على الرغم من البيانات والتصريحات الصادرة مؤخرا عن وزارة السياحة السورية حول الموسم السياحي الذي وصفته بـ”الجيد جدا”، والأعداد الكبيرة من السّياح والمغتربين الذين زاروا البلاد خلال فصل الصيف، والتي وصلت إلى ما يقارب 1.5 مليون سائح. وهو ما يعني صرف 1.5 مليار دولار وسطيا، إلا أن هذا الأمر لم ينعكس على سوق الصرف الأجنبي على الإطلاق.

بالتالي تثار تساؤلات حول هذه الإيرادات ولماذا لم تنعكس على سعر الصرف، وهو ما يراه مراقبون أنه إما أن أرقام وزارة السياحة غير صحيحة، أو أن هذه الإيرادات ذهبت إلى جيوب أصحاب النفوذ وهم بطبيعة الحال تابعين ومرتبطين بشكل غير مباشر برجال الدولة السورية.

عائدات السياحة بسوريا

في السياق، يشير تقرير لصحيفة “البعث” المحلية مؤخرا، إلى أن الأثر المالي والاقتصادي لأرقام السياح الذي أصدرته وزارة السياحة، فعليا لم يأتِ بثماره وآثاره الإيجابية بما يفرضه المنطق، حيث سجل سعر الصرف في ذروة الموسم أرقاما قياسية خلافا للمتوقع بعد ضخ كتلة نقدية من القطع في السوق، سواء الرسمية منها أو الموازية.

فندق داما روز في العاصمة السورية دمشق- “إنترنت”

إن كانت وزارة السياحة السورية قد كشفت عن زيارة مليون و450 ألف زائر حتى نهاية شهر آب/أغسطس الفائت إلى البلاد، إضافة إلى أكثر من مليون و300 ألف سوري بينهم مئات آلاف المغتربين، وتجاوز الإشغالات في الساحل 90 بالمئة، وفي دمشق وحلب 75 بالمئة، فهذا يعني أن مئات آلاف الدولارات تم تصريفها بما يحقق على الأقل استقرارا بسعر الصرف إن لم يكن تخفيضا، غير أن السعر استمر بالارتفاع، وهو اليوم ورغم نهاية الموسم السياحي وتوقعات ارتفاعه أكثر، إلا أنه أقل مما كان عليه في ذروة الموسم.

خلال تموز/يوليو الماضي، كشفت وزارة السياحة أن مليون سائح زاروا سوريا في النصف الأول من العام، وأرباحهم بلغت أكثر من 7 مليارات ليرة من الفنادق العائدة على الوزارة. وقالت إنه نهاية الشهر السادس من عام 2023، ازداد عدد السياح بنسبة 37 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2022، حيث بلغ عدد السّياح حوالي مليون قادم منهم 880 ألف قادم عربي، و120 ألف أجنبي، منهم 96 ألف زائر للمواقع المقدسة.

الوزارة لفتت إلى أن أكثر الجنسيات العربية المتواجدة هي اللبنانية، العراقية، البحرينية، والأردنية، في حين تصدرت الجنسيات الروسية، الباكستانية، الإيرانية والهندية فئة السياح الأجانب إلى سوريا، حسب تقرير لإذاعة “المدينة إف إم” المحلية مؤخرا.

انتقادات وسخرية واسعة

كذلك، تقول الوزارة إن ثمة زيادة في عدد النزلاء العرب والأجانب بنسبة 22 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغ إجمالي عدد النزلاء حوالي 120 ألف نزيل منهم 100 ألف عربي و20 ألف أجنبي، كما بلغت إيرادات الفنادق العائدة للوزارة 38.5 مليار، بإجمالي ربح 7.5 مليار ليرة سورية.

إيرادات فندق “فورسيزنز” وسط العاصمة دمشق والذي تساهم فيه وزارة السياحة ومحافظة دمشق، لوحدها بلغت 56.269 مليار ليرة سورية بنهاية النصف الأول من عام 2023، مقارنة مع 29.501 مليار لنفس الفترة من العام الماضي.

هذه الأرقام أثارت موجة انتقادات وسخرية واسعة بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبروا أنه رغم أن الحكومة تجني أرباحا كبيرة من العديد من قطاعاتها ومنها قطاع السياحة، إلا أن الواقع في تدهور متصاعد، بينما علّقت متابعة أخرى بشكل ساخر، “شو رأيكن تجيبولنا فيهن الكهربا”، في إشارة واضحة إلى مدى تخبط الحكومة وتملّصها من تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

فيما علّق آخر بسخرية، “السياحة في ارتفاع والكهرباء معدومة، وسياحة في بلد يعجز المواطن فيه عن دفع أجرة المواصلات إلى مكان عمله”. بينما دعا آخرون الحكومة إلى توظيف هذه الأرباح لخدمة المواطنين، قائلين “يشيلولون كم مليار للكهربا حاج بهدلة، نحنا ما تغير علينا شي لا كهربا متل الخلق ولا الأسعار”.

ماذا يقول الخبراء؟

الأكاديمي الدكتور شفيق عربش، شكّك بالأرقام المصرّح عنها فيما يخص عدد السياح، معتبرا أنها لو كانت صحيحة لـ”كانت الدنيا بألف خير”، فإذا اعتبر معدل إنفاق السائح 1000 دولار وسطيا، والسياحة تتحدث عن مليون ونصف المليون زائر، فهذا يعني مليارا ونصف المليار دولار، ألم يكن لها أي أثر ملموس، متسائلا.

فندق “لابلاج” السياحي بالساحل السوري- “فيسبوك”

عربش، أوضح للصحيفة المحلية أنه حتى ولو صُرفت هذه الأموال في السوق السوداء لكانت أثّرت إيجابا على تخفيض سعر الصرف واستقراره، فهل تحتسب الوزارة زيارات ممثلي المنظمات أو رحلات التسوق بين سورية ولبنان كسياحة.

كذلك أشار عربش إلى أنه حتى زيارات المغتربين لم تنعكس سوى بمساعدة أهاليهم على تحسين روتين غذائهم ومعيشتهم قليلا، أما بشكل عام فهناك جمود وانخفاض بالقدرة الشرائية، مما انعكس ارتفاعا بسعر صرف الدولار الذي سجل بالنشرة الرسمية 11500 ليرة، معتبرا أن تخفيض السعر أو رفعه ليس مهما بقدر تثبيته، فالتغيرات الكبيرة المتواصلة تدفع بالتجار لرفع نسب التحوّط، مما يرفع مستويات أسعار السلع والمواد الأساسية، دون حسيب ولا رقيب. 

بينما يرى خبراء آخرون أن الأرقام قد تكون غير صحيحة، ولكن ليس إلى هذا الحد الكبير، فمن الواضح أن عائدات السياحة وغيرها من الإيرادات المحققة بالعملة الصعبة تذهب إلى جيوب “حيتان” التجار والمسؤولين، وهم عبارة عن شبكة منتظمة ترتبط بشكل غير مباشر بسلطات الدولة السورية، هذا شيء يعرفه الجميع وليس جديدا.

كذلك يشكك المواطنين بصحة هذه الأرقام أو أن الحكومة تقوم بنهب هذه الواردات، حيث قال أحدهم “كل هذه الأرقام وهمية طالما لم تنعكس على الواقع المعيشي للمواطن وعلى الاقتصاد، الدولة والحكومة تعمل لرفاه مواطنيها وهي ليست شركة استثمار همها الأرباح، السائح يدفع وينعم بالإقامة والخدمات على حساب المواطن”، أي أن المواطن في سوريا يدفع ضريبة الشقاء والحكومة تنعم بخيرات البلاد.

وسط كل ذلك، ينتقد نسبة كبيرة من السوريين بشكل لاذع تصريحات وزارة السياحة، إذ يقولون متسائلين “كمواطن ما فيه يسافر من بيته بريف دمشق لدمشق تيروح على مطعم فروج.. شو وضعه”، فيما أشار البعض إلى مدى تدهور الوضع المعيشي في البلاد “الدولار بـ 13 ألف ليرة سورية و كهربا مافي وخلصت سوريا بخير”.

إجراءات ضعيفة

في سياق متّصل، بيّن عربش أن استقرار سعر الصرف يتحقق باتخاذ “مصرف سوريا المركزي” إجراءات علمية وليست ارتجالية، مثل التعامل مع الفوائد بشكل جيد، وأن يكون المركزي قائدا للسوق لا تابعا له، وهو الذي يتحكّم بكل هذه الكتلة النقدية وليس العكس.

الخبير الاقتصادي السوري، جورج خزام، كشف من جانبه أن “المركزي السوري” اتخذ جملة من السياسات المالية الخاطئة التي كانت مدمرة للاقتصاد الوطني وسعر صرف الليرة السورية. كما نوّه إلى أن “المركزي السوري” يفتقد للخبرة العلمية في اقتصاد السوق، وأن ضعف الأدوات المالية لديه في التأثير على سعر صرف هو السبب في استمرار انهيار الليرة السورية.

خزام قال في منشور على صفحته الشخصية على منصة “الفيسبوك” قبل يومين، إن “المركزي السوري” هو الجيش الوحيد والأقوى للدفاع عن الليرة السورية وهو الكيان المالي الأكثر أهمية وموثوقية الذي يعطي الأمان للتجار والصناعيين ولأموال السوريين الموجودة لديه، لكنه لفت إلى جملة من تلك القرارات التي أصدرها “المركزي السوري” والتي كانت سبب انهيار الليرة، ولعل أبرز تلك الإجراءات، تقييد حرية سحب ونقل الأموال، حيث كانت السبب بتوقف الإيداعات بالبنوك والتحول للسوق السوداء لشراء الدولار لسهولة نقله وتخزينه.

طبقا لتحليل خزام، فإن منصة تمويل المستوردات سيئة السمعة كانت السبب بتراجع كمية البضائع والمواد الأولية المعروضة للبيع وزيادة التكاليف، ومعه تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار وزيادة البطالة والكساد بالإضافة لتشجيع الاحتكار لبعض المستوردين.

كما أن قرار منع استيراد قائمة طويلة من المستوردات الضرورية بحجة تخفيض الطلب على الدولار، كانت نتيجتها تراجع الإنتاج وتصفية الكثير من المصالح التجارية والصناعية وزيادة البطالة وهروب رؤوس الأموال للخارج بالدولار بالإضافة لتنشيط التهريب. وهو من أهم الأسباب في تدهور اقتصاد سوريا ككل وليس فقط تراجع الليرة.

من القرارات الحكومية الخاطئة أيضا، تعهّد التصدير وذلك بتسليم المصدّرين نصف قيمة صادراتهم بالدولار بسعر المركزي ومعه تكبيدهم خسائر من فرق التصريف ومعه تراجعُ الصادرات والدولار بالسوق وزيادة الكساد، كذلك إلزام الكشف عن مصدر تمويل المستوردات والإيداعات وبالتالي هروب رؤوس الأموال للخارج بالدولار خوفا من مصادرتها بحجة عدم شرعيتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات