واقعيا، لا تترك الصين أي منجم يبصر النور في المنطقة إلا وحطّت عينها عليه، لتتشارك به، وطريق التنمية العراقي، لم يفلت منها، فبكين تفكر به منذ المؤتمر التأسيسي للمشروع، لكنها مؤخرا باتت تتحدث بوضوح عن رغبتها وعزمها المشاركة به.

طريق التنمية مشروع عراقي، أطلقته حكومة بغداد في أيار/ مايو المنصرم، فكرته الأساسية ربط الشرق بالغرب، أو بطريقة أوضح، ربط الخليج العربي من جنوب العراق بأوروبا عبر شمال العراق عن طريق تركيا، وهو طريق سككي وبري، يمتد على 12 محافظة عراقية من الفاو إلى زاخو. 

تفاصيل المشروع

بحسب الحكومة العراقية، فإن المشروع سيخدم المنطقة اقتصاديا، ومن المفترض أن يُنجز بمدة قياسية، ابتداء من العام المقبل 2024 وحتى عام 2028، لكنه يمتد على 3 مراحل لأجل إنجازه، المرحلة الأخيرة وبحسب الجدول الزمني يفترض أن تكتمل بعد 27 عاما من هذا العام.

بالنسبة للطريق السككي، فإن السكة الحديدية المخططة تبدأ من ساحل الخليج العربي حيث ميناء الفاو الكبير العراقي جنوبي العراق ومتد إلى منفذ فيشخابور العراقي في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق المتاخم للحدود التركية، وطول السكة هو 1175 كيلو مترا.

أما فيما يتعلق بطول الطريق البري بين الفاو ومنفذ فيشخابور، فهو يبلغ 1190 كيلو مترا، ولكل من سكة الحديد والطريق البري مسار واحد، فلا يلتقيان إلا في شمال محافظة كربلاء فيستمر سيرهما متقاربين حتى منفذ فيشخابور مع تركيا.

المتحدث باسم رئاسة الوزراء في العراق، باسم العوادي، قال في تصريحات صحفية، إن هذا الطريق الستراتيجي “سينقل البضائع بمختلف أنواعها من أوروبا إلى تركيا عبر العراق وإلى الخليج، وتمر السلع والموارد الخليجية من الخليج عبر العراق، ثم تركيا وأوروبا”.

الطريق وفقا للعوادي، لا تريد له الحكومة العراقية أن يصبح ترانزيت، بل ترغب بأن يتحول هذا الخط البري والسكة الحديدية إلى طريق وشريان حيوي للاقتصاد، وهناك مخططات لمدن صناعية ومدن إسكان تحاط بالطريق، وسيشهد عبور آلاف الشاحنات المقبلة من 25 دولة.

الآن نعرج على الصين، فقد كشف نائب السفير الصيني لدى العراق شو هايفينغ في مؤتمر صحفي، أمس الأربعاء، عن رغبة بكين بالمشاركة في مشروع طريق التنمية. “الجانب الصيني يحرص على المشاركة النشطة في مشروع طريق التنمية للجانب العراقي، بالإضافة الى تضافر الجهود مع الجانب العراقي لدفع التعاون العالي في بناء الحزام والطريق لتحقيق المزيد من النتائج في العراق”.

مسيرة التحرك الصيني على المشروع

هنا نستكشف أن بكين تنظر إلى أهمية مشروع طريق التنمية بالأهمية ذاتها التي توليها لمشروع “الحزام والطريق” الذي تقوده بنفسها، لذا تحاول تصدير رواية أن الطريقين يمثلان هدفا واحدا، الرابح منه بالطبع بكين، لا بغداد، لكن ما الذي سيجنيه مشروع التنمية للصين، وكيف تستطيع المشاركة به؟ 

سؤال كيفية مشاركة بكين بالمشروع مهم؛ لأن المشروع عندما أطلقته بغداد بقيادة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، كان بمشاركة إقليمية لنحو 10 دول، هي دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا وسوريا والأردن، وحضر وزراء النقل الممثلين لتلك الدول لمؤتمر إعلان المشروع في العراق، في وقت لم يكن هناك أي حضور للصين يومها.

تصريح نائب السفير الصيني أمس، يعيدنا إلى الوراء قليلا، فعند البحث، وجدنا أن بكين وبعد أسبوع من إعلان المشروع تحركت على بغداد، إذا التقى سفيرها في العراق تسوي وي برئيس الحكومة العراقية، شياع السوداني، ونقل له تحيات القيادة الصينية، قائلا إن مشروع “طريق التنمية” مهم جدا للعراق، مبدياً رغبة بلاده في الاطلاع على دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، وهو ما يعني أن ثمة رسالة واضحة للعراق، مفادها نية الصين الانخراط بالمشروع.

بعيد ذلك اللقاء، التقى السفير الصيني بوزير النقل العراقي رزاق محيبس، وهنا أكد تسوي وي، استعداد بلاده للمساهمة في مشروع طريق التنمية، فيما أبدى محيبس، ترحيب بغداد بمشاركة الصين  في المشروع بإطار التنفيذ والاستثمار، قائلا إن “المشروع يخدم العراق وسائر المنطقة بما فيها الصين، ويضمن تقليل الوقت والجهد والتكلفة”. 

ليس هذا فقط، بل ذهبت بغداد إلى أبعد من ذلك، بإشارة الوزير محيبس إلى أن، الحكومة العراقية تطمح لأن تكون للصين مساهمة فاعلة في عمل وأنشطة مشروع طريق التنمية، بناء على الثقة الكبيرة بخبرات الشركات الصينية الكبرى، “لا سيما في مجالات النقل والاستثمار والبنية التحتية”، مردفا: “نحن نخطط لعقد مؤتمر ثان خاص بطريق التنمية، وسنوجه دعوة رسمية إلى الصين للمشاركة فيه”.

الصين وضمان المشاركة

هنا وبعد لقاءات السفير الصيني، وتصريح نائب السفير الصيني، البارحة، ضمنت الصين مشاركتها الفعلية في مشروع طريق التنمية، الذي تُقدّر التكلفة الأولية له قرابة 17 مليار دولار أميركي، وهو رقم من الاستحالة على الحكومة العراقية تأمينه، خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تخنق بغداد يوما بعد آخر، لا سيما وأن العراق لا يعتمد إلا على النفط في تأمين اقتصاده.

هنا لا بد من الإشارة، إلى أنه من المخطط أن تنتهي المرحلة الأولى من هذا المشروع بحلول عام 2028، على أن تنتهي المرحلة الثانية بعدها بنحو 10 سنوات، إذ تزداد معها الطاقة الاستيعابية للنقل إلى 400 ألف حاوية، وصولا إلى المرحلة النهائية المقررة أن تنتهي في عام 2050.

بحسب دراسة امعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن مشروع طريق التنمية يتكون من عناصر مشابهة للمشاريع الصينية في عدد من دول وسط آسيا، حيث يتألف من حركة تجارية افتراضية مُرتبطة بتطوير الموانئ وشبكة طرق سريعة تمتد من الخليج إلى مدخل تركيا من جهة زاخو، ناهيك عن أنه يتضمن عناصر أساسية مشابهة للمشاريع الصينية، كخطوط السكك الحديدة الطويلة التي تستخدم لنقل البضائع والأشخاص.

في هذا السياق، ترى الباحثة في الاقتصاد السياسي ريم الجاف، أن بكين تريد أن تقبض يدها على العراق من خلال تمويل المشروع، الذي لن تستطيع الحكومة العراقية بتأمينه لا ببشراكتها مع القطاع الخاص المحلي شبه المنهار، ولا بتأمينه حكوميا من خلال الموازنات، خصوصا في ظل الاقتصاد الذي يعتمد أساسا على سعر النفط لا غير، على حد تعبيرها.

الجدير بالذكر، أن المؤتمر التأسيسي طرح 3 خيارات لتمويل مشروع طريق التنمية، أولها التمويل الحكومي، وثانيها الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، وثالثها التمويل من خلال استثمار مجموعة من الشركات العالمية مع شراكات محلية.

فائدة الصين

فكرة تمويل المشروع من قبل بكين التي تطرحها الجاف، تنطبق مع الخيار الثالث المتعلق بالاستثمار مع الشركات العالمية، لذا يبدو أن الصين هي من ستستثمر في تمويل المشروع، لكن ما الفائدة التي ستجنيها من تلك الخطوة؟ 

قبل ذلك، وكمعلومة يتحتم تمريرها وعدم تجاوزها، لا بد من الإشارة إلى أن الشركات الصينية لديها استثمارات بمليارات الدولارات في العراق، ناهيك عن أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز 53 مليار دولار في العام الماضي، بحسب بيان السفارة الصينية في بغداد.

ترى الجاف في حديث مع “الحل نت”، أن الفائدة ستجنيها الصين بمجرد إنجاز المشروع؛ لأنها ستحقق زيادة كبيرة في صادراتها إلى أوروبا عبر الموانئ العراقية نظرا لقصر المسافة من العراق عبر تركيا إلى أوروبا، ناهيك عن تقليل تكلفة نقل البضائع، وهذا يتضح أكثر عبر نيتها نقل العديد من معاملها إلى مدينة الفاو في أقصى جنوبي العراق، حيث نقطة انطلاق مشروع التنمية.

كذلك لا تستبعد الجاف، أن تعمد الصين إلى سياستها المعتادة، وهي إغراق البلدان بالديون، إذ قد تغري بغداد بتكفلها بتمويل المشروع، ومستقبلا ستستعيد ما أنفقته ومعه أرباح عديدة من خلال السيطرة على نسبة كبيرة من العائدات التي يجنيها العراق من المشروع، ومنها مثلا عوائد “الترانزيت”.

في النهاية، فإن أفضل ما يصف الوضع المستقبلي، ما استخلصته دراسة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، التي رأت أنه بصرف النظر عن جدوى خطة المشروع، ينبغي النظر إليه كونه مؤشر على الانكباب العراقي تجاه الحضن الصيني، لذا ينبغي على المسؤولين العراقيين أن يكونوا أكثر حذراً، وألاّ يكونوا واثقين أن المشاركة الصينية ستحقق الأهداف المنشودة التي وضعوها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات