إن فحصاً بسيطاً لما نشاهده من أحداث توثّقها كاميرات المقاتلين للفصائل الفلسطينية أو “حركات المقاومة الفلسطينية”، تبرز تكرار عدّة مصطلحات تلازم مثل هذه المعارك والتي تمنحها صفة “الجهاد”، عدّة تتراوح ما بين التكبير، التهليل، وترديد آيات قرانية تتوعد غير المسلم أو تبشر المستشهد، هذه العدّة تسعى في الغالب لتلطيف ضراوة القتال والقبول بالموت باعتباره بابٌ من أبواب المكافأة الآخروية، إلا أن مقاطع الفيديوهات التي تصل إلى العالم تعطي صورة أو انطباع عن تحالف بين الدّين والعنف، القتل باسم الله من أجل استنجاد النصر، فهل عملية التوظيف للعدّة الجهادية هي مجرد ظاهرة لغوية تتغذى على التبجّح التديّني أو ما قد نسميه التضخيم الذاتي، أم هي عملية تخدم حسّ “المقاومة” وتضمن استمرارها؟ في المقابل ألا يسمح هذا التوظيف لإسرائيل باستخدامه ذريعة لاتهام “المقاومة” بالإرهاب؟

لنقُل إن عملية توظيف العدّة المفهومية الجهادية اللفظية في غمار معركة “المقاومة ضد إسرائيل” تدخل بباب الأيديولوجيا الَتَقوية/الجهادية التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية قد يُرجى من ورائها بثّ روح القتال والاستماتة في الميدان، وهي أيديولوجيا تظل مطلوبة نسبيا، ويمكن القبول بها في سياق معيّن، مادامت تمنح المقاتلين إيمانا بقوة فوق طبيعية أو وجود صحبة ألهية ترعى وتساند مطلبهم الدنيوي الخاص بتحقّق الحياة الكريمة المستقلة عن إسرائيل، خصوصا وأن كفّة القتال غير عادلة، فمن المعلوم أن إسرائيل مسانَدة من قوى غربية كبرى سياسياَ وعسكرياً، على خلاف الفصائل التي في الغالب “تبدع أدوات قتالية بسيطة، بشكل ذاتي أو بمساعدة دول الجوار”، هذه البساطة تجعلها تنسج تضخيماً ذاتياً لأي انجاز على الأرض واعتباره ذروة النصرة الإلهية.

حمّالٌ لعدة أوجه

إن هذا النوع من الأيديولوجية التي تستخدمه الفصائل الفلسطينية هو في الحقيقة حمّالٌ لعدة أوجه: أولا يجعلنا نتطبّع مع الأعداد الهائلة للقتلى، ماداموا قد استشهدوا باسم الله وفي سبيله ونصرته، مما يجعل فكرة الاستشهاد فكرة مغرية بذاتها ولذاتها، فالمقاتل يذهب نحو الموت بشكل يقيني لا تلزمه سوى الصحبة السماوية لتخفيف وطأته النفسية، وهو ما تبرع الحركة في تهيئة المقاتل لتجربته، بيد أن التحفيز يخلق بالمقابل نوعاً من التعايش أو التأقلم مع الموت لدرجة اعتباره ابتلاء بدرجة الاصطفاء الإلهي للفلسطينيين دون غيرهم.

لكن لنتخذ مسافة من الأمر، ألا تسوّق هذه الأيديولوجية الجهادية صورة مرعبة عن مفهوم الحرب والقتال في الإسلام بالأخص في سياق ذاك الآخر الذي قد لايعي سياق الحرب ولا محرّكها بالأساس؟

إن تسليط الضوء على السياق المغاير لنا يجعلنا أمام حالة من الاندهاش إزاء ربط التكبير وتلاوة الآيات القرآنية بصوتٍ عالٍ أثناء قنص أو قبل الشروع في الحرب أو حتى عند أسر جندي إسرائيلي أو حرق دبابة بها جنود إسرائيليين، فترتفع الأصوات لتهلل بالنصر الإلهي، إذ كل هذه المظاهر الدينية أثناء المعارك يجعل من القتال مناسبة لربط الدّين بالحرب أو العنف أو أن الله يبارك العنف ويزكّيه، فباسمه ولأجله ولنصرته نحارب، مما يجعل الدور الديني فيها مضخّم بشكل كبير أكثر مما تدعو إليه الحاجة عَلَنا، فنصير أمام قلب المعادلة، وعوض أن يحرّك هذا الكم المهول من القتلى إنسانية الإنسان نجده يقتلها أو على الأقل يجمّدها، فما الذي يعنيه ذلك؟

صور المقاتلين في المخيال الجمعي

إن صور المقاتلين في المخيال الجمعي الغربي كما يتم الترويج لها من خلال المشاهد التي تصلنا من أرض المعركة تذكرهم بالدرجة الأولى بجماعة “داعش” وأفغانستان والجماعات المتشددة التي تتدرّع بالدين في المعارك القتالية وتعيد للأذهان أحداث الإرهاب العالمي، أكثر مما تربطها بمطالب مدنية مشروعة لشعب له حقوق، الأمر الذي يسهّل بالمقابل على إسرائيل ربط الفصائل “المقاومة” بالإرهاب، حيث تحاول تمرير أن ما عاشته إسرائيل خلال 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو بالأساس تكرار لأحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 التي استهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك والتي اتُّهمت الجماعات الإسلاموية المتطرفة بتنفيذها، الأمر الذي يجعلها توازي بشكل صريح بين “داعش” و”حماس”، من باب ايهام الكل بأنها تتعرض لنفس العدو.

وأن هذا العدو ينهل من نفس الأيديووجيا الجهادية حيث يسعى للقتل الهمجي للمختلف بدون مبرر وخارج أي سياق، لتحصل بالنهاية إسرائيل على السّند أو التحالف الغربي لمواجهة هذا التهديد، مما جعل مفهوم الإرهاب مطية لتمرير العديد من الأيديولوجيات الاقصائية العالمية.

لهذا وجب التنبيه بشكل كبير لتأثير ثقافة الصورة والمشاهد القتالية التي يتم شحنها بأيديولوجية جهادية، وأهمية مواكبة الذهنية المغايرة وكذا ضرورة التسويق للمطالب التحررية وفق القيم الإنسانية الكونية، والخروج قدر الإمكان من بوتقة الرؤية الدينية الضيقة التي قد تخدم الجانب التَقَوي الجمعي لسياقنا الإسلامي، لكنها بالمقابل تعمل على تضييق الخناق على الأهداف المحقّة أكثر مما تخدمها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4.3 7 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
3 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات
abdossamad
3 شهور

un article bien précis

ليلى
3 شهور

اليس من حق حماس استخدام الايديولوجية الدينية علينا؟

حسن
2 شهور

اللهم انصر فلسطين

الأكثر قراءة