بعد أن تعهّد رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، بأن الحركة ستهزم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وأن “المقاومة” مستعدة لحرب طويلة مع تل أبيب، أعلن هنية تالياً، أنهم على مقربة من التوصّل إلى اتفاق على هدنة مؤقتة مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما حدث فعليا فجر الأربعاء.

فبعد قتال دام 47 يوما، خلّف وراءه ما يقرب من 15 ألف قتيل، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 33 ألف شخص، وتهجير ما يقرب من 1.7 مليون من سكان القطاع، الذي دُمّرت أجزاء كبيرة منه، توصّل الطرفان أخيرا إلى “هدنة إنسانية” لمدة أربعة أيام قابلة للتمديد بوساطة مصرية قطرية ودعم أميركي.

وسيتم خلال الهدنة المؤقتة الإفراج عن 50 امرأة وطفلا من بين المختطفين الذين تحتجزهم “حماس”، مقابل إطلاق سراح 150 امرأة وطفلا فلسطينيينَ من السجون الإسرائيلية، كما سيتم السماح بدخول مئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية والطبية والوقود إلى غزة.

وكان من المفترض أن تدخل أول هدنة إنسانية في القطاع حيّز التنفيذ صباح اليوم الخميس، لكن بحسب مصدر فلسطيني مطّلع على مباحثات اتفاق الهدنة، لـ”وكالة فرانس برس”، إن التأخير في بدء تطبيق الهدنة له علاقة بتفاصيل اللحظات الأخيرة، المتعلقة بأسماء الرهائن الإسرائيليين المختطفين، وآلية تسليمهم. وخلال ساعات النهار اليوم (الخميس) من المفترض أن يتم الإعلان من قِبل الوسطاء، عن موعد بدء تنفيذ الهدنة.

لكن وسط كل هذا لا بدّ من التساؤل عن الأسباب التي دفعت “حماس” للدخول في مفاوضات مع إسرائيل بعد خطابات الوعيد والتهديد بأن الحركة ستواصل القتال وستهزم الجيش الإسرائيلي، وما أهمية أن تكون “حماس” جدّية في هذه الهدنة والمفاوضات اللاحقة، كما أن ثمة تساؤل مُلحّ هنا، وهو: ماذا عن حسابات الربح والخسارة لطرفي الصراع التي يمكن تحقيقها من هذه الاتفاقية المؤقتة التي تبدو مجرد خطوة أولية على طريق طويل ومحفوف بالمخاطر نحو التوصّل إلى اتفاق نهائي لوقف القتال.

هدنة مؤقتة بـ غزة.. لماذا الآن؟

بحسب العديد من التحليلات، من الواضح أن قبولَ الطرفين للدخول في مفاوضات ومن ثم التوافق على هدنة مؤقتة، يمثّل حاجة الاثنين لأن يعيد حساباته حول ما إذا كان الخيار العسكري مجديا، فضلا عن تحقيق التوازن في حواضنهم الشعبية، فمثلا ثمة ضغوط كبيرة من عوائل الرهائن على حكومة بنيامين نتنياهو، لأن يتوصل لهدنة ما واستعادة الرهائن وإن كان ليس جميعهم، على الرغم من أن الخطوة التي ستلي تلك الهدنة ليست واضحة. بمعنى آخر الموافقة على الاتفاق مع “حماس” يمثل ضرورة قصوى لإسرائيل وحتى مستقبل نتنياهو السياسي.

شاحنات تحمل مساعدات تنتظر دخول غزة عبر معبر رفح في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، في العريش، مصر. 
(علي مصطفى- غيتي إيماجيس)

لكن في الوقت ذاته لا يمكن القول بأن موافقة تل أبيب على الهدنة المؤقتة، يعني أن مواقفها بدأت تلين وأنها سوف تتراجع عن تحقيق الأهداف العسكرية المطلوبة والضرورية بحيث تشكّل هذه الهُدن مساحة لـ”حماس” إلى إعادة ترتيب صفوفها ومضاعفة قوتها الاستراتيجية، إذ تقول إسرائيل منذ البداية أن هدف إسرائيل القضاء على “حماس”، وهو أمر شدّد عليه نتنياهو قبل الإعلان عن موافقة إسرائيل على الهُدنة، حيث قال: “الأمن الإسرائيلي تدعم صفقة الرهائن لكن الحرب على حماس ستستمر”.

أما بالنسبة لـ”حماس”، فيبدو أن ما جعلها تنخرط في المفاوضات والقبول بالهدنة المؤقتة بعد قتال عنيف دام لفترة ليست بقليلة، والتي دفع ثمنها سكان قطاع غزة لوحدهم، هو أنها تحاول أن تكسب من هذه المفاوضات والاتفاقية المؤقتة، أن تظهر بموقع القوة أي تحقيق “نصر تكتيكي”، على الرغم أن الواقع غير ذلك، فهذه الحركة باتت منهكة على جميع الأصعدة، وهو ما دفعتها للرضوخ وكنوعٍ من الحفاظ على الأوراق التي ظلت في يديها، أن تذهب لعقد صفقة تبادل الأسرى لديها بمساجينَ فلسطينيين.

فمنذ الإعلان عن الهدنة المؤقتة بين إسرائيل و”حماس”، تحاول الأخيرة عبر أدواتها الإعلامية وجيشها الإلكتروني القول بأنها حققت “انتصارا” بقبولها بهذه الهدنة، إذ كثرت خلال اليومين الماضيين أحاديث من هذا القبيل على مواقع التواصل الاجتماعي.

واعتبرت المنابر الإعلامية الإيرانية ووسائل الإعلام الموالية لـ”حماس” أن هدنة غزة هي “انتصار” لسكان القطاع، حيث إنهم يحاولون تمرير فكرة أن “حماس من فرضت شروطها ضمن الاتفاقية”، وهو ما يبدو عكس الواقع تماما، مع تجاهل تام لعدد الضحايا والأطفال المنهكينَ والمدنيينَ الذين يبحثون عن الأمان المؤقت الذي لن يحصلوا عليه في “هدنة الأيام الأربعة التي فازت بها حماس لتمرير مكتسبات معينة على حساب شعب كامل في غزة وضعته أمام فوهة بركان”، وفق بعض التحليلات.

الأسرى كأدوات ضغط

من جانب آخر، “حماس” باتت تدرك أنها إذا ما أخذت قسطا من الاستراحة فإنها سوف تُدمَّر بشكل شبه نهائي خاصة بعد أن أخبرتها إيران بأنها هي ووكلائها (حزب الله) لن تقاتل إلى جانبها، وبالتالي ستفقد حاضنتها الشعبية بنسب أكبر مما أفقدته خلال هجومها المباغت على إسرائيل.

وبهذا المعنى، فإنه باستمرار القتال وعدم الدخول في هُدنٍ واتفاقيات مؤقتة، ستضحى غزة مجرد مناطق منكوبة ومدمّرة كليا، لا سيما وأن عناصر الحركة الإسلاموية متغلغلة داخل القطاع وفي الأبنية السكنية، ولذلك فهي تحاول كسب الوقت لإعادة التموضع وترتيب حساباتها، بحيث أن لا تخسر كامل ورقة القضية الفلسطينية، أو أن تصبح مجرد أداة تحركها طهران كيفما تشاء ومتى ما تشاء، خصوصا وأن ثمة انقسامات داخل قيادات “حماس”، وفق مصادر خاصة.

كما لا يمكن التغاضي عن أن الوضع في غزة وملف المفاوضات بين إسرائيل و”حماس” معقّد جدا والتوقيت حساس جدا أيضا.

الباحث الأميركي، مايكل مورغان لـ”الحل نت”

يرى الأكاديمي الأميركي، والباحث السياسي في مركز “لندن للدراسات السياسية والاستراتيجية” مايكل مورغان، أن “حماس تعلم جيدا أن ملف الأسرى هو الكارت القوي التي ستستخدمه في المفاوضات سواء في وقف إطلاق النار في الوضع الراهن أو محاولة الوصول إلى اتفاق في وقت لاحق”.

ويشير الباحث الأميركي في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “حماس” تعلم جيدا أن الضغط بملف الأسرى يؤدي إلى فرض ضغط شعبي داخلي على حكومة نتنياهو ووزارة الدفاع الإسرائيلية”. كما لا يمكن التغاضي عن أن الوضع معقّد جدا والتوقيت حساس جدا ويعتقد مورغان، أنه ليس بالصدفة وخاصة في وضع مصر الاقتصادي بالتزامن مع توقيت الانتخابات في مصر وقريبا في الولايات المتحدة الأميركية.

أهمية انخراط “حماس” بالمفاوضات جديا

نسبة كبيرة من الشارع العربي، وخاصة في فلسطين، بعد إطالة أمد الحرب لأكثر من شهر ونصف، ترى أنه لا رابح في كل ما يحدث اليوم سوى إيران التي تقف بشكل أو بآخر وراء هجمات أكتوبر، والتي تحصد مكاسب سياسية على حساب قضية الشعب الفلسطيني ودماء أهل غزة وبيوتهم المدمّرة وأطفالهم، خاصة أنه لا أفق حول توقيت وقف هذه الحرب التي يبدو أنها مستمرة حتى الربع الأول من العام المقبل، وفق التقديرات.

ويعتقد الباحث الأميركي أن الخاسر الأكبر في أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو الشعب الفلسطيني الذي على بعد خطوات قليلة من خسارة جزء كبير من الـ11 بالمئة المتبقية له من الأراضي الفلسطينية بعد حدود 67 والمستوطنات التي تابعتها.

شوهد انفجار في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على غزة، كما يظهر من جنوب إسرائيل، في 23 تشرين الثاني/نوفمبر. ( ليو كوريا- أ ب)

وحول إذا وضعت “حماس” الفلسطينيين والسلطة في الضفة في موقف صعب بدون بدائل وجعلتهم ع الحافة من دون سند أو خيار، يرى مايكل مورغان، أن هذا تعبير قريب من الصحة، حيث إنه من الواضح أن “حماس” أرادت تحريك مياه الحرب بدون حساب عواقب الهجمة الانتقامية، وبدون وضع خطة لحماية المدنيين من الفلسطينيين، الأمر الذي يؤكد عدم قدرة “حماس” على حكم غزة، بل بالأحرى قدرتها في حرب الشوارع والمقاومة وليس كحكومة تصلح لإدارة شؤون دولة.

بالتالي من المهم أن تكون حماس جدّية في تنفيذ الهدنة المؤقتة، والانخراط في مفاوضات لاحقة، خاصة وأنها تستنزف من الداخل (مع غياب أي دعم عسكري إيراني). ويدفع ثمن استمرار القتال أهالي غزة فقط، فضلا عن أن عدم جدّيتها في المفاوضات وإن كانت الشروط ليست في صالحها، سوف تخسرها حاضنتها الشعبية بنسب كبيرة، لا سيما وأن هناك انقساما في رأي الشارع حول نتائج هجومها على إسرائيل، وأنه لم يجلب سوى الدمار للشعب الفلسطيني، في مقابل أن “حماس” تقدم مكاسب على طبق من فضة لإيران وأجندتها في المنطقة.

“حماس انتهت سياسيا”

وفي سياق تموضع “حماس” سياسيا في غزة بعد هذه الحرب جرّاء هجومها، يرى مايكل مورغان، أن “حماس انتهت سياسيا في غزة ومن الممكن أن تستغل إسرائيل إخفاقات حماس تجاه المواطنين الفلسطينيين، الأمر الذي يسرع بانتهاء حماس سياسيا فقط وليس حربيا، حيث أن حماس أثبتت أنها صامدة حتى الأن أمام الهجوم الإسرائيلي وخاصة لوجود أعضاءها داخل أنفاق معقّدة تحت غزة بأكملها، الأمر الذي يصعب على تل أبيب إنهائها عسكريا”.

قطر تستخدم وجود بعض كبار قيادات “حماس” داخل بلادها لمحاولة لعب دور مصر منذ الأزل في ملف القضية الفلسطينية، وخلق مكانة ودور إقليمي مؤثر في الساحة الدولية.

أما حول دور وسطاء الهدنة الإقليميين ومصالحهم وارتباطاتها بـ”حماس”، يقول مايكل مورغان لـ”الحل نت”، إنه من الواضح أن “قطر تتصدر المشهد في المفاوضات في الفترة الحالية وأن دور مصر تبلور في مخطط التهجير الممنهج للفلسطينيين تجاه الجنوب وتحديدا معبر رفح وسيناء في الفترة الأخيرة”.

ولذلك، فإن قطر تستخدم وجود بعض كبار قيادات “حماس” داخل بلادها لمحاولة لعب دور مصر منذ الأزل في ملف القضية الفلسطينية، منذ أن بدأت التزامها لخلق مكانة ودور إقليمي مؤثر في الساحة الدولية، في ختام حديث مايكل مورغان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات