممن استخرجوا جوازات سفر مؤخرا بطبعتها الجديدة لم يتمكنوا من الحصول على تأشيرة “فيزا” دخول أربيل/هولير عاصمة إقليم كُردستان العراق، حيث رفضت السفارة هناك منحهم الموافقة على دخول البلاد لأسباب تتعلق بجواز السفر.

اللافت أن مسافرون آخرون تفاجأوا برفض السفارة الإيطالية في بيروت الاعتراف بالنسخة الجديدة من جواز السفر السوري، وبالتالي لم تُقبل الطلبات المقدمة للحصول على تأشيرة السفر. كما علّقت سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في دمشق مؤقتا منح تأشيرات السفر للمتقدمين للحصول عليها.

موقع “صوت العاصمة” المحلي نوّه إلى أن السفارة الإماراتية راسلت “وزارة الخارجية السورية” بشأن مشكلات فنية تتعلق بالنسخة الجديدة من جوازات سفر المواطنين السوريين. كذلك أكد أصحاب مكاتب سياحية في دمشق لموقع “أثر برس” المحلي، أن كلا من أربيل/هولير ودبي والدول الأوربية، لم تقبل حتى الآن بالتعامل بجواز السفر الإلكتروني الذي تم إصداره مؤخرا، موضحين أنه لا علم لديهم بموعد حل هذا الموضوع الشائك والذي كان سببا في تأخر سفر العديد من الأشخاص.

لكن أحد أصحاب المكاتب أشار إلى أن مصر وسلطنة عُمان والأردن من الدول التي قبِلت جواز السفر السوري الإلكتروني.

ما الأسباب؟

في المقابل، قال مصدر في إدارة الهجرة والجوازات السورية، إن كل المشكلات التي تعرّض لها الراغبون في السفر في قنصليات وسفارات دول عربية وأجنبية، سببها عدم إبلاغ الجانب السوري لخارجيات وسفارات تلك الدول بالتغييرات التي طرأت على جواز السفر، ما دفعها لمعاملة النسخة الجديدة كـ”جواز سفر مزيّف”.

المصدر ذاته أوضح أن أيّاً من المسافرين الذين يحملون النسخة القديمة من جواز السفر وتقدموا بطلبات للحصول على تأشيرة سفر لم يواجهوا مثل تلك المشاكل في السفارات والقنصليات، مضيفا أن الحكومة السورية بدأت بمراسلة بعض السفارات ووزارات الخارجية وإبلاغهم بنماذج جواز السفر السوري الجديد، والتغييرات التي طرأت عليه لحل المشكلة.

كذلك، أكد صاحب أحد المكاتب السياحية في أربيل/هولير صحة ما ذكر، مبيّنا أنهم بانتظار صدور تعميم يسمح لحاملي جواز السفر الإلكتروني بالحصول على الفيزا، مشيرا إلى أنه يوميا يتم السؤال من قِبل المسافرين حول موعد إصدار هذا التعميم.

تداولت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، صور جواز السفر الجديد، وهو عبارة عن دفتر ورقي عادي، لكنه مزود بشريحة إلكترونية تخزّن البيانات الوصفية والمعلومات الخاصة بحامله. وتشمل المعلومات المخزنة على الشريحة، بصمة العين، وبصمة الأصابع، وشكل الوجه الرقمي الذي يقيس المسافات بين ملامح الوجه، مثل المسافة بين العينين، وعرض الفم والمسافة بين الأنف والذقن.

وفق الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السورية والمغتربين، فإن السعر العادي لرسوم منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للسوريين ومن في حُكمهم، الموجودين خارج سوريا، بشكل فوري 800 دولار أميركي، و300 دولار أميركي ضمن نظام الدور العادي.

بينما تصل مواعيد الحجز على المنصة الإلكترونية لاستخراج جواز سفر عادي إلى عام 2025 والرسوم هنا أقل بكثير لا تتجاوز 160 ألف ليرة سورية، ولأن المواعيد بعيدة يضطر الناس للجوء إلى استخراج المستعجل الذي تصل رسومه إلى مليون و50 ألف ليرة بالشكل النظامي، لكن كما تم الذكر آنفا، يتم التسجيل عبر شبكة من السماسرة وبأسعار أعلى من ذلك بكثير.

جواز السفر السوري سجل المرتبة الثالثة كأسوأ جواز سفر عالميا، بعد أفغانستان والعراق، من ناحية عدد الدول التي يُسمح لحاملها بالدخول دون تأشيرة، وفق مؤشر “هينلي” المتخصص بتصنيف جوازات السفر الأقوى من حيث حرية التنقل، الصادر عن الربع الأول لعام 2023 الحالي، ولكن مع هذا التصنيف والقرار الجديد يبدو أن عروض بيع العقارات ستلتهب في سوريا لبيعها بغرض استخراج الوثائق الرسمية بغرض السفر.

السفر حلم الجميع

من جانب آخر، ومع تزايد مرارة الواقع الاقتصادي في سوريا، أصبح المئات من الشباب والعائلات السورية مهووسة بالسفر إلى الخارج بهدف الذهاب إلى بلد يوفّر لهم الأمن والاستقرار المعنوي والمادي، خاصة بعد ارتفاع أسعار مختلف السلع في السوق بنسب كبيرة، إضافة إلى تسيّد حالة من الفوضى والتفلّت بالأسعار في الأسواق، وهو ما انعكس أيضا في ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأساسيات، بالتالي وصلت اليوم تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 10 ملايين ليرة سورية، فيما يتراوح متوسط دخل الموظف الحكومي بين 200-260 ألف ليرة.

خلال العامين الماضيين وحتى الآن، يشهد مركز الهجرة والجوازات في سوريا وتحديدا في العاصمة السورية دمشق موجات تدفق من السوريين الراغبين في الهجرة، حيث تصطف أرتال المنتظرين بالآلاف منذ ساعات الصباح الأولى وإلى منتصف الظهيرة بفارغ الصبر، للحصول على جواز سفر يمكّنهم من الخروج من البلاد في أقرب فرصة.

لا يختلف اثنان على أن الظروف الاقتصادية والأمنية، هي أبرز الأسباب التي تدفع بالشباب والعوائل السورية للهجرة باتجاه بلدان أخرى بحثا عن حياة أفضل. ولعل تزايد معدلاتها خلال الآونة الأخيرة خير مثالٍ على ذلك؛ وخاصة الهجرة غير الشرعية، وما تمثّله من خطر على حياة من يُقدم عليها. إذ لا يكاد أن يمرّ شهر دون ورود أخبار عن وفاة أشخاص خلال رحلتهم إلى أوروبا.

13 مليون سوري نزحوا/هاجروا منذ اشتعال الحرب السورية، وهو ما يمثل حوالي 60 بالمئة من عدد السكان قبل الحرب، وهي نسبة نزوح لم تشهدها دولة من قبل خلال العقود الأخيرة، بحسب “مركز بيو للأبحاث”، في وقت سابق.

المركز أردف في دراسة نشرها على موقعه الإلكتروني في عام 2018، بأن أكثر من ستة ملايين و300 ألف سوري، أي حوالي 49 بالمئة من عدد المهاجرين قد نزحوا داخليا، لكن هذه النسبة تغيّرت خلال السنوات الأخيرة مع عودة مئات الآلاف إلى ديارهم وظهور نازحين جدد. ويقول المركز إن حوالي 700 ألف سوري نزحوا داخليا في النصف الأول من 2017 بسبب الصراع المستمر.

خلال أيار/مايو الماضي، أعلنت إدارة الهجرة والتجنيس الهولندية “آي إن دي”، أن حوالي 40 ألف طالب لجوء من بينهم سوريون، ينتظرون قرارا للموافقة على اللجوء، مشيرة إلى أنها غير قادرة على مواكبة عدد طلبات اللجوء بسبب كثرة الطلبات، ويمكن اتخاذ حوالي 22.000 قرار سنويا فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات