في سوريا، لم يعد سعر الصرف يعكس حالة الاقتصاد الحقيقية، بل أصبح يتأثر بالظروف السياسية والأمنية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، فبسبب سياسات الحكومة التقليدية، انهارت الإنتاجية والإيرادات والثقة في السوق، وهذا أدى إلى تدهور قيمة الليرة السورية بشكل كبير، حتى بلغت أدنى مستوى لها في التاريخ.

سعر الصرف هو مؤشر يعبّر عن قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وفي الظروف الطبيعية، يتأثر سعر الصرف بالموازنة الخارجية للبلد، أي بالفارق بين صادراته ووارداته من السلع والخدمات، كلما زادت الصادرات عن الواردات، كلما ارتفع سعر الصرف وزادت قوة العملة المحلية، والعكس صحيح.

ولكن هل يعني هذا أن ارتفاع سعر الصرف سيؤدي إلى غلاء المواد المحلية، وهل يعني انخفاضه سيؤدي إلى رخصها، لا بالضرورة، فكما يشير أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي، عبد الرزاق حبزة، فإن انخفاض سعر الصرف لم يعد له تأثير مباشر على المواد المحلية الصنع، والسبب في ذلك هو أن هذه المواد تستورد مكوناتها من الخارج، أو تستخدم طاقة أو مواد خام مستوردة، أو تتأثر بالضغط التضخمي والضرائب والجشع التجاري، وبالتالي، فإن انخفاض سعر الصرف لا يؤدي إلى انخفاض التكلفة، بل يؤدي إلى تراجع الربحية والجودة.

هذه المواد لن ترخّص

هذا ما يشهده المواطنون السوريون على أرض الواقع، فبعد الارتفاع الأخير في الأسعار حصل هدوء جزئي، لكن هذا الهدوء لم يكن سوى حفاظا على الارتفاع وبقيت القدرة الشرائية متراجعة وبعيدة عن الأسواق، ولوحظ أن الحركة خجولة وقليلة خلال الدوريات اليومية على الأسواق.

حبزة خلال تصريحات صحفية أمس الأحد، لفت إلى ارتفاع كبير في أسعار الخضار والفواكه، فقد ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية مثل التفاح والعنب والباذنجان بشكل ملحوظ، وحتى الحشائش لم تكن استثناءً، وعلى سبيل المثال، ارتفع سعر البندورة في سوق الهال إلى مستوى يبلغ 5500 ليرة سورية.

وبالرغم من دخول موسم جني زيت الزيتون، إلا أن أسعاره زادت بشكل كبير، كما يُلاحظ أن انخفاض إنتاجية هذا العام قد أدى إلى ارتفاع أسعار عبوات زيت الزيتون إلى مليون ليرة سورية لكل 17 لترا.

علاوة على ذلك، اعتبر حبزة أن الزيادة في تكاليف إنتاج المزارع هو العامل الرئيسي وراء هذا الارتفاع في أسعار المواد الزراعية خلال المواسم.

كما أن ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية تأثر سلبًا على حركة الأسواق، بسبب تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وهذا الارتفاع تزايد تأثيره بسبب زيادة أسعار المشتقات النفطية، والتي تعتبر حجر الزاوية في عمليات الإنتاج والنقل والتدفئة. 

لذلك، اضطر العديد من سكان دمشق إلى شراء الحطب بكميات أكبر نظرًا لعدم توفر مخصصاتهم من مادة المازوت في العام السابق، وهذا أدى إلى ارتفاع سعر كيلو الحطب قبل بداية فصل الشتاء إلى 3500 ليرة، مقارنة بـ 2500 ليرة في العام السابق.

عصر جديد

بحسب حديث الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، فإنه عند الحديث عن اقتصاد سوريا، فإن السياق يتطلب منا النظر في جوانب عديدة تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، ومن أبرز تلك الجوانب هو سعر الصرف. 

لقد كانت تلك الكلمة تثير حالة من التوتر والقلق بين الناس لسنوات عديدة، ولكن هل ما زالت هذه القضية تستحق الاهتمام بنفس القدر اليوم، وهل ما زال انخفاض سعر الصرف يمتلك القوة التي كانت تمتلكها في الماضي على الأسواق والمواد الأساسية.

حديث أمين سر جمعية حماية المستهلك، يلقي الضوء على الوضع الاقتصادي الراهن في سوريا، يبدو بنظر الحمصي، أننا نعيش في عصر جديد، حيث لم يعد انخفاض سعر الصرف له تأثير مباشر على المواد المحلية الصنع. 

فبعد الارتفاع الأخير في الأسعار، ربما توقع الكثيرون أن يتراجع السعر القائم على الصرف، ولكن ما حدث هو العكس تمامًا، شهدت الأسواق السورية هدوءا في الأسعار، ولكن لوحظ أن هذا الهدوء لم يكن سوى حفاظًا على ارتفاعها السابق، فالقدرة الشرائية للمواطنين لم تعد كما كانت، والأسواق ما زالت تشهد حركة خجولة وقليلة، وهذه الوضعية تكشف عن تغيير جذري في الديناميات الاقتصادية في سوريا.

طبقا لحديث الحمصي، فإن الوقت الذي كان فيه انخفاض سعر الصرف يؤثر بشكل كبير على تكلفة المواد الأساسية قد ولى، والسبب في ذلك هو التغيرات الهائلة التي طرأت على السوق المحلي والاقتصاد بشكل عام، مثل تغيرت طرق التجارة والتوريد، وتعقيدات الوضع السياسي والاقتصادي زادت، وهذه العوامل أصبحت تلعب دورا أكبر في تحديد أسعار المواد وتوافرها.

وجبات اقتصادية للتوفير

ارتفاع أسعار حوامل الطاقة قد أثر بشكل كبير على مختلف السلع، بما في ذلك أكياس النايلون التي يعتمد إنتاجها بشكل كبير على استخدام الوقود الأحفوري، وباتت هذه الأكياس جزءا لا يتجزأ من تكلفة السلع التي تباع لدى التجار، وليس ذلك فحسب، بل أصبح سعر السلعة نفسها يتضمن الآن تكلفة أكياس النايلون بالإضافة إلى تكاليف أجور النقل والأرباح الوسيطة.

ومع استمرار انهيار الواقع المعيشي في سوريا، يمارس الغلاء الذي يضرب المواد الغذائية المزيد من الضغط على حاجة الأهالي اليومية من الغذاء، إذ أصبح تأمين الوجبات اليومية يحتاج لجهد ووقت كبير من العائلة لتقرر ماذا يمكن أن تعُدّ من الأطعمة وفق الميزانيات المتوفرة، مع استمرار نزيف متوسط الدخل السوري أمام أسعار السلع.

العائلات السورية بدأت تلجأ إلى الوجبات الاقتصادية، فلم تعُد جُمل من قبيل “البرغل مسامير الركب وشوربة العدس علاج لفقر الدم”، مجرد نصائح ترددها الأمهات لتشجيع الأبناء على تناول هذه الأصناف من الأطعمة التي أصبحت من أولى الأصناف على موائد الأُسر السورية، لا لشيء بل لتوفّرها ورخص ثمنها مقارنة بغيرها من البقوليات والمواد الغذائية الأخرى.

العدس الأحمر أو كما يسمى عدس الشوربة، كان سعره نحو تسعة آلاف ليرة سورية للكيلوغرام الواحد منه والكميات مفتوحة من دون بطاقة، حيث إن الطلب على شرائه ضعيف لأنه أكثر طلبا في فصل الشتاء أو بشهر رمضان، وعندما تم تحديد الكمية بكيلو واحد شهريا لكل بطاقة وبسعر 16 ألف للكيلو أصبح السؤال عن هذا الصنف أكثر.

خلال الأشهر القليلة الماضية، سجلت سوريا أعلى وتيرة من ارتفاع معدلات التضخم، حتى أصبح متوسط الدخل السوري عاجزا أمام المستويات الدنيا من الحاجات الأساسية للمواطن، حيث عانى الأهالي  في مختلف مناطق البلاد من ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار مختلف السلع الأساسية الضرورية.

مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم في سوريا وانهيار العملة المحلية، تشهد الأسواق السورية انخفاضا حادا في معدلات الإقبال على كثير من السلع والخدمات، ليظهر ما يسمى بـ”الاستهلاك الرديء”، إضافة إلى العديد من الظواهر الأخرى الناتجة عن انخفاض الطلب على السلع بسبب ارتفاع الأسعار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات