بات من الواضح تورّط إيران في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، في التخطيط والتدريب وتوقيت الهجوم، حيث أوضحت التقارير أن التنسيق بين إيران وما يسمى بـ”غرفة العمليات المشتركة” في لبنان (التي تضم حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي في فلسطين) كان ثابتا. 

وهي حقيقة تجلّت في الزيارات المتكررة إلى بيروت من قِبل كبار المسؤولين الإيرانيين، وخاصة إسماعيل قاآني، قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، في الأشهر والأسابيع التي سبقت يوم الإعلان عن “طوفان الأقصى”، حيث عقد قادة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين، مثل صالح العاروري وزياد نخالة، وكلاهما متمركزان في لبنان تحت حماية “حزب الله”، اجتماعات منتظمة في بيروت وفي طهران مع الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصرالله، والقيادة الإيرانية.

منذ ذلك الحين، أصبح تورّط طهران المباشر أكثر وضوحا، إذ يتواجد قاآني في لبنان بشكل شبه مستمر منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر، حيث يشرف على غرفة العمليات المشتركة، وهذا ما يدفع حاليا مجلس الحرب الإسرائيلي للتخطيط من أجل ردّ قد يشمل إيران و”حزب الله”.

محاسبة إيران

يرى الكاتب الإماراتي، سالم الكتبي، أنه وبينما تجيد طهران نسج السيناريوهات التي تريد تصديرها إلى العالم، فإنها تدرك جيداً أن دورها قادم.

أعلام إسرائيل وإيران – غيتي

ومن المتوقع أنه في مرحلة ما بعد غزة، ستتحرك إسرائيل لمحاسبة إيران (إلى جانب أذرع ميليشياتها الإرهابية في لبنان واليمن والعراق) على مسؤوليتها في دعم وتمويل أسلحة الجماعات التي تهاجم إسرائيل والولايات المتحدة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي .

منذ وصول القوات الأميركية إلى الشرق الأوسط، وإعلان واشنطن دعمها الكامل لإسرائيل في مواجهة الهجوم عليها، تراجعت حدّة التصريحات الإيرانية حول الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل، وبدأت بكيل سيلٍ من الروايات حول عدم ضلوعها بالهجوم أو معرفتها به.

كل هذه الروايات المتزامنة تصبّ في مصلحة عدة أطراف، أولها بالطبع إيران و”حزب الله”، اللذان يريدان الاكتفاء بالظهور الإعلامي والدعائي في ساحة صراع غزة من دون دفع ثمن استراتيجي، وهو ما قد يؤدي إلى تدمير مقدّرات الحزب، ويعرض النظام الإيراني لضربة إسرائيلية قوية في ظل الضوء الأخضر الأميركي الأوروبي.

إضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الأميركية الحالية تتعرض لضغوط جمهورية من الداخل، وكذلك من إسرائيل، للانتقام من إيران أو على الأقل التعامل معها بشكل أكثر صرامة؛ أو إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لتوجيه ضربة انتقامية لردع دعمها للمنظمات التي تهدد أمن إسرائيل.

وهنا الخلاصة هي أن مصالح إيران و”حزب الله” تتلاقى على فكرة تقويض مسؤولية طهران عن قرار “حماس” مهاجمة إسرائيل، وبالتالي فمن المرجّح أن يكون التسريب الذي نقلته وكالة “رويترز” – بأن المرشد الأعلى لإيران أبلغ إسماعيل هنية بعدم نيّة بلاده الدخول في حرب – صحيحا، وأنه كان متعمدا من الجانب الإيراني.

“جوهرة التاج” الإيرانية لديها الكثير لتخسره

تصنف الولايات المتحدة كلّاً من “حزب الله” و”حماس” على أنهما منظمتَين إرهابيتَين، وكلاهما يساعد إيران على توسيع نفوذها، لكن المجموعة اللبنانية هي الأهم، بحسب جوزيف ضاهر، مؤلِّف كتاب “حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله في لبنان”.

كيف تستعد إسرائيل لمحاسبة إيران على دورها في هجمات غزة؟ (3)
مسيرة مؤيدة للحكومة في جمهورية إيران الإسلامية، تجمع الناس في ميدان الإمام الحسين في طهران في 3 نوفمبر 2023، لمشاهدة خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بشأن الصراع بين إسرائيل وحماس. (تصوير حسين بيريس / صور الشرق الأوسط)

ربما أصبح “حزب الله”، عدو إسرائيل على الجبهة الشمالية، أقوى من أي وقت مضى، وهو ما يعني أن لديه أيضاً الكثير ليخسره، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الجماعة اللبنانية ترغب في تجنّب الانجرار إلى حرب شاملة مع إسرائيل، وهو التردد الذي تشاركه فيه راعيتها إيران.

ربما تحدد مثل هذه الحسابات كيفية تطوّر الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط، إذ يتبادل “حزب الله” والجيش الإسرائيلي إطلاق النار بشكل شبه يومي، لكن تلك الاشتباكات عبر الحدود اللبنانية كانت مقيّدة نسبياً.

يقول ضاهر: “إن إيران لا تريد أن ترى جوهرة تاجها تضعف”، ويشير إلى أن هدف إيران الجيوسياسي ليس تحرير الفلسطينيين، بل استخدام مثل هذه الجماعات كوسيلة ضغط، خاصة في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي فايز، يعتقد أنه لا إيران ولا “حزب الله” يريدان اندلاع حريق إقليمي من شأنه أن يكون مكلفاً للغاية بالنسبة لهما؛ ولكن هناك أيضاً تكلفة مرتبطة بالسماح بتدمير عضو في تحالفهم بالكامل.

إلا أن نيّة إسرائيل وبعض الجهات في واشنطن بتأديب إيران، جعلها تبدأ برحلة تكثيف جهودها للتّهرب من المسؤولية المباشرة عن قرار “حماس”، في ظل الدمار الذي يشهده قطاع غزة وانهيار القضية الفلسطينية وحركة “حماس”.

بل لم ترغب إيران في تحمّل مسؤولية القرار الخاطئ؛ واختارت التضحية بـ “حماس” للحفاظ على ما تبقى من سلاح ميليشياتها الإرهابية، والذي يمكن أن يتعرض لضربات عسكرية مكثّفة لاحقة إذا ثبتت مسؤولية إيران عن الهجمات التي تعرّضت لها إسرائيل على مدار العام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات