للوهلة الأولى، عندما يرى المرء صور المسجد الجديد ذو القبة الذهبية في أفغانستان، يظنّ أنه “المسجد الأقصى” الموجود في القدس، لكنه نسخة طبق الأصل من قبة الصخرة.

وتبرز القبة المذهّبة فوق أحد تلال العاصمة الأفغانية ضمن مسجد، دشّنت خلاله هذه النسخة الأفغانية الجمعة الماضي في مراسم حرص خلالها مسؤولون في حركة “طالبان” الحاكمة في كابل على التعبير عن تأييدهم للفلسطينيين، في خضم الحرب الدائرة في قطاع غزة.

طالبان تحتفي بفلسطين

وفق “وكالة الصحافة الفرنسية” (أ ف ب) مؤخرا، يتبع هذا المسجد تصميم قبة الصخرة الواقعة في الحرم القدسي بالقدس الشرقية. وهو ما أكد عليه وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني، في بيان، قائلا “شيّد هذا المسجد (…) للتعبير عن حب المسلمين، وخصوصا الأفغان، لفلسطين”، والحرم القدسي.

القبة المذهبة للمسجد نسخة طبق الأصل لقبة الصخرة الواقعة بالحرم القدسي في القدس الشرقية- “أ.ف.ب”

اللافت، أن المسجد يحمل اسم الملا عمر، مؤسس حركة “طالبان”، وتم تمويله من طرف المنظمة الخيرية التركية “إي دي دي إي إف”. لكن التساؤل الذي يطرح هنا، وهو أنه ما دام بناء المسجد جاء كنوعٍ من الدعم للفلسطينيين، فلماذا لم يسمَّ باسم فلسطين أو القدس أو أي شيء يدل على دعم الفلسطينيين، بل سُمّي باسم مؤسس “طالبان”.

في السياق، قال أحد العاملين في هذه المنظمة، محمد عريف فارمولي: “نحن سعداء لأنه يشبه قبة الصخرة، إنه مكان مقدّس عند المسلمين ويجب أن يكون مثله في كل بلد مسلم”. وأتى عدة أشخاص لصلاة المغرب في المسجد، مساء الأحد الفائت، بينما كانت الشمس تميل ببطء خلف الجبال المحيطة بكابل، وهو يتسع لـ 350 مصلّيا.

ويقول أحد هؤلاء المصلين، زهيد الله دنكشينار، البالغ 30 عاما، ويعمل سائقا “عندما أصلي هنا أشعر بأن دعائي مستجاب”، بينما يؤكد ذكير خان (20 عاما) أن تشييد هذا المسجد هو تكريم للفلسطينيين، ويضيف “الحب الذي نكنّه لهم يعبر عن رابطة قوية بين المسلمين، ويجب علينا أن نحافظ عليها”.

حكم إسلاموي متطرف

وبينما تتغنى حركة “طالبان” بدعمها للفلسطينيين عبر تدشين مسجد، وتعتبر ما يحدث في غزة حربا ضد المسلمين، فإن نحو 1.73 مليون لاجئ أفغاني مقيم في باكستان يخشون إعادتهم قسرا إلى البلاد، بسبب سياسات الكراهية المتّبعة حاليا في أفغانستان.

إضافة إلى خلاف نسبة كبيرة من الأفغان مع “طالبان” التي تولّت السلطة قبل نحو عامين، خاصة من الأقليات العرقية، ونشطاء المجتمع المدني، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمسؤولين الحكوميين، وأعضاء سابقين في قوات الأمن، وبالطبع النساء والفتيات بشكل عام.

ما يبعث الخوف لدى الأفغان المجبرينَ على العودة من باكستان إلى بلادهم، هو أن حياتهم مهددة بالخطر، نظرا لأن نسبة كبيرة منهم فرّوا عندما تولّت “طالبان” السلطة، ذات التوجهات الإسلاموية المتشددة. ويفسّر باحثون متخصصون في شؤون الجماعات الإسلامية ذلك نتيجة فشل حكم “طالبان” في إدارة البلاد، على الرغم من أنها كانت تتغنى وتقدّم الوعود في بداية تسلّمها للسلطة بأن نظامها سيكون أكثر تساهلا من فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001، والترويج لفكرة أنها ستتصرف بشكلٍ مختلف، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المحلية مثل تعليم الإناث، وخارجيا فيما يتعلق بقضايا الإرهاب.

غير أن كلّ هذه الوعود لم تكن سوى حبرٍ على ورق، فسرعان ما عادت الحركة المتطرفة إلى تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية الذي وسم حكمها في تسعينيات القرن الماضي، حيث فرضت قيودا صارمة على حرية وتنقّل النساء والفتيات الأفغانيات، واتخذت خطوات عديدة لقمع حريات النساء، ولا سيما خلال الفترة الماضية.

هذا وهرع آلاف الأفغان غير المسجلين في قوائم اللاجئين في باكستان إلى الحدود، حيث يواجهون موعدا نهائيا يجبرهم إما على مغادرة البلاد أو ترحيلهم، وفقا لما ذكرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية.

الآلاف من المواطنين الأفغان فرّوا إلى باكستان في الأشهر التي أعقبت سيطرة “طالبان” على حُكم البلاد في أغسطس 2021، خوفا من ملاحقتهم أو قتلهم أو اعتقالهم. ويعيش حاليا أكثر من مليوني أفغاني غير شرعي في باكستان، من بينهم 600 ألف فرّوا بعد سيطرة “طالبان” على بلادهم، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.

وكان مسؤولون في إسلام آباد قد قالوا في وقت سابق، إن “الأفغان الذين يعيشون في البلاد بشكل غير شرعي، سيواجهون الاعتقال والترحيل بعد انقضاء يوم الثلاثاء”.

وتركت هذه الحملة مَعبرَي توركام وشامان الحدوديين، في الجانبين الشمالي والغربي من الحدود المشتركة بين البلدين، مفتوحَين بعد الساعة الرابعة مساءً، في تاريخ الموعد النهائي، للسماح لأولئك الذين يرغبون في المغادرة من هاتين النقطتين”.

An Afghan family stands by their truck, loaded with belongings as they along with others are returning home, after Pakistan gives the last warning to undocumented immigrants to leave, at the Friendship Gate of Chaman Border Crossing along the Pakistan-Afghanistan Border in Balochistan Province, in Chaman, Pakistan October 31, 2023. REUTERS/Abdul Khaliq Achakzai

وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام عن مسؤولين باكستانيين، فإن أكثر من 200 ألف أفغاني غادروا البلاد منذ بدء الحملة الأمنية في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وقد أكدت وكالات الأمم المتحدة أيضا هذه الزيادة الحادة. وقالت باكستان إن عمليات الترحيل ستتم بطريقة “تدريجية ومنظمة”.

تنديد دولي

هذه الحملة، قوبلت برفض واسع، على اعتبار أنها تؤثر على آلاف الأفغان الذين ينتظرون حصولهم على طلبات اللجوء الخاصة بهم من طرف الوكالات الدولية ذات الاختصاص.

وتمارس العديد من سفارات الدول الأعضاء في “حلف شمال الأطلسي” في إسلام آباد، إلى جانب وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ضغوطا مع مسؤولين في الحكومة الباكستانية على أعلى المستويات، للحصول على إعفاء من الترحيل لآلاف الأفغان الذين ينتظرون إعادة توطينهم في الدول الغربية، وفق الصحيفة البريطانية.

وأثارت الحملة الباكستانية انتقادات واسعة النطاق من وكالات الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان. وطلب مسؤولون في السفارات الغربية والأمم المتحدة من باكستان، “إيجاد طريقة للتّعرف على آلاف المهاجرين غير الشرعيين وحمايتهم، لمنع تعرّضهم للاضطهاد على يد حركة طالبان”.

وقال المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في باكستان، قيصر خان أفريدي: “نطلب من الحكومة وضع نظام وآلية شاملين، لإدارة وتسجيل الأشخاص المعرّضينَ لخطر الاضطهاد المباشر إذا أُجبروا على العودة”.

وأردف: “لا يستطيعون الرجوع، لا يمكنهم العودة إلى أفغانستان لأن حريتهم أو حياتهم قد تكون في خطر”. ولم يتضح على الفور ما إذا كانت باكستان قد وافقت على قبول مقترحات الأمم المتحدة والسفارات الأخرى. وتأتي الحملة التي تشنّها باكستان وسط توتر في العلاقات بينها وبين حكام “طالبان” المجاورة.

وتتهم إسلام آباد حكومة “طالبان” بغضّ الطرف عن المسلحينَ المتحالفينَ مع الحركة الأصولية، حيث يجدون ملاذا في أفغانستان بما يساعدهم على حرية الحركة ذهابا وإيابا عبر الحدود المشتركة بين البلدين، التي يبلغ طولها 2611 كيلومترا، لشنّ هجمات في باكستان. وفي المقابل، تنفي “طالبان” ذلك كالمعتاد.

من جانب آخر، ومع اقتراب فصل الشتاء، فإن عمليات ترحيل الأفغان سوف تؤدي إلى تأزيم الأزمة الإنسانية المأساوية أصلا في أفغانستان، خاصة وأن كابل واحدة من أكثر الدول فقرا في العالم، فقد عانت من أزمات إنسانية حادة متتالية، لا سيما بالنسبة للنساء والفتيات اللاتي منعتهن “طالبان” من الحصول على التعليم بعد الصف السادس، ومن ولوج من معظم الأماكن العامة والوظائف، فضلا عن تقييد الحقوق والحريات ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.

عودة الأفغان من باكستان إلى أفغانستان- “إنترنت”

وفي هذا الصدد، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة على المنصة “إكس” (تويتر سابقا) أمس الثلاثاء “إن الشتاء القاسي في أفغانستان سيحل بعد أسابيع قليلة حيث ستضطر الأسر إلى الاختيار المستحيل بين تدفئة منازلهم وإطعام أطفالهم”.

من جانبها، أكدت كورينا فيتزنر، المديرة التنفيذية للجنة الإنقاذ الدولية “آي آر سي” في ألمانيا أن “الوضع في البلاد مأساوي بالفعل”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات