السؤال عن دور الرئيس السوري بشار الأسد، في عملية “طوفان الأقصى”، يطرحه الكثيرون في ظل التصعيد العنيف بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة، والذي أسفر عن مقتل وجرح المئات من الفلسطينيين وكذلك الإسرائيليين. 

فيما يتعلق بسوريا، فقد تلقّى الأسد دعوةً صريحة من الإمارات العربية المتحدة؛ لعدم التدخل في الصراع الحالي بين “حماس” وإسرائيل، أو التساهل في استخدام الأراضي السورية كقاعدة لشنّ هجمات على إسرائيل، وهذا الطلب يظهر حساسية الموقف الإقليمي والدولي، حيث يتزايد القلق بشكل كبير من احتمال توسع الصراع إلى لبنان أو سوريا، مما يمكن أن يؤدي إلى تصاعد الأوضاع وتصاعد الصراعات في المنطقة.

ففي حين تتواصل الضربات الجوية والصاروخية بين الطرفين، تشهد مناطق في جنوب وشرق سوريا تحركات عسكرية من قِبل الميليشيات الإيرانية، التي تسعى إلى فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل من خلال حلفائها في لبنان وغزة، ولكن هل يسمح الأسد بذلك، أم أنه يخشى من ردّ فعل إسرائيل، التي هددت بضرب دمشق وتعريضه للخطر في حال دخوله النزاع؟

تطبيع مطرّز بدقة

الأسد الذي وصف بمقابلته مع تلفزيون “سكاي نيوز عربية”، في آب/أغسطس الفائت، موقف “حماس” معه بـ”مزيج من الغدر والنفاق”، وأن العلاقات مع “حماس” لا يمكن أن تعود كما كانت عليه في السابق، ينظر إليه في الوقت الحالي، على أنه القائد العربي الذي بيده إيقاف هذه العملية، كون قراراته في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني تتأثر بعدة عوامل، وليس لكونه يمتلك تأثيرا أو وزنا دوليا.

طبقا لحديث الخبير السياسي، محمد عبيد، فإن المصالح الاستراتيجية لدمشق وحلفائها في ما يسمى محور “المقاومة” الإقليميين والدوليين، خاصة إيران وروسيا، والتي تتضمن دعم “المقاومة” ضد إسرائيل والحفاظ على الوجود العسكري والنفوذ السياسي في سوريا لم تعد ضمن أولويات دمشق عموما والأسد خصوصا.

الوضع الأمني والعسكري في سوريا، بحسب حديث عبيد لـ”الحل نت”، يتطلب من الأسد التركيز على مواجهة المعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة والقوات التركية في مناطق مختلفة من البلاد، وحاليا باتت الرؤية الشاملة لدمشق و”حزب الله”، بأن “المقاومة” انتقلت من مرحلة العنف، إلى مرحلة السلمية، لا سيما وأن الحلفاء الحاليين من الدول العربية، منخرطون مع إسرائيل ضمن اتفاقيات “أبراهام”.

فضلا عن ذلك، يرى عبيد أن الحالة الاقتصادية لمؤسسات الدولة السورية والإنسانية للشعب السوري في مناطق حكومة دمشق، والتي تعاني من تدهور شديد بسبب الحرب والعقوبات، والتي تحتاج إلى مساعدات دولية وإقليمية لتخفيف المعاناة، لا تشجع الأسد باتخاذ قرار حرب جديدة؛ بل تُملي عليه هذه الحالة السعي نحو التدخل لإنهاء هجمات “حماس” على إسرائيل.

حاليا موقف “حزب الله” والأسد وحتى إيران بعيدا عن التصريحات الإعلامية المساندة لـ”حماس”، تندرج بنظر عبيد تحت بند “التطبيع المطرّز بدقة”، فهؤلاء دفعوا الفصائل الفلسطينية نحو حرب غير متكافئة؛ من أجل تصدر الموقف واستعادة وزنهم الدولي والإقليمي، بالدخول كوسطاء لإنهاء هذه الحرب.  

البطاقة الصفراء لدمشق

وفقا لموقع “أكسيوس”، الذي أشار إلى أن العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، تشعر بقلق بالغ من احتمال امتداد الحرب إلى لبنان أو سوريا وتصاعدها إلى صراع إقليمي، فقد طلبت أبوظبي، أمس الاثنين، من بشار الأسد بشكل شخصي، بعدم  التدخل فيما وصفته بالحرب بين حماس وإسرائيل، خلال اتصال هاتفي جمع الأخير مع الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان.

وأشار الموقع أيضا، إلى أن هذا التحذير جاء مع صدور بيان مشترك لزعماء فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، في اليوم ذاته، جاء فيه أن  “هذه ليست اللحظة المناسبة لأي طرف معاد لإسرائيل لاستغلال هذه الهجمات لتحقيق مكاسب”.

تحذير الأسد من السماح بشنّ هجمات على إسرائيل من الأراضي السورية، جاء بعد الأنباء التي تواردت عن  دخول تعزيزات إيرانية إلى “تل القائد” قرب بلدة جباب شمالي درعا،  وإلى عدد من التلال العسكرية الواقعة شمال غربي درعا، وتلول الشعار وكروم في محافظة القنيطرة، إذ شملت هذه التعزيزات طائرات مسيّرة، وصواريخ فجر الإيرانية، وأسلحة متطورة.

التحركات الإيرانية لم تكن في جنوب سوريا، بل شهدت المناطق الشرقية للبلاد والمتلاصقة مع الحدود العراقية، دخول حافلات مجهولة الحمولة، من العراق إلى سوريا عبر البوابة العسكرية الإيرانية، قرب مدينة البوكمال شرق ديرالزور، كما نقل “الحرس الثوري” الإيراني، حوالي 50 عنصراً من جنسيات عراقية وأفغانية، مدربون بشكل جيد على استخدام الصواريخ المضادة للطائرات، وصواريخ “الكاتيوشا” وغيرها من الصواريخ المحمولة على الكتف، بحافلات تعود لـ” الحرس الجمهوري” التابع للجيش السوري من مدينة البوكمال نحو العاصمة دمشق.

كذلك، وحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن قادة الميليشيات الإيرانية التابعة لـ “الثوري” الإيراني، بدأوا حملة علاقات عامة عبر المراكز الثقافية في محافظة دير الزور، لحشد الرأي العام لدعم حركة “حماس”، وأعلنت عن فتح باب التبرعات والتطوع لقتال إسرائيل على الجبهة السورية الجنوبية.

التحذيرات الإماراتية جاءت أيضا بعد تأكيد إسماعيل السندواي، ممثل حركة “الجهاد الإسلامي” في سوريا المدعومة من إيران، أمس الاثنين، أن الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقرّا لها، عقدت اجتماعا طارئ على خلفية الأحداث المتسارعة في غزة، واتخذت قرارا بالمشاركة حال دخول الجيش الإسرائيلي برّا إلى غزة.

الأسد في قلب أهداف إسرائيل

في خضم هذه الأحداث، النأي بالنفس عن الانخراط بالمعركة ضد إسرائيل مما يسمون أنفسهم “داعمو المقاومة”، كالحكومة السورية و”حزب الله” اللبناني، وفصائل “الحشد الشعبي” في العراق، والقوة العسكرية الإيرانية المتمثلة بـ”الحرس الثوري” و”فيلق القدس” الإيراني، برز تصريح من داخل أروقة الحكومة السورية، يظهر أن هناك تحرك خفي لإيقاف معركة “حماس” على إسرائيل.

عضو مجلس الشعب السوري منذ العام 2008 عن حزب “الوحدويين الاشتراكيين” في محافظة درعا، خالد العبود، ذكر علنا أن، “نعتقد أنّ هناك من يستجدي الرئيس الأسد، لكي يبقى الطوفان محدودا”، مضيفا أن هناك وساطات واستجداءات إقليمية ودولية بأن يبقى “حزب الله” وسوريا وإيران خارج عملية “حماس” على إسرائيل، حسب وصفه.

تصريحات العبود تزامنت مع ما كشفته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، بأن الحكومة الإسرائيلية هّددت “حزب الله” اللبناني، بأنها ستضرب دمشق وستعرّض الرئيس السوري فيها للخطر، في حال دخوله النزاع الدائر في غزة في الوقت الذي أكد الحزب مقتل سبعة من عناصره في قصف إسرائيلي.

إسرائيل وجّهت تحذيرا لـ “حزب الله” اللبناني، عبر فرنسا، بأنه إذا ما دخل الحرب فإن إسرائيل قد تقوم “بتوجيه ضربات لدمشق مثل الضربات التي توجهها للضاحية الجنوبية، وأن بشار الأسد ومؤسساته بخطر”، في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن كل مكان يوجد فيه “حماس”، سيتحول لساحة دمار.

الجدير ذكره، أن “طوفان الأقصى”، عملية شنّتها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة على إسرائيل فجر يوم السبت، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشملت هجوما برّيا وبحريا وجويا وتسلّلا إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة، وأعلن عن العملية “محمد الضيف”، قائد الأركان في كتائب “عز الدين القسام”، الجناح العسكرية لحركة “حماس”، لتُعتبر هذه العملية أكبر هجوم على إسرائيل منذ عقود.

لكن منذ بدء العملية العسكرية التي شنّتها حركة “حماس” ضد إسرائيل، تشهد المنطقة تصعيدا خطيرا في العنف والصراع، وفي ظل هذه الظروف، يواجه الأسد و“حزب الله” اللبناني، تحدّيا كبيرا في تحديد موقفهما المتواري ودورهما في الأزمة، وبات يتردد داخل حاضنتهما الشعبية، أنهما يلعبان على الحبلَين، بين دعم “حماس” وتجنّب الحرب مع إسرائيل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة