لقد كان تدخّل إيران في السياسة الداخلية للعراق ضارا ومتزايدا منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وكتب مجلس العلاقات الخارجية، أن إيران لديها علاقات مع أكثر من اثني عشر حزبا سياسيا في العراق. 

وقد عملت إيران، وهي دولة ذات أغلبية مسلمة شيعية، على تأجيج العِداء الطائفي بين الشيعة والسُّنة في العراق بهدف شامل هو زعزعة استقرار الديمقراطية الناشئة، التي تمكنت من تقاسم السلطة بين الشيعة والسُّنة والكُرد.

أذرعٌ داخل المؤسسات الرسمية

وفق وصف موقع “إيكسيك إيدج” الأميركي، فقد شهد العالم هذا الأسبوع العمل الأكثر “وقاحة” للتدخل الإيراني منذ سنوات، عندما أطاحت “المحكمة الاتحادية العليا” في العراق – من العدم حرفيا – برئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، وهو أعلى مسؤول سُنّي في البلاد.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (يسار) يلتقي برئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي (يمين) خلال زيارة رسمية في بغداد، العراق في 01 مارس 2023. (تصوير مجلس النواب العراقي)

وقال الحلبوسي في تصريح مصوّر بعد قرار المحكمة: “أنا مستغرب من صدور هذه القرارات، أنا مندهش من عدم احترام الدستور”.

وتعرضت “المحكمة الاتحادية العليا” في العراق لانتقادات بسبب قراراتها المؤيدة لإيران في الماضي من مجموعات داخل العراق وخارجه، فعلى سبيل المثال، تعارض إيران توسيع تمثيل إقليم كردستان في البرلمان العراقي، خشية أن يأتي ذلك على حساب الأحزاب العراقية الموالية لإيران. 

مراراً وتكراراً، أصدرت “المحكمة الاتحادية العليا” أحكاماً ضد إقليم كردستان ولصالح إيران، حسبما أفاد معهد “كردستان” بواشنطن، مضيفا “حقيقة الأمر هي أن جميع أحكام المحكمة العليا تتماشى تماماً مع مصالح إيران”، كما يكتب المعهد.

ومن المثير للاهتمام أن “المحكمة الاتحادية العليا” في العراق لم تقدم أي تفسير لحكمها بإطاحة الحلبوسي، ولا يوجد استئناف على الحكم الذي يقضي بعزل الحلبوسي من رئاسة البرلمان ومن البرلمان بشكل عام. 

واحتجاجا على الحكم، استقال ثلاثة وزراء في الحكومة العراقية متحالفين مع الحلبوسي و”حزب التقدم”، ووصف وزراء التخطيط والصناعة والثقافة قرار “المحكمة الاتحادية العليا” بأنه “غير دستوري” و”استهداف سياسي واضح”، حسبما ذكرت وكالة “رويترز”. 

وقال الحزب الذي يمثّله الحلبوسي، إنه سيقاطع أيضا اجتماعات ائتلاف إدارة الدولة وسيقاطع نواب حزب “التقدم” البرلمان، وأفادت “رويترز” أيضاً أن المنتقدين اتهموا “المحكمة الاتحادية العليا” بأنها “تخضع على نطاق واسع للنفوذ السياسي”.

تلاعب طهران

تم انتخاب الحلبوسي لأول مرة لعضوية البرلمان في عام 2014، ثم غادر ليصبح حاكم محافظة الأنبار غربي العراق، ذات الأغلبية السُّنية، وعاد إلى البرلمان في عام 2018 كرئيس وأُعيد انتخابه في عام 2021. 

الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش (الثاني على اليمين) يلتقي برئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي (يسار) في بلغراد، صربيا في 10 أكتوبر 2023. (تصوير ميلوس ميسكوف / غيتي)

وخلال قيادته للأنبار والبرلمان، أسس الحلبوسي لموقف حكم شامل، واكتسب سمعة باعتباره مشرّعاً يمكنه العمل مع جميع الأطراف، وأثبت الحلبوسي، وهو مهندس بالتدريب ورجل أعمال، خلال فترة وجوده كمحافظ للأنبار أنه قادر على إقناع الناس بالعمل معا من أجل مصلحة العراق.

من خلال تمثيله للجيل الأصغر من القادة في العراق، أظهر الحلبوسي كيف شكّلت الطائفية الوضع الراهن، حيث كانت ظلال الصراعات الإقليمية وتأثيرها على شباب البلاد عميقة، وهو يدرك أن شباب العراق يسعون إلى تحقيق نتائج ملموسة وليس مجرد خطابات.

وشكّلت فترة ولاية الحلبوسي كمحافظ للأنبار نقطة تحول في تاريخ المحافظة، فخلال فترة ولايته، شهدت الأنبار انتعاشاً ملحوظاً مدفوعاً بصمود وتصميم شعبها، الذي تمكّن من حشد التعاون على الرغم من التحديات الكبيرة.

وبسبب الصراع الذي عانت منه الأنبار، لم يعد في المحافظة مكتب محافظ رسمي، وبدلاً من ذلك، أدار الحلبوسي شؤون المحافظة من منزل خاص، ومما زاد من الصعوبات الانخفاض الدوري في أسعار النفط، مما أدى إلى شلّ ميزانيات العراق. 

كانت الأنبار بحاجة إلى إعادة البناء، لكن لم يكن لديها موارد، وتمكّن الحلبوسي من إقناع الشركات في الأنبار ببناء بنية تحتية جديدة على وعد بزيادة الدعم عندما تنتعش أسعار النفط، وعندما فعلوا ذلك، تم دفع أجور المقاولين. 

وفي الوقت نفسه، تقدّم سكان الأنبار بطرق غير عادية، فعلى سبيل المثال، أبلغت الأمم المتحدة الحلبوسي بأن إزالة جميع الأنقاض التي خلّفتها الحرب من الأنبار ستستغرق عامين، ومن خلال العمل بمفردهم، تمكن مواطنو الأنبار من تطهير محافظتهم خلال أربعة أشهر.

وقد أحاط المجتمع الدولي علماً بقيادة الحلبوسي والتقدم الملحوظ الذي حققته الأنبار، وكما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” في عام 2021، فإن تحسّن الظروف الأمنية مكّن سكان الأنبار من إعادة بناء حياتهم ومنازلهم، وعليه استثمرت الحكومة العراقية والوكالات الدولية بكثافة في تعزيز البنية التحتية في المنطقة، بما في ذلك الطرق والجسور، وقد عاد حوالي 1.5 مليون شخص كانوا قد نزحوا بسبب الصراع إلى الأنبار.

إن التدخل الإيراني في سياسة العراق وشؤونه الداخلية لم يوجّه ضربة مزعزعة لاستقرار الحكومة التي كانت تسير على الطريق الصحيح فحسب، بل إن تلاعب طهران بـ “المحكمة الاتحادية العليا” أدى إلى إزاحة واحد من أكثر زعماء العراق فعالية من الميدان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات