على الرغم من تأكيد دمشق حتى وإن كان بشكل غير رسمي، أنها لن تشارك في الحرب بين القوات الإسرائيلية وحركة “حماس” في حال اتساع رقعة الحرب ووصولها إلى دول أخرى في المنطقة، إلا أن المخاوف الإقليمية والدولية ارتفعت وتيرتها مؤخرا من احتمالية وصول شظايا الحرب إلى سوريا، باعتبارها الساحة الأبرز لتصفية الحسابات بين الخصوم الإقليميين والدوليين.

إضافة إلى تأكيد دمشق، فقد أعلنت إيران في مناسبات عديدة أنها لن تشارك في الصراع الدائر في غزة، حيث تبرز المخاوف من تحوّل سوريا إلى ساحة حرب، بسبب انتشار الميليشيات الإيرانية في عديد المواقع السورية، كذلك اشتراك سوري مع إسرائيل بالحدود من منطقة الجولان.

سوريا المرشح الأول

في حال توسّع الحرب فإن المنطقة الأولى المرشحة لدخول الصراع هي سوريا، وذلك بسبب تداخل نفوذ العديد من القوى الإقليمية والدولية، حيث ستبدأ الدول وفي مقدمتها إيران وروسيا في تحريك قواتها ضد إسرائيل، التي بالتأكيد سوف ترد بقصف مواقع في سوريا، الأمر الذي ينذر بانهيار الهدوء النسبي الذي عاشته سوريا خلال السنوات الماضية.

تزامنا مع هذه المخاوف، ظهرت بعض المحاولات الدولية لإعادة المشهد السياسي في سوريا إلى الواجهة، على اعتبار أن غياب الحل السياسي للأزمة السورية، يزيد من احتمالية عودة النزاعات وتحوّل البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية في سوريا.

الأمم المتحدة وتركيا، ركّزت خلال جلسة “مجلس الأمن” الدولي الأخيرة، على تسليط الضوء على غياب الحل السياسي في سوريا، ودعت الأطراف الدولية إلى بذل جهود من أجل دفع العملية السياسية في البلاد، وذلك تجنّبا لتحول إلى ساحة حرب، متأثر بما يحصل بين إسرائيل و”حماس” مؤخرا.

على الرغم من التطمينات الواردة من طهران ودمشق بشأن المشاركة العسكرية في الحرب، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يضمن عدم توجّه أحد الأطراف إلى التصعيد بأي لحظة من اللحظات، خاصة وأن الوجود الروسي في سوريا يعقّد الموقف الراهن أكثر، تزامنا مع التوتر الكبير الذي تشهد العلاقات الروسية الإسرائيلية، ما يرفع احتمالية أن تستخدم روسيا نفوذها في سوريا لتهديد إسرائيل، وبذلك تتحول سوريا إلى كرتٍ بيدِ بعض القوى الإقليمية والدولية.

بعد أشهرٍ من الجمود السياسي في سوريا، دعت نائبة السفير التركي لدى الأمم المتحدة، سيرين هاندي أوزغور، إلى “إعادة تفعيل اللجنة الدستورية السورية في أسرع وقت ممكن”، مشيرة إلى أنه “لا ينبغي تهميش المعارضة السورية”.

في كلمتها خلال جلسة “مجلس الأمن” بشأن سوريا، قالت أوزغور إن “مطالب السوريين لم يتم تلبيتها بعد 12 عاماً من الحرب”، محذرة من أن سوريا “ليست محصّنة ضد مخاطر توسع الصراع بين إسرائيل وحماس، ولا بد من الوعي لمنع ذلك”.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن سوريا فعلا مرشّحة لأن تتحول إلى ساحة صراع إقليمية ودولية على الرغم من عدم وجود رغبة لدى دمشق بالمشاركة في هذه الحرب، مشيرا إلى أن وجود سوريا بهذه الظروف وهذا الانتشار لقوى دول عديدة، يرفع من احتمالية توسّع الحرب في غزة على اعتبار أن ساحة التوسع جاهزة ومتوفرة.

حلول مطروحة

دفع العملية السياسية في سوريا، هي أبرز الحلول المطروحة لتجنّب تحوّل سوريا لساحة قتال، هذا في حال عدم نجاح القوى الدولية بإنهاء الحرب القائمة بين القوات الإسرائيلية وحركة “حماس”، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول جدّية الأطراف في سوريا للجلوس على طاولة واحدة، والتوافق على خارطة طريق يمكن من خلالها التّقدم في العملية السياسية.

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “كل أطراف الصراع في سوريا تقريبا تنخرط في الصراع في غزة بطريقة أو بأخرى، سوريا ستكون ساحة قتال في حال توسّعت الحرب، وذلك بسبب الوجود الإيراني، ووجود حدود برّية مع إسرائيل عبر هضبة الجولان”.

قد يهمك: دور واضح لإيران.. ما هي مصالح روسيا من دعم حركة “حماس” ضد إسرائيل؟

الاصطفاف الإقليمي بات أكثر وضوحا بعد بدء التصعيد في غزة، فاتضحت مؤخرا ملامح التوافق الروسي الإيراني، حيث تقف إيران وأذرعها من الميليشيات بدعم روسي قوي ودعم صيني ناعم او خجول بمواجهة اسرائيل والحشد الأطلسي المؤازر لها وعلى رأسه الولايات المتحدة.

إن تهيئة الظروف للعملية السياسية في سوريا، قد يجعل من أمر توسيع الحرب في غزة أكثر تعقيدا لعدم توفر الساحة المناسبة، إذ إن توافق القوى الدولية على توحيد أطراف الصراع في سوريا على خارطة طريق واحدة، سيقلّل من احتمالية وصول شظايا الحرب إلى البلاد، فهل طريق السلام في غزة يمرّ عبر سوريا.

هنا أوضح معراي، أن ما يجلب السلاح لسوريا هو التوافق الإقليمي والدولي، وهو الشيء المفقود نتيجة اندلاع الحرب في غزة، حيث الاشتباك العسكري والسياسي والدبلوماسي والإعلامي في ذروته وهو ما سيعرقل أي سلام قادم الى سوريا لحين وضوح الصورة وتبيان شكل موازين القوى الجديد في المنطقة.

برأي معراوي، فإن الوجود الروسي في سوريا يعقّد المشهد أكثر، حيث تزداد العلاقات الروسية الاسرائيلية سوءا منذ بدء حرب غزة “وقد ينهار بقايا التنسيق بينهما، وليس غريبا في الحروب حدوث أخطاء تؤدي لما لا تريده أطراف الصراع، المنطقة عموما وسوريا خصوصا هي في قلب برميل البارود ينتظر الصعقة التي تشعله ليفجر المنطقة كلها.

بالعودة إلى الجهود الأممية والتركية، فإن الجانبين يريان نفسيهما غير منخرطين بالحرب الدائرة حاليا حتى الآن على الأقل، لذلك فإن تركيا حريصة على ما يبدوا على عدم اقتراب ساحة المعركة من حدودها، ما يعني أن التصعيد في غزة قد يكون سببا في عودة الاهتمام الدولي بالملف السوري.

فالتطورات في غزة جعلت المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسن، يدق ناقوس الخطر، معتبرا أن الوضع الراهن في سوريا هو الأخطر منذ فترة طويلة على حدّ تعبيره، وأضاف خلال جلسة “مجلس الأمن” الدولي الأخيرة “إضافة إلى العنف الناجم عن النزاع في سوريا نفسها، يواجه الشعب السوري الآن امكانية تصعيدٍ قد يكون أوسع مرتبط بالتطورات الخطيرة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة”.

جميع المعطيات القادمة من دمشق، تؤكد أن القيادة السورية تتجنّب التصعيد ضد إسرائيل، وذلك كنوع من الخوف من تبعات الانخراط في هذا الصراع، هذا فضلا عن الاتصالات التي أجراها اللواء علي مملوك، وهو رئيس “مكتب الأمن الوطني” في سوريا.

مملوك أجرى العديد من الاتصالات خلال الأسبوع الماضي مع استخبارات عدّة دول في المنطقة بينها الإمارات العربية المتحدة، وذلك بهدف إخبارهم بعدم وجود نيّة من قِبل القيادة السورية بالانخراط في أيّ حربٍ إقليمية هذه الفترة، لكن يبدو أن هذا لم يكن كافيا لطمئنة عدم وصول شظايا الحرب إلى الأراضي السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات