منعطف جديد تدخله الحرب على أوكرانيا، منذ غزو روسيا لكييف قبل نحو 21 شهرا، يتمثل بهجمات حيوية مكثفة يقوم بها جيش الكرملين، ويتزامن معه تحذير من “حلف الناتو” مما هو قادم، لا يبشر بالخير في البلاد التي يدافع عنها الغرب ضد طمع فلاديمير بوتين. 

الجديد، أن موسكو شنت حملات هجومية ليلية مكثفة في عدة مناطق أوكرانية، وهذا يتزامن مع المرسوم الذي وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزيادة حجم جيش البلاد بنسبة 15 بالمئة، وهو ما بعني تعبئة جديدة في أوكرانيا، بهدف احتلال كل ما يمكن احتلاله من أراض أوكرانية، ولكن لماذا التوسعة الآن بالذات؟

هذه التوسعة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق وأن استدعت موسكو جزءا من الاحتياط للمشاركة في غزو أوكرانيا العام المنصرم، 300 ألف جندي احتياط أي ما يقرب من 1.1 بالمئة من القدرات التي يمكن استدعاؤها، وذلك عقب أمر الرئيس بوتين بتوسيع حجم الجيش الروسي إلى 1.15 مليون فرد.

هجمات متصاعدة

بموجب القرار الأخير الخاص بزيادة عدد القوات المسلحة الروسية وفق مرسوم بوتين، فإنه سيتم إضافة 170 ألف جندي متعاقد أو مجند، ليصل قوام الجيش الروسي إلى مليون و320 ألف فرد.

في سياق الهجمات الحديثة، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في إيجاز صحافي نهاية الأسبوع المنصرم، “يتحرّك جنودنا بكفاءة وحزم إذ يحتلون موقعاً أفضل، ويوسعون مناطق سيطرتهم في كافة الاتجاهات”، مشيراً إلى أن الجنود الروس “يلحقون أضراراً بالغة بالقوات المسلحة الأوكرانية، ويخفضون بشكل كبير قدراتها القتالية”.

في السياق ذاته، أشارت وكالة “فرانس برس”، إلى أن القوات الروسية حققت مكاسب تدريجية، -وإن تمّ ذلك بكلفة بشرية هائلة- في وقت تؤكد كييف أن قواتها تواصل صد الهجمات الروسية.

الجيش الأوكراني، كان قد أعلن، أن القوات الروسية تكثف هجومها للسيطرة على مدينة أفدييفكا، من خلال محاولة التقدم من كل الجهات، إذ ترسل موسكو جنوداً ومعدات إلى أفدييفكا في مسعى لمحاصرة البلدة التي تعد مركزاً صناعياً هاماً في دونيتسك، والسيطرة عليها.

المسيّرات سلاح بوتين

الهجوم الروسي المكثف، رافقه هجوم بالمسيّرات، التي استهدفت جنوب وشرق أوكرانيا، تمكنت كييف من إسقاط 18 مسيّرة منها، لكن ذلك لم يمنع الروس من مواصلة الهجمات، فالتعبئة الجديدة، هدفها الاستمرار بلا توقف، مهما كانت الظروف.

ما يجب ذكره، أنه لم يشهد التاريخ صراعاً عسكرياً استُخدمت فيه المسيرات أكثر من الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ تعتمد روسيا بشكل أساسي على المسيّرات، حاملات الذخائر الجوالة، وهنا تولي موسكو ضمن استراتيجية عام 2024 الخاص بالمسيرات، أولوية قصوى لصناعة المسيّرات، وهذا ما أكده بوتين بنفسه، صيف هذا العام، بقوله إن صناعة الطائرات المسيّرة هي أهم مجالات النشاط الروسي، وسيصل حجم الاستثمارات في هذه الصناعة مستقبلا إلى تريليون روبل روسي، بحسبه.

في هذا الصدد، وبحسب تقارير صحفية، فإنه تم إلى الآن، بناء قرابة 18 مبنى في منطقة رودنيفو الصناعية، المدرجة في المنطقة الاقتصادية الخاصة “تخنوبوليس موسكو”، حيث ستنشر 17 شركة قدراتها، وسينتج معظمها طائرات مسيّرة.

إضافة إلى ذلك، ووفقا للخطط الروسية التي أعلنها بوتين بشأن سلاح المسيرات، فإنه مع مطلع العام المقبل ستزداد سرعة الإنتاج الروسي للمسيرات إلى 220 مسيرة شهرياً، ومن المخطط أن يتم إنتاج أكثر من 6 آلاف مسيرة بحلول أيلول/ سبتمبر 2024. 

تحرك موسكو لمواجهة التسليح الأوكراني

يقول الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، إن التحرك الروسي الأخير هو نتيجة طبيعية لحجم المعركة التي تخوضها موسكو مع الغرب، فهي استنزفت الكثير من قدراتها العسكرية ومواردها البشرية لأجل إثبات وجودها بشرق القارة الأوروبية، لذا تحاول بتحركها العسكري الأخير، إرسال رسائل للناتو والقوى الغربية، أنها لن تكف عن محاولة بسط نفوذها على شرق القارة ولا يمكن تقويضها. 

من جانب آخر يردف البيدر في حديثه مع “الحل نت”، بأن التحرك الروسي العسكري المتمثل بالتعبئة، يأتي عقب تسليح الجيش الأوكراني مؤخرا بالأسلحة المتطورة من قبل “تحالف الناتو”، لذا قامت موسكو بالتعبئة لخلق حالة من المواجهة تجاه الدعم الأخير لأوكرانيا، على حد تعبيره.

بالتزامن مع التطورات الجديدة على الساحة الأوكرانية، دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرج، أمس الأحد، التحالف العسكري الغربي إلى الاستعداد لـ”الأخبار السيئة” القادمة من أوكرانيا، مردفا في مقابلة مع محطة “ARD” الألمانية، أن “الحروب تتطور على مراحل (…) لذلك علينا دعم أوكرانيا في كل من الأوقات الجيدة والسيئة”.

ستولتنبرج دعا “أعضاء حلف شمال الأطلسي إلى تكثيف إنتاج الذخيرة”، معرباً عن أسفه على حالة الصناعات العسكرية “المفككة” في أوروبا، مضيفا: “لسنا قادرين على العمل معاً بشكل أقرب كما ينبغي”، فيما حث الحكومات الأوروبية “على النظر إلى ما هو أبعد من مصالحها، ورؤية الصورة الكبيرة”.

أمين عام “حلف الناتو”، أشار أيضا، إلى أن انتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحرب “لن يكون مأساة على أوكرانيا فقط، بل سيشكل أيضاً خطراً على بقية الحلفاء”، فيما لفت إلى أنه، “كلما زاد دعمنا لأوكرانيا، كلما اقتربنا من نهاية الحرب بشكل أسرع”.

أفدييفكا العصية.. الاقتحام قبل الانتخابات؟

في هذا الإطار، يقول الأكاديمي في “جامعة كييف الوطنية للغات”، الباحث السياسي ميكولا باستون، في حديث مع “الحل نت”، إن الهجمات الجديدة، هي استمرار للهدف الذي حدّده بوتين منذ عدة أشهر، وهو اقتحام مدينة أفدييفكا والاستيلاء عليها قبل الانتخابات الروسية المقبلة، لكن الجيش الروسي تكبد خسائر كبيرة ولم يستطع حتى الآن ااسيطرة على هذه البلدة، لذا قام بوتين بزيادة عدد قوات جيشه لتعويض الخسائر، وتوسعة هجومه لاحتلال أفدييفكا.

أما بشأن تحذير “الناتو” من الأخبار السيئة المقبلة، فذلك يعني أن الحلف لديه معلومات بشأن ما ستقدم عليه موسكو، من الحصول على أسلحة جديدة، وربما القيام بعمليات توسعة عسكرية كبيرة، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة، وفق باستون.

بحسب باستون، فإن الأخبار السيئة تعني عدم تحقيق انتصارات أرضية كبيرة في أوكرانيا، كان “الناتو” يتوقع أن يحدثها الجيش الأوكراني بعد تسليحه بأسلحة متطورة وحديثة، ولكن هذه الأسلحة لوحدها من دون الطائرات وراجمات الصواريخ والصواريخ بعيدة المدى وانعدام الأسطول البحري، لا يمكنها تحقيق انتصار قاطع على الجيش الروسي.

أخيرا، فيما يخص الهجوم الأخير بالمسيّرات الحرارية، يشير باستون، إلى أنه من الواضح أن بوتين يحتاج لأي نتيجة أو انتصار قبل بداية حملته للانتخابات الرئاسية، وهو يعرف جيدا أن حربه استنزفت الكثير من قدرات جيشه عسكريا وبشريا، لذا يطلب من حيشه شن المزيد من الهجمات وإن كانت عبر المسيرات، بهدف تحقيق مكاسب تساعده في حملته الانتخابية قبل انتخابات آذار/ مارس 2024. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة