أثار هجوم صاروخي إسرائيلي أدى إلى مقتل قائد كبير في “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا في الأيام القليلة الماضية، انتقادات للشراكة العسكرية بين روسيا وإيران، وأثار تساؤلات حول مستقبل تعاونهما في المنطقة.

في 25 كانون الأول/ديسمبر، قُتل رضي موسوي، وهو شخصية رئيسية في تشكيل الوجود العسكري الإيراني في سوريا، خلال هجوم صاروخي على مقر إقامته في منطقة السيدة زينب بدمشق، وبحسب ما ورد كان موسوي مسؤولاً عن الإشراف على تجنيد وتدريب ونشر الآلاف من الميليشيات والمقاتلين الذين تدعمهم إيران في سوريا، فضلاً عن التنسيق مع الحكومة السورية و”حزب الله” اللبناني.

ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها رسميا عن الهجوم، لكن مسؤولين إسرائيليين ألمحوا إليه في تصريحات صحفية، ورغم أنه الهجوم لم يكن المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل قوات إيرانية في سوريا، إلا أن أصوات إيرانية حمّلت روسيا مسؤولية مقتل موسوي،  ويبدو أن هناك صدمة في إيران؛ فهل يفسد قتل “موسوي” في سوريا علاقات موسكو وطهران؟

الصمّت الروسي.. مشكلة!

ضمن حملتها لمنع إيران من ترسيخ نفسها ونقل الأسلحة والتكنولوجيا إلى وكلائها، دائما ما تقصف إسرائيل مواقع سورية يتواجد فيها إيرانيون. ووفقا لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فقد نفّذت إسرائيل أكثر من 600 غارة جوية في سوريا منذ عام 2011، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1700 مقاتل إيراني وحلفائها.

صورة تظهر نظامين صاروخيين روسيين من طراز S-400 Triumf S-400 Triumf في قاعدة حميميم العسكرية الروسية في محافظة اللاذقية، شمال غرب سوريا، في 16 ديسمبر 2015. (غيتي)

لكن هذه الحادثة لفتت الانتباه إلى فشل روسيا في نشر نظام الدفاع الصاروخي المتقدم “إس-300” لدعم إيران، حليفتها الرئيسية في المنطقة. وسلّمت روسيا نظام “إس-300” إلى سوريا في عام 2018، بعد أن أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة روسية عن طريق الخطأ خلال غارة إسرائيلية. وكانت روسيا قد وعدت أيضا بتزويد إيران بنفس النظام، لكن تم تعليق الصفقة بسبب العقوبات والضغوط الدولية.

إن غياب نظام “S-300” الذي يديره خبراء روس، ترك إيران وحلفاءها عُرضة للهجمات الإسرائيلية، وكشف القيود والتناقضات في الشراكة الروسية الإيرانية في سوريا. وفي حين أن كلا البلدين لهما مصلحة مشتركة في الحفاظ على سلطة دمشق ومواجهة النفوذ الأميركي، فإن لديهما أيضاً أجندات وأولويات متباينة في المنطقة. 

روسيا تسعى إلى الحفاظ على توازن القوى والوضع الراهن المستقر، في حين تنتهج إيران استراتيجية أكثر عدوانية وتوسعية لتحدي إسرائيل ودول الخليج العربي.

كما أثار مقتل موسوي في سوريا الصدمة والغضب في إيران، وأثار الشكوك حول مصداقية وصدق روسيا كشريك وحامي. واتّهم بعض المسؤولين والمحللين الإيرانيين روسيا بالتواطؤ مع إسرائيل وخيانة إيران، فيما دعا آخرون إلى إعادة النظر في العلاقات الإيرانية الروسية. كما حثّ البعض إيران على تسريع تطوير أنظمة الدفاع الجوي والقدرات الصاروخية، والانتقام من إسرائيل.

فجوة غير معلنة

شكّك كاتب العمود الإيراني جعفر غلابي، في مقالٍ نُشر مؤخراً، في موقف روسيا من الدفاع عن القوات الإيرانية وصمتها تجاه الهجمات الإسرائيلية. 

أزمة ثقة إسرائيل تضرب نقطة ضعف إيران في سوريا وتفجر الشكوك مع موسكو (4)
أحد أفراد قوات الأمن السورية يتفقد حفرة أحدثتها غارة صاروخية إسرائيلية في دمشق. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)

وكتب  : “لماذا لا تستخدم الحكومة الروسية نظامها المتطور” إس-300″ لحماية المستشارين الإيرانيين في سوريا؟ لماذا لا تدين تلك الهجمات حتى؟ “، كما أثار غلابي مخاوفاً بشأن عدم تحرّك روسيا الواضح ضد القوات الجوية الإسرائيلية والأميركية. 

وأضاف: “لا توجد حكومة أو مجموعة، باستثناء القوات الجوية الإسرائيلية والأميركية، تمتلك القدرة والحافز للقيام بعمليات جوية ضد الحكومة السورية”. كما انتقد بعض الخبراء العسكريين الإيرانيين نهج إيران تجاه إسرائيل، وربطوا اغتيال موسوي بصمت إيران المتصوّر بشأن الهجمات الإسرائيلية السابقة على جنودها في سوريا.

المحلل الإيراني، صابر جولانباري، من جهته ذهب إلى أن إسرائيل تمتنع عن استهداف قادة حركة “حزب الله” في لبنان و”الحوثيين” في اليمن بسبب ما وصفه بـ”ميزان الرعب”. مضيفا، إن هذا التوازن لم يتحقق بعد بين إيران وإسرائيل في سوريا، مما يترك تل أبيب حرة اليد. 

وخلُص إلى أنه “في مثل هذا الوضع، ترى إسرائيل فرصة لتقديم اغتيال قائد إيراني على أنه إنجاز وانتصار كبير”.

مراجعة العلاقات مع موسكو

الهجوم جاء أيضاً في وقتٍ حرج بالنسبة للعلاقات بين روسيا وإيران، ففي سوريا يرى الإيرانيون أن تحركات موسكو هي في صالح إسرائيل وبعض دول الخليج العربي، بينما تحالفها مع طهران ليس سوى مصلحة من أجل دعم الجيش الروسي في أوكرانيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يزورون مقر القوات الروسية في العاصمة السورية دمشق. (تصوير أليكسي نيكولسكي/وكالة الصحافة الفرنسية)

هذه الخلاصة، جاءت بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الأربعاء الماضي، إنشاء نقطتين عسكريتين لمراقبة وقف إطلاق النار في محافظة القنيطرة، بمحاذاة الحدود مع الجولان السوري، وذلك في ضوء تصاعد عمليات خرق وقف إطلاق النار في المنطقة بين مجموعات محلية تموّلها إيران، ويعتقد أنها تعمل بتوجيه من إيران.

كان الأسبوع الأخير من عام 2023 فاصلاً مهمّاً بالعلاقات الروسية-الإيرانية، حيث استدعت وزارة الخارجية الإيرانية، القائم بأعمال السفارة الروسية في طهران، وسلّمته مذكرة احتجاج على خلفية بيان عربي روسي حول جزر متنازع عليها بالخليج.

وأفاد بيان للخارجية الإيرانية، أنه وفي ظل غياب السفير الروسي تم تسليم القائم بأعمال السفارة الروسية مذكرة الاحتجاج حول انتماء الجزر الثلاثة في الخليج العربي لإيران، وأن أي مطالبة من أي جهة بهذا الشأن “مرفوضة وغير مقبولة”.

وكان البيان الختامي لـ “المنتدى العربي الروسي” المقام في مدينة مراكش المغربية، أكد “على دعم كافة الجهود السلمية بما فيها المبادرات الرامية إلى التوصل إلى حلّ سلمي لقضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) وفقاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، من خلال المفاوضات الثنائية أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية إذا اتفقت الأطراف على ذلك”.

بيير بهلوي، الخبير في السياسة الخارجية الإيرانية، يرى أن إقامة الروس لنقاط مراقبة عسكرية في جنوب سوريا لها مغزى متعدد. ومن ضمن هذا المغزى، تظهر هذه الخطوة جانباً من جوانب الاختلاف بين إيران وروسيا في سوريا. ويتساءل بهلوي عن هدف روسيا من هذه الخطوة: هل هو تعزيز دورها الإعلامي أم تحقيق تأثير فعّال على الأرض؟

كما أضاف بهلوي في حديثه لـ”الحل نت”، أن إيران سعت إلى إحياء الجبهات في سوريا بناءً على مبدأ “توحيد الساحات” عقب انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة. لكن زيارات المسؤولين العسكريين الإيرانيين المتكررة إلى سوريا لتنشيط الجبهة لم تجد تجاوباً من روسيا، التي رفضت هذا النهج واستغلت “ورقة إيران” لتنظيم سلوكها في سوريا، مما أثر سلباً على تلك الجهود.

وشدد بهلوي على أن روسيا تمتلك القدرة الفعلية على عرقلة جهود إيران في الجنوب السوري، بفضل سيطرتها الكاملة على القرار العسكري في مناطق الجيش السوري. بالإضافة إلى ذلك، تلعب روسيا دوراً أساسياً في الاتفاقيات المرتبطة بأمان إسرائيل، مثل اتفاق التسوية مع فصائل المعارضة السورية في منتصف عام 2018، والاجتماع الأمني الثلاثي بين إسرائيل وأميركا وروسيا في منتصف عام 2019.

الجدير ذكره، أن “المرصد السوري لحقوق الإنسان” قد ذكر، الأربعاء الماضي، أن القوات الروسية ثبّتت 7 نقاط مراقبة قرب الحدود مع الجولان السوري، في قرى وبلدات القحطانية، وبئر عجم، وبريقة، وكودنا، والملعقة، والرفيد، وغدير البستان، بالريف الغربي لمحافظة القنيطرة.

مقتل موسوي وهذه الإرهاصات في العلاقات الإيرانية-الروسية يبدو أنها ستؤدي إلى زيادة تعقيد التفاهم بين الطرفين لا سيما في سوريا، حيث تستمر إسرائيل وإيران في الصدام والتنافس على النفوذ والهيمنة في سوريا وخارجها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات