بعد ظهر أمس الخميس، وعقب 21 دقيقة من  مغادرة وزير الدفاع السوري علي عباس، ومحافظ حمص، نمير مخلوف، قصفت مسيرات مجهولة الهوية  تحمل ذخائر متفجرة، حفل تخريج طلاب ضباط “الكلية الحربية” في حمص، ما أدى إلى سقوط 112 قتيلا بينهم 21 مدنيا من ضمنهم 11 امرأة وطفلة، إضافة إلى إصابة 120 بجروح بعضها خطير.

حتى الآن، لم تعلن أي جهة بعد مسؤوليتها عن الهجوم، علما أن فصائل من المعارضة المسلحة تسيطر على أجزاء من الأراضي السورية، وتستخدم أحيانا الطائرات المسيّرة، إلا أن هناك أربع روايات تشير أصابع الاتهام فيها إلى دول بعينها، لا سيما وأن الدلائل تلفت إلى أن الهدف هو إما الانتقام من حادثة بذاتها، أو ذريعة للتمهيد من أجل بلورة خطط جديدة.

عشرات القتلى في “منطقة محمية”

أعلنت الحكومة السورية الحداد الرسمي العام لمدة ثلاثة أيام، بدءا من اليوم الجمعة، على القتلى المدنيين والعسكريين الذين سقطوا في استهدف حفل تخريج طلاب ضباط “الكلية الحربية” بحمص، كما قررت تنكيس الأعلام بجميع أنحاء البلاد، وفي جميع السفارات والهيئات الدبلوماسية في الخارج طيلة هذه المدة.

هوية القتلى لم تقتصر على العسكريين والطلاب الضباط بل تشمل المدنيين، فيما نقل المصابون في الساعات الماضية إلى “المشفى العسكري” بحمص ومشفى “الباسل” و”النهضة” والمشفى “الأهلي” و”الرازي”، كما تشير المعلومات إلى مفارقة بعضهم للحياة متأثرين بجراحهم.

حادثة استهداف “الكلية الحربية” في حمص تبدو مريبة بعض الشيء وعليها جملة من الملاحظات، بالنسبة للعديد من المحللين والسياسيين وحتى أعضاء المجتمع المدني الذي كان الخاسر الأكبر في هذه الحادثة، لا سيما وأن الجيش السوري عجز عن حماية الطلاب، وبنظرهم هو الملام الوحيد بعدم قدرته على تقديم الحماية، وفقا لموقع الكلية.

“الكلية الحربية” السورية هي مركز أكاديمي عسكري سوري لإعداد وتدريب المنتسبين وتخريجهم كضباط في الجيش السوري، مدة التدريب والدراسة فيها ثلاث سنوات، وتوجد الكلية شمال غرب مدينة حمص، وأخذت “الكلية العسكرية” اسم “الكلية الحربية” منذ انتقالها إلى مصر إبان الوحدة السورية المصرية واحتفظت باسمها الجديد بعد ذلك.

أكثر ما يثير الجدل، هو وصول الطائرات المسيرة إلى الكلية التي تقع في منطقة المحاذية لحي الوعر بمدينة حمص، ولم تكن قد تعرضت لأي عمليات عسكرية أو هجمات، منذ تحول الحراك السلمي إلى مسلح بعد 2011، حيث يقع بالقرب منها ثكنات عسكرية أخرى تابعة للجيش السوري بينها كلية المدرعات، وكلية الشؤون الفنية والأشغال العسكرية والمشفى العسكري، ضمن إطار ما يعرف محليا داخل المدينة بـ”تجمع الكليات الحربية”.

عملية انتقامية أم رسائل؟

بعد ظهور الصور الأولى للطائرة المسيرة التي استهدفت “الكلية الحربية”، ذهبت بعض الترجيحات إلى أن تركيا هي من تقف وراء الهجوم، وأن ردها كان انتقاما للتفجير الذي حدث في مديرية الأمن العامة التابعة لوزارة الداخلية في العاصمة أنقرة، الأحد الفائت.

التكهنات هنا انقسمت بأن العمل نفذ من قبل الجيش التركي أو الفصائل التابعة له في سوريا، لا سيما وأن الهدف من العملية واضح بأنه انتقامي نظرا للمكان المستهدف وعدد المدنيين المتواجدين فيه.

أصحاب هذه النظرية ومن ضمنهم الصحفي وليد الكن، رسموا فرضياتهم على أن تركيا قبل أيام أعلنت أن المشتبه فيهما اللذين قُتلا خلال هجوم شنّاه على وزارة الداخلية التركية تدّربا في سوريا، وفي ذات الوقت، أعلن قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، أن من منفذ هجوم أنقرة لم يمر من مناطقهم كما زعم مسؤولون أتراك، مضيفا “لسنا طرفاً في الصراع الداخلي التركي، ولا نشجع على تصاعد وتيرته”.

في المقابل، القيادي السابق في “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) سابقا، صالح الحموي المعروف بـ”أس الصراع في الشام”، لم ينف ضلوع الفصائل العسكرية التابعة لتركيا في شمال سوريا بعملية الاستهداف، وذكر أن التنظيمات تعمل بمعيار وحيد متعلق بالإمكانية، ومتى أتيحت لهم الفرصة يضربون ولا يحسبون تزامنها مع حدث سياسي أو أمني.

الحموي على حسابه الشخصي في منصة “إكس”، ذكر أن الدرون الذي يقصف مناطق حكومة دمشق تقنيته بسيطة لكن مداه عميق فلا يمكن التحكم بسرعته وارتفاعه ورؤية الهدف عبر الشاشة وغيرها، وهو يعتمد على كثافة عدد الدرونز وضرب أهداف مفتوحة مثل ساحة تجمع أو مدرسة عسكرية أو أكاديمية.

إيران وروسيا داخل دائرة الاتهام

ما يفند الفرضيات السابقة، هو بُعد أقرب نقطة للفصائل في شمال سوريا عن “الكلية الحربية” بحمص حوالي 126 كيلو، وعلاوة على ذلك، يرى هؤلاء ومن ضمنهم المذيع في قناة “الرافدين”، عامر الشاعر، أن فصائل المعارضة السورية لا تمتلك القرار أو إمكانية إرسال مسيرات لها هذا الحجم التدميري والتقنية التي تخولها قطع كل هذه المسافة، فالدرونات لدى الأطراف في سوريا غالبيتها محلية الصنع وبسيطة ولا تصل إلى مناطق بعيدة.

الشاعر، طرح جملة من التساؤلات، حول توقيت خروج وزير الدفاع السوري من الحفل قبل الاستهداف بدقائق، ولماذا استهدفت الطائرة أهالي الطلاب المشاركين وهم من المدنيين من حاضنة حكومة دمشق، وعن التوقيت ومن له مصلحة بهذا الاستهداف، خصوصا إذا ما سلطنا الضوء على تململ الحاضنة الحالية لسلطات دمشق من الوضع الاقتصادي المتردي ودخول مظاهرات السويداء المطالبة بإسقاطها مراحل متقدمة، فضلا عن عدم تواجد الدفاعات الجوية للقواعد العسكرية الروسية وراداراتها، خاصة مع وجود الكم الهائل من الدفاعات الجوية التابعة للجيش السوري والتي تحيط بمدينة حمص.

في هذا السياق، أشار يحيى العريضي، عضو “اللجنة الدستورية” السورية، إلى أنه ومن خلال متابعة الإعلام التابع للنظام الإيراني، هناك جملة من الملاحظات، أولها أنه منذ أيام، الوسائل الإعلامية الإيرانية الناطقة بالعربية تتحدث عن امتلاك فصائل المعارضة لطائرات مسيرة.

كما أن الصحفي في تلفزيون “الميادين” الذي تموله طهران و”حزب الله” اللبناني، حسين مرتضى، روج بأن “المجموعات المعارضة تتجهز لشن هجوم عبر الطيران المسير”، وهو ما يعني بنظر العريضي، أن “الأمر مبيّت ومخطّط إيرانياً حصراً، وله أهداف كثيرة؛ والدليل البدء الفوري بقصف عنيف على أكثر من عشرين منطقة في الشمال السوري”.

على صعيد آخر، الإعلامي أيمن عبد النور مؤسس موقع “كلنا شركاء”، هو قيادي سابق في حزب “البعث” الحاكم في سوريا، لفت إلى أن روسيا كانت على علم بهذا الهجوم، حيث استدل بذلك، من حديث نائب رئيس مركز المصالحة الروسية في سوريا، فاديم كوليت، وهو ضابط برتبة أدميرال، قبل ساعات عديدة من حادثة “الكلية الحربية” في حمص، حيث قال إن “جماعات إرهابية تستعد للهجوم بمسيرات على قواعد عسكرية سورية”.

عبد النور، نوه إلى أنه كان من الواجب حضور تغطية جوية للاحتفال سواء من روسيا أو من الجيش السوري، وخصوصا من يحضره هو نائب القائد العام للجيش، وهذا يعني موافقة ضمنية على حصول ما حصل بغية تحقيق أهداف مختلفة لدمشق ولروسيا على يد طرف ثالث. 

وذهب الإعلامي السوري، إلى أن “هذا يشبه ما حصل عندما كان رفعت الأسد يزود الطليعة المقاتلة بمعلومات عبر تنظيم “الإخوان المسلمين” في الأردن الذي كان لديه اختراق فيه، عن أعدائه والشخصيات التي يمكن أن تنافس حافظ الأسد من الطائفة العلوية ليقوموا باغتيالهم بدلا منه. 

الهجوم النادر على “الكلية الحربية” بحمص، في وقت تعيش المحافظات السورية أزمة معيشية غير مسبوقة، وبينما تواصل محافظة السويداء احتجاجاتها الشعبية ضد حكومة دمشق، مطالبة بإسقاطها ورحيل الرئيس السوري، بنظر الجميع لا يتحمل مسؤوليته وعواقبه سوى الجيش السوري، الذي كان من المفترض أن يكون درعاً للضباط المحتفلين داخل الأكاديمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات